العراق: حملة انتقائية لمكافحة الفساد

العراق: حملة انتقائية لمكافحة الفساد

19 سبتمبر 2020
خلال تظاهرة في بغداد في فبراير الماضي (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

في حملة هي الأولى من نوعها والأكثر جدية في العراق منذ عام 2003، تواصل لجنة التحقيق العليا بقضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية التي شكلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عملها بدعم من قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي اعتقلت لغاية الآن أكثر من 10 شخصيات، أبرزها رئيس هيئة الاستثمار العراقية شاكر الزاملي، ورئيس هيئة التقاعد أحمد الساعدي، ورئيس المصرف الزراعي عادل خضير، ورؤساء شركات مالية ومدراء عامون بوزارات التخطيط والتجارة والتربية والنفط. وتحظى الحملة بدعم شعبي واسع، فضلاً عن تأييد من مرجعية النجف التي أعربت عن ترحيبها بحملات ملاحقة الفساد في بيان لها أخيراً، عقب لقاء الممثلة الأممية في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، المرجع الديني علي السيستاني.
لكن هذه الحملة، التي تستثني حتى اللحظة قيادات الصف الأول من السياسيين العراقيين المشتبه بتورطهم في عمليات فساد، والمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" عن غياب أي توجه لتوسيع الحملة لتطاولهم خلال الفترة المقبلة لأسباب عدة، فضلاً عن تمكن عدد من المتهمين من الفرار إلى خارج البلاد، تطرح علامات استفهام عدة حول جدواها في ظل الانتقائية التي تطبع عملها والإقرار المسبق بمحدوديتها.

اعتقالات جديدة
وشهدت بغداد خلال الساعات الماضية، اعتقال بهاء عبد الحسين، مدير شركة "كي كارد" المالية المسؤولة عن صرف مرتبات المتقاعدين والموظفين، في مطار بغداد الدولي، أثناء محاولته مغادرة البلاد، فيما صدرت أوامر بمنع سفر أمينة بغداد السابقة ذكرى علوش، ومديرة العقود بوزارة التخطيط أزهار الربيعي. كما صدر أمر قبض بحق المدير العام لدائرة الماء في أمانة بغداد، عمار موسى، ومسؤولين في مطار النجف، وديوان محافظة كركوك ومحافظة نينوى وصلاح الدين، ومسؤول بارز في البصرة. والخميس الماضي، تمّ اعتقال رئيس هيئة استثمار بغداد، شاكر الزاملي، من منزله في العاصمة، كما اعتُقل رئيس المصرف الزراعي العراقي الحكومي، عادل خضير مع نجله، بينما اعتُقل موظفان في هيئة الأوراق المالية، وذلك بعد يوم واحد من اعتقال رئيس هيئة التقاعد العامة السابق أحمد الساعدي، بتهم الفساد المالي.


الشخصيات التي تمّ اعتقالها يجري التحقيق معها بشكل سري


تحقيقات بشكل سرّي
في السياق، قال نائب بارز في البرلمان العراقي ومقرب من رئيس الحكومة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اليومين المقبلين سيشهدان إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين سابقين وحاليين بتهم فساد وإضرار بالمال العام ومخالفات، تتجاوز قيمتها مئات الملايين من الدولارات، وارتكبت خلال السنوات القليلة الماضية في وزارات عدة". وأضاف أنّ الشخصيات التي تمّ اعتقالها "يجري التحقيق معها بشكل سري من قبل لجنة قضائية مختصة، وبعضها اعترف على شخصيات أخرى متورطة معها بقضايا الفساد، بمن في ذلك شخصيات سياسية ومسؤولون كبار وموظفون بدرجة مدير عام وأدنى من ذلك".

وتابع النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "لجنة التحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية، خصّصت مكان حجز داخل المنطقة الخضراء يخضع المعتقلون فيه للتوقيف على ذمة التحقيق، وقد منعت عنهم الخروج بكفالة، فيما تم تكليف قوة خاصة من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي بحماية المكان". وأكّد أنّ الكاظمي منح اللجنة صلاحيات واسعة في هذا الإطار، "لكن ليس منتظراً منها أن تحقق أو تستهدف شخصيات الصف السياسي الأول المتهمة بالفساد، لأن الخطوة أكبر من قدرة حكومة الكاظمي بكثير، لذا فإنّ الاستهداف سيكون وفق قاعدة العمل بالمستطاع".

وكشف المصدر نفسه أنّ "بعض الشخصيات، التي عليها شبهات فساد، والتي تم وضعها على لائحة المطلوبين بقضايا فساد، من أعضاء البرلمان الحالي، تتمتع بحصانة برلمانية، وقد استغلّت هذا الأمر وهربت خارج العراق خلال اليومين الماضيين. لكن لجنة التحقيق في قضايا الفساد، ستفاتح مجلس النواب العراقي بمسألة رفع الحصانة عن كل نائب عليه شبهات فساد حتى يتم التحقيق معه. كما عمدت اللجنة إلى التواصل مع الشرطة الدولية (الإنتربول)، بهدف اعتقال الهاربين وتسليمهم إلى العراق بأسرع وقت".


حملة اعتقال المسؤولين الحاليين والسابقين سوف تستمر

من جهته، قال النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "سائرون"، محمود الزجراوي، إنّ "عمليات الاعتقال لاقت ترحيباً شعبياً واسعاً، وهذا مهم من أجل مواصلة الحكومة حملتها الحالية والسعي لاسترداد الأموال التي تمت مصادرتها من العراقيين وحُولت للخارج". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "عملية اعتقال المتورطين بقضايا الفساد يجب ألا تقتصر على المسؤولين الصغار، بل يجب أن تشمل الشخصيات والجهات التي كانت تتحكم بهذه الأدوات طيلة السنوات الماضية. كما يجب أن تشمل الحملة شخصيات بارزة من الصف الأول في العملية السياسية في العراق، فبعض هذه الشخصيات هي الراعي للفساد منذ عام 2003 ولغاية الآن".

ولفت الزجراوي إلى أنه "وفق المعطيات والمعلومات، فإنّ حملة اعتقال المسؤولين الحاليين والسابقين، وحتى الشخصيات السياسية المتورطة في الفساد، سوف تستمر، وخلال الأيام المقبلة، وربما الساعات المقبلة، سيتم اعتقال المزيد من هؤلاء، وربما تكون هناك شخصيات بارزة ومؤثرة في القرار السياسي بالبلاد".

وختم النائب عن تحالف "سائرون" حديثه بالقول إنه "بكل تأكيد هناك ضغوط سياسية، وربما حتى تهديدات لمصطفى الكاظمي، فهناك جهات وشخصيات سياسية تعتاش على قضايا الفساد سياسياً وحتى انتخابياً، ولهذا هي مع استمرار الفساد، حتى تضمن بقاء نفوذها وسيطرتها على الدولة العراقية ومواردها".

انقلاب على الدستور؟

في المقابل، وصف القيادي في تحالف "الفتح"، غضنفر البطيخ، ما يجري بأنه "انقلاب على الدستور"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "إننا مع محاربة الفساد، لكن وفق القانون والآليات الدستورية وجهاز القضاء المستقل، وما يحصل حالياً هو عبارة عن انقلاب أبيض على الدستور". وأوضح البطيخ أنّ "هناك عدم شفافية ووضوح بعمليات اعتقال المسؤولين السابقين أو الحاليين الذين عليهم شبهات فساد، فحتى الساعة، لا يوجد أي إعلان رسمي بهذا الخصوص من قبل القضاء العراقي، أو أي جهاز تنفيذي".


البطيخ: ما يحصل حالياً هو عبارة عن انقلاب أبيض على الدستور

وتابع أنّ "هناك شكوكا ومخاوف من استغلال عمليات اعتقال المسؤولين السابقين أو الحاليين أو الشخصيات السياسية لوجود شبهات فساد عليهم، لتصفية الحسابات السياسية والتسقيط والتشهير لأهداف شخصية وسياسية وانتخابية، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة"، معتبراً أنّ "ما يتم حالياً وطريقة ملاحقة أو محاسبة الفاسدين، سياسية بحتة وليست قضائية، وفق الدستور والقوانين العراقية النافذة".

ورأى القيادي في تحالف "الفتح" أنه "من غير المستبعد أن تكون هذه العمليات في إطار الضغوطات السياسية، وهناك شكوك بوقوف الولايات المتحدة الأميركية خلف هكذا عمليات، من خلال الضغط على الحكومة العراقية، واستغلال الترحيب والدعم الشعبي لهكذا عمليات، والتي لا نستبعد أن تشمل شخصيات سياسية بارزة خلال الأيام المقبلة".

لكن الخبير القانوني العراقي، حيدر الصوفي، أكد في تصريحات صحافية له أخيراً، أنّ "عمليات إلقاء القبض الأخيرة، التي طاولت شخصيات بمواقع حكومية سابقة وحالية، تمّت وفق مذكرات قبض قانونية تتعلق بملفات سابقة". وبيّن الصوفي أنّ "ملفات المقبوض عليهم كانت كاملة ومركونة سابقاً، وتم تقديمها للقضاء العراقي، الذي أصدر مذكرات القبض".

تقارير عربية
التحديثات الحية

المساهمون