العراق يسعى إلى تبديد قلق رؤوس الأموال الخائفة

العراق يسعى إلى تبديد قلق رؤوس الأموال الخائفة

09 سبتمبر 2020
الاستقرار الأمني يساهم في جذب الاستثمارات لمختلف المجالات (صباح عرعر/فرانس برس)
+ الخط -

حملت القرارات الأمنية الأخيرة لرئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، المتعلقة بوضع المنافذ والموانئ العراقية تحت سيطرة الجيش وتغيير قيادات أمنية وتنفيذ عمليات تفتيش ومطاردة للمطلوبين، أسبابا اقتصادية تتعلق بمحاولة تبديد مخاوف المستثمرين الأجانب والعرب وتوفير بيئة مناسبة لهم، ضمن خطة واسعة يسعى من خلالها العراق إلى جذب رؤوس أموال لمجالي الزراعة والإسكان على وجه التحديد تهدف إلى خلق عشرات آلاف فرص العمل وتنشيط القطاع الخاص، حسب مسؤول لـ"العربي الجديد". 
وطوال السنوات الماضية شكلت معضلة الأمن في العراق الحاجز الأول أمام الاستثمار الأجنبي، إذ تعرض الكثير من المستثمرين الى عمليات ابتزاز وخطف وعرقلة أعمال بغية الحصول على المال. وحسب مراقبين، عادة ما تقف مليشيات مسلحة وعصابات مختلفة وراء تلك الاضطرابات، وقامت بعمليات اختطاف عديدة فضلا عن عرقلة أعمال اضطرت الكثير من الشركات الاستثمارية إلى الانسحاب رغم التسهيلات التي كانت تقدمها الحكومات المتعاقبة لهم وتتمثل بإعفاء ضريبي وتمليك أراض لمدة تتجاوز 25 عاما. 
ووفق مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد" فإن "البصرة وبغداد ومناطق أخرى ستشهد حملات أمنية جديدة تحت عنوان السيطرة على السلاح المنفلت، تحمل جانبا منها أسباباً اقتصادية فلا وجود لإعمار ولا استثمار ما لم يكن هناك بيئة آمنة، والفترة الأخيرة كان السلاح طاردا لأي مستثمر مهما كان العرض مغريا، ووصل الأمر إلى بغداد أيضا وليس الجنوب أو الوسط فقط إذ نشطت جماعات متخصصة بترهيب المستثمر لأخذ مال منه لقاء السكوت عنه وتركه يعمل بحرية".
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن "رئيس الحكومة يسعى للتحرك نحو دول عربية وإقليمية وآسيوية أبرزها السعودية ومصر وتركيا وقطر والصين والهند فضلا عن الولايات المتحدة الأميركية لتقديم عروض استثمارية أمام شركاتها بالقطاعين العام والخاص في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة والإسكان وغيرها وهذا لن يكون نافعا إذا لم يتم فرض سيطرة الدولة والقانون على المناطق كافة".
وكشف عن وجود أكثر من 11600 فرصة استثمارية جاهزة في العراق لو كانت بمكان آخر لحصل تنافس عليها من مختلف الدول، لكن رغم هزيمة تنظيم "داعش" وإنهاء خطره بشكل شبه كامل ما زال المستثمر مترددا لأن الابتزاز والترهيب مورسا في مرات كثيرة على مستثمرين آخرين واضطروا لترك العراق، آخرها شركة طاقة آسيوية غادرت العراق قبل شهرين بسبب تعرضها للابتزاز.

وأضاف أن حكومة الكاظمي وبعد تراجع أسعار النفط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل الواحد والتزام العراق بتقليص صادراته النفطية، عزمت على جعل العراق بيئة جاذبة للاستثمار والقضاء على جميع أسباب الفساد في هيئة الاستثمار ومواجهة العصابات المسلحة والجماعات الخارجة على القانون التي أدت إلى خروج المستثمرين من البلاد، منوها إلى أن الأشهر القادمة يعول عليها أن تحقق نجاحا في توفير بيئة مناسبة لجذب عشرات الشركات والمئات من أصحاب رؤوس الأموال فضلا عن الدعم الدولي.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد قدم إلى القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان منتصف الشهر الماضي بين مصر والأردن والعراق سلسلة مشاريع استثمارية مختلفة أعرب عن أمله بشراكة دائمة لها بين الدول الثلاث.
وحول هذا الموضوع قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد حمه رشيد، لـ"العربي الجديد" إن نسبة الاستثمار في العراق منذ عام 2009 تكاد لا تذكر مقارنة بالفرص والعروض المطروحة.
وأوضح رشيد أن "الاستثمار الخارجي يحتاج إلى عنصرين أساسيين، الأول المناخ الآمن وهو ما يفتقده العراق في الوقت الحاضر بسبب تدهور الوضع الأمني وانتشار السلاح المنفلت، أما العنصر الثاني فيتمثل في غياب القوانين التي تشجع على الاستثمار وسيطرة الأحزاب المتنفذة على جميع الملفات ومشاركتها المستثمرين الأجانب واستحواذها على الجزء الأهم من القطاعات الحيوية، وهو ما أدى إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي".
وأضاف أن "من المتوقع إحداث طفرة نوعية في الاستثمار الخارجي داخل العراق بسبب الإقبال الكبير المرتقب من رؤوس الأموال"، منوهاً إلى أن اللقاء الذي جمع العراق بثرواته الغنية مع مصر بكتلتها البشرية والأردن ببناها التحتية المتمثلة بالبنوك والمصارف وموقعها الاستراتيجي، فضلا عن زيارة الرئيس الفرنسي للعراق، بعثت رسالة فحواها أن العراق أصبح يشكل أهمية كبيرة في المنطقة ومحط اهتمام معظم الدول.
ومن جهتها قالت آيات المظفر، القيادية في تحالف "النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إن "انتقال أي بلد من حالة الاضطرابات إلى الاستقرار يعني أن بوادر تغيير حقيقية شهدها هذا البلد".

ولفتت المظفر إلى إن العراق شهد في الأيام الأخيرة بوادر تغيير حقيقية مما جعل المجتمع الدولي يتدافع لاحتوائه اقتصاديا وأمنياً، ويرتقب أن يأتي هذا التدافع من طرفين، الأول الدول الرأسمالية والثاني دول العالم الثالث لغرض الاستفادة من عناصر قوة البلد وموقعه المهم".
وأضافت أن "الكاظمي نجح باستعادة ثقة المجتمع الدولي في العراق وفرض سيادة القانون"، متوقعة أن ينجح في الأيام القادمة في القضاء على المشاكل المستعصية وتقليص البطالة المتفاقمة منذ سنوات وتنويع موارد الدولة وتعدد مصادرها لخفض العجز الكبير في موازنة 2020 الذي تجاوز 49 ترليون دينار عراقي وحال دون إقرارها حتى اللحظة".
وبدوره استبعد النائب في البرلمان العراقي، حامد المطلك، إمكانية عودة شركات الاستثمار وأصحاب رؤوس الاستثمار للعراق في الوقت الحالي بسبب انتشار السلاح المنفلت وكتائب الكاتيوشا.
وقال المطلك في حديثه مع "العربي الجديد" إن "جذب الاستثمار الأجنبي إلى العراق خطوة في الاتجاه الصحيح لكن الإرباك الأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات وخصوصاً خلال عام 2020 خلق بيئة غير ملائمة للاستثمار"، منوهاً إلى أن الحكومة العراقية لا تملك حالياً الإمكانية لمنح الثقة للمستثمر بأن يضحي بمليارات الدولارات في مثل هذه البيئة المضطربة.
وأشار المطلك إلى أنه من الصعب إقناع الدول الراغبة بالاستثمار وأصحاب رؤوس الأموال بالدخول للعراق، ما لم يُصادر السلاح المنفلت المنتشر بيد العشائر والمليشيات والجماعات المسلحة وحصره بيد الدولة وخصوصاً في المناطق التي تمتلك موارد مهمة للاستثمار.