وحصلت "العربي الجديد"، على معلومات من مسؤولين وقيادات عربية سنية أكّدت دخول إيران على خط الدول الضاغطة نحو إعادة تشكيل البيت العراقي السني ودخول الكتل السنية ضمن برنامج موحّد يمثّل سنّة العراق. ويواجه هذا الأمر صعوبات غير بسيطة في الوقت الحالي، رغم أن دولاً أخرى مثل الولايات المتحدة والسعودية، تضغط بالاتجاه نفسه أيضاً، لكن لدوافع قد تبدو مختلفة، رغم أنها تصبّ بالنهاية في ترسيخ الواقع الطائفي في العراق الذي أضعف البلاد وأدخلها في دائرة عنف وفساد مستشر يدفع ثمنه العراقيون حتى الآن.
وفشل ثاني اجتماع من نوعه في غضون أقل من أسبوع وضمّ القيادات السياسية السنية، بالخروج في اتفاق على إعادة لحمة كتلهم تحت عنوان واحد، على غرار "جبهة التوافق السنية" عام 2006 أو "تحالف القوى العراقية" عام 2014 والتي تميّزت بخطاب طائفي لا يختلف عن الخطاب الطائفي المقابل للتحالف الشيعي (التحالف الوطني الموحّد) أو التحالف الكردستاني الذي اتسم خطابه بالطابع العنصري والانفصالي في بعض الأحيان.
وبحث عدد من قادة الكتل العربية السنية في وقت متأخر من ليلة أول أمس السبت في منزل القيادي في "تحالف الوطنية" ورئيس البرلمان المنتهية ولايته، سليم الجبوري، في بغداد، مسألة تشكيل تحالف موحّد للقوى السنية أو على الأقل يجمع غالبية تلك الكتل، بعد رفض كتلة "بيارق الخير" ذات القاعدة العريضة في الموصل التخلّي عن تحالفها مع قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي "النصر". وتركّز الاجتماع حول ضرورة الاتحاد في تحالف واحد يتم الاتفاق من خلاله على برنامج سياسي وخدمي واجتماعي موحّد للعراقيين السنّة.
ومن المقرّر أن يعاود قادة الكتل السياسية اجتماعهم مرة أخرى في وقت لاحق هذا الأسبوع بعد انتهاء "اجتماع قمة" السبت، من دون التوصّل لاتفاق حول نقاط عدّة من أبرزها؛ رفض زعيم "ائتلاف الوطنية" إياد علاوي وأمين عام "الجبهة العراقية للحوار الوطني" صالح المطلك العودة إلى التكتل الطائفي، وكذلك المشاكل الشخصية بين عدد من قيادات السنّة في العراق والتي تعود لسنوات طويلة، عدا عن وجود اتهامات لكتلة "الحلّ" بزعامة جمال الكربولي بسرقة أصوات كتل سنية أخرى في الأنبار وصلاح الدين وبغداد من خلال التزوير والتلاعب.
ويجري حالياً طرح فكرة الكتلة السنية الأكبر، بمعنى أنّ الكتل التي تنجح في تحقيق تحالف يمنحها غالبية على الكتل الأخرى، فإنها عملياً ستكون الممثل السياسي عن سنة العراق، وعليها مهمة التفاوض مع القوى السياسية الأخرى، وهو ما يمكن اعتباره إصراراً على تشكيل هيكل سياسي سني حتى لو لم تنظم كل الكتل والقوائم السنية له.
إلى ذلك، تحدّث قيادي بارز في تحالف "الوطنية" لـ"العربي الجديد"، عن "طموح إيراني نحو إعادة التحالف السني كون ذلك يصبّ في مصلحة مراميها في إعادة توحيد التحالف الشيعي مرة أخرى". وبحسب القيادي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإنّ الحراك الإيراني نحو قيادات عربية سنية يعتقد أنه "موجّه بالدرجة الأولى ضد تحركات تشكيل الكتلة المختلطة طائفياً أو التي تعرف باسم العابرة الطائفيةَ. فوجود كتلة سنية في النهاية سيساعد على مهمة إعادة توحيد البيت السياسي الشيعي مجدداً ويضرب توجهات مقتدى الصدر والمدنيين معه حيال هذا المشروع".
وتابع القيادي نفسه أنّ "الدوافع الأميركية وحتى دوافع بعض الدول العربية كالسعودية، في إنهاء تشرذم القوى السنية الحالي، ودخولهم في كتلة واحدة، تختلف بالتأكيد عن دوافع إيران في إنتاج هذه الكتلة التي تريد منها ترسيخ حالة التخندق الطائفي في العراق. لكنّ لكلا الطرفين بالتأكيد مهما كانت الأسباب، مشروعاً يثبّت الصورة الطائفية بالعراق لأربع سنوات أخرى". ولفت إلى أنّ "هناك خلافات حادة بين قادة الكتل، ومنهم صالح المطلك وأسامة النجيفي، بسبب وجود جمال الكربولي في هذا التحالف، كونه متهماً بعملية التزوير في المحافظات السنية. إضافة إلى امتناع إياد علاوي عن الدخول في هذا التحالف الذي يعتبره طائفياً وكونه رئيس تحالف الوطنية ما يمثّل عائقاً كبيراً أمامه، رغم أنّ غالبية أعضاء قائمته من السنّة. كما أن فكرة دعم أو مباركة إيران تحالفاً طائفياً تثير حساسية لدى قيادات سنية أخرى وآخرين يحاولون تأخير أي خطوة بهذا الشأن، ويطرحون فكرة أن يعلن الزعماء الشيعة عن كتلتهم الطائفية أولاً قبل القيادات السنية، حتى لا يتهموا فيما بعد بأنهم هم من أعاد المشروع الطائفي مرة أخرى".
وأوضح القيادي أنّ "هناك مباحثات ومفاوضات من أجل إقناع علاوي والمطلك بالانخراط في هذا التحالف، بعد إقناع الأمين العام لـ"المشروع العربي في العراق" خميس الخنجر وأسامة النجيفي بالانضمام إليه". وختم بالقول: "قوى شيعية كانت تنقل رسائل من قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني في هذا الخصوص حول أهمية إعادة تشكيل البيت السني من أجل الإسراع في الحوار وتشكيل الحكومة المقبلة، واستعداد إيران للمشاركة في إعمار المناطق الشمالية والغربية. لكن أخيراً كان هناك تواصل مباشر بين الجانب الإيراني وقيادات سنية للضغط في هذا الاتجاه".
من جانبه، قال القيادي في "تحالف القرار العراقي"، أحمد المشهداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في الأيام المقبلة سيتم الإعلان عن تفاهم"، مضيفاً: "في الحقيقة هناك بعض الإشكالات نحو إعلان تحالف، وننتظر انضمام النجيفي والمطلك لهذا التكتل، الذي سيشمل أغلب الكتل السنية لكي نكون موحدين".
وتابع: "أعتقد أنّه يجب أن يصل عدد النواب إلى ما يقارب الخمسين نائباً أو أكثر من التحالف الجديد، ومن المهم أن نؤكّد أنه لم يتمّ التطرّق إلى أي منصب في المحادثات، كون السنة لديهم قضايا أهم. فصحيح أنّ مناطقنا تحرّرت من تنظيم داعش الإرهابي، لكن هناك ملفات مهمة؛ أوّلها المطالبة بالحقوق، والتي نقصد بها إعادة النازحين وإعادة إعمار المدن والمناطق وكذلك إعادة الاستقرار إلى هذه المناطق وهذه هي القضية الأولى والشاغلة بالنسبة لنا". ولفت المشهداني إلى أنّ "القضية الثانية هي قضية الاستحقاقات الآتية، لكن يفترض أن يكون هناك تفاوض حتى نكون مفوضين شرعيين للمكوّن السني ونطالب بمطالب منطقية"، مضيفاً: "إلى الآن الناس تسكن في الخيام، فمن الأوْلى ومن المفترض أن يطالب المكوّن السني أي رئيس وزراء قادم أو حكومة قادمة بحلّ هذه القضية".
وبعد ساعات قليلة على إعلان سرّبته شخصيات عراقية مقربة من رجل الأعمال والقيادي في "تحالف القرار" خميس الخنجر، قالت إنه تم تشكيل تحالف "المحور الوطني" بزعامة الأخير، ويضمّ أكثر من 52 نائباً سنياً في البرلمان، سارعت أطراف سياسية سنية إلى نفي ذلك، مؤكدةّ أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق في الاجتماع المشترك لزعامات سنية عراقية ليلة السبت.
وفي هذا السياق، قال محافظ الموصل السابق والقيادي في "تحالف القرار"، أثيل النجيفي، إنه "على الشخصيات التي دخلت إلى ميدان السياسة، ألا تستعجل الإعلان عن أمور ما زالت في مرحلة الحوار والتشاور، في وقت تحسب أنها تحقق سبقاً يطمئنّ إليه جمهورها، ولا تدري بأن الجمهور لم يعد يصدق أحداً".
وتابع النجيفي في بيان له أنّ "الرأي الغالب في القرار العراقي هو عدم الذهاب إلى أي تحالف إلا بعد الاستفادة من تجارب المرحلة الماضية، وأن نقدّم للشعب العراقي صورة يمكن أن يستبشر فيها بأنه أمام تغيير حقيقي"، مضيفاً: "وإذا كنّا واثقين في أنّ مجموعة الكتل التي تسمى (سنية) ستحمل قيادة الإصلاح في مجلس النواب، فعليها أن تقدّم صورة مشرّفة وبناءة في إعادة ثقة الشعب في المنظومة التشريعية، وكذلك نتباحث مع الكتل التي تمثّل المناطق ذات الغالبية الشيعية لتقديم صورة مماثلة لبناء منظومة مجلس الوزراء وأيضاً الأكراد لبناء منظومة رئاسة الجمهورية. أي أنها ليست محاصصة، بل هي تقاسم مهام".
إلى ذلك، قال الخبير في الشأن العراقي والباحث الأول في "مركز الجزيرة للدراسات" الدكتور لقاء مكي، إن "المصلحة الإيرانية اليوم هي إلغاء فكرة أو مشروع الكتل العابرة الطائفيةَ في العراق، لأن السنوات الأربع المقبلة تعتبر مرحلة استحقاقات كبيرة على المستوى العراقي والإقليمي وعلى مستوى المشروع الإيراني في المنطقة". وأضاف مكي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّه "في هذه السنوات، إيران ستسعى إلى حسم ملفات مهمة وكثيرة على المستوى الدولي والإقليمي، منها الصراع الحالي مع الولايات المتحدة في ما يتعلّق بالاتفاق النووي، وكذلك الصراع مع دول مهمة مثل السعودية، وأيضاً على الصعيد المحلي في العراق، إذ تسعى إلى تكريس نفوذ الفصائل المسلحة التابعة لها، التي ورغم قوتها، ما زالت قوة سائلة وغير راسخة أو ثابتة. وستحاول إيران في السنوات الأربع المقبلة تكريس قوة هذه المليشيات في العراق وتعزيز نفوذها وديمومتها".
وتابع أنّ هذه السنوات "قد تشهد أيضاً تغيير المرجعية الشيعية في العراق، وهذا استحقاق خطير وعين إيران عليه منذ مدة طويلة، وبالتأكيد لن تجعله يفلت من أيديها هذه المرة، وسبيلها الأهم في كل هذا هو التحالف الشيعي القوي بالعراق من خلال إعادة إحياء البيت السياسي الشيعي وتعزيز وحدته. لذا فإن مساعي إيران لإحياء التكتلات الطائفية الأخرى تستهدف توفير السياق المناسب الذي يبرر إعادة انتاج التحالف الشيعي ويقضي على فرص ولادة تحالفات عابرة للطائفية".