الصين تكسب دولياً وروسيا إلى العزلة

الصين تكسب دولياً وروسيا إلى العزلة

15 ابريل 2017
+ الخط -
بينما اتسم لقاء القمة، الصيني الأميركي، أخيراً في فلوريدا، برغبةٍ مشتركةٍ في التفاهم، كانت العلاقات الأميركية الروسية، في هذه الأثناء، تعيش أسوأ حالاتها مع تدني مستوى الثقة بين موسكو وواشنطن، كما تدل على ذلك تصريحات وزيري خارجية البلدين، ريكس تيلرسون وسيرغي لافروف، وهو أمر يسترعي الانتباه، وإن من المبكر إطلاق أحكام حول ما إذا كانت هناك تبدلات على علاقات المسرح الدولي.
في الأنباء عن قمة دونالد ترامب مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، طغى الحديث عن تصحيح الميزان التجاري بين العملاقين الاقتصاديين، والذي يميل إلى درجة كبيرة لصالح بكين، كما تواترت أنباء حول الموقف الأميركي من صواريخ جارة الصين: كوريا الشمالية. أما بقية قضايا العالم، بما فيها الأزمة السورية، فلم يرشح بشأنها أي شيء عن المباحثات. وقعت الضربة الأميركية لمطار الشعيرات السوري في اليوم الأخير لزيارة الزعيم الصيني واشنطن. واكتفت بكين في معرض تعقيبها على الغارة الأميركية بدعوة "جميع الأطراف إلى الحيلولة دون تفاقم الأوضاع في سورية"، وهو موقف يختلف كلياً عن الموقف الروسي المندّد بأشد لهجة. وبينما رشَحَ أن روسيا والصين نسقتا مواقفهما في مجلس الأمن حيال المناقشات ومشروع القرار الغربي، فقد انتهى الأمر إلى اتخاذ بكين موقف الحياد، بالامتناع عن التصويت على المشروع الغربي الذي يدعو إلى التحقيق في مجزرة خان شيخون باستخدام أسلحة كيماوية، وهي من المرّات النادرة التي تتخذ فيها بكين موقفا على درجةٍ من الاختلاف مع موقف موسكو حيال الأزمة السورية في مجلس الأمن.
ولا تقل الأزمة الكورية خطورةً عن الأزمة السورية. وبينما تلوّح واشنطن باستخدام القوة ضد 
بيونغ يانغ لوقف طموحاتها وتهديداتها النووية، فإن بكين تحبّذ الضغط الدبلوماسي والسياسي. ولا شك في أن مواجهة أسلحة ومنشآت نووية أمر على جانبٍ من التعقيد والخطورة، ويهدّد دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية. والراجح أن التهديدات الأميركية هي، حتى الآن، بمثابة وسيلة ضغط قوية على بيونغ يانغ، ودعوة الأطراف المعنية، وخصوصا الصين التي تزود كوريا الشمالية بالبترول، إلى مضاعفة الضغوط على بيونغ يانغ. هذا على الرغم مما تحدث به مسؤول أميركي لوكالة رويترز، يوم السبت الماضي (8 إبريل/ نيسان الجاري)، إن مجموعةً هجوميةً تابعة للبحرية الأميركية ستتجه صوب غرب المحيط الهادي قرب شبه الجزيرة الكورية.
وفي واقع الأمر، إن لبكين التي تعارض سياسات كوريا الشمالية مصلحة في كبح الأخيرة، والتوقف عن حالة الصداع الدائم التي تتسبب بها القيادة الكورية الشمالية. إذ إن أي نجاح لبكين في الضغط على بيونغ يانغ، باتجاه حل سياسي ينهي خطر أسلحة الدمار الشامل سوف يؤدي إلى فك عزلة بيونغ يانغ تدريجياً، وتحوّل هذا البلد إلى مركز نفوذ صيني. وتعتبر الصين حاليا المصدر الرئيسي لتزويد كوريا الشمالية بالمواد الغذائية، علاوة على الوقود، فضلاً عن أهمية تحسين العلاقات الصينية الأميركية، فالصين أحد أكبر المستثمرين في الولايات المتحدة، وهي المستثمر الأكبر في سندات الخزانة الأميركية، إذ تفوق استثماراتها فيها نحو ترليون دولار، وهذه مفيدةٌ في تمويل عجز الميزانية الأميركية، فيما تبلغ الاستثمارات الصينية في أميركا زهاء 45 مليار دولار. وقد سمع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تطميناتٍ من ترامب أن واشنطن تؤمن بصين واحدة، رداً على مخاوف بكين من فك العزلة عن تايوان (تربطها علاقات دبلوماسية بـ23 دولة في العالم فقط ليس من بينها أميركا)، وذلك بعد محادثة هاتفية بين ترامب ورئيسة تايوان، تساي إنغ وين. وإذ تشدّد الصين على أن تايوان جزء من أراضيها (وهي كذلك تاريخياً وجغرافياً)، فإنها تملك استثماراتٍ في تايوان، وتطالب بمنحها الفرصة لتوسيعها وزيادتها.
وتتبنّى الصين حيال كوريا الشمالية موقفاً قائماً على جعل شبه الجزيرة الكورية خاليةً من أسلحة الدمار الشامل، بما ينطوي عليه ذلك من رفضٍ لامتلاك بيونغ يانغ أسلحة نووية، وترحب باستئناف اجتماعات لجنة سداسية تضم اليابان والولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الشمالية، أما روسيا فإنها تكتفي بموقفٍ قوامه الدفع نحو إجراء مفاوضاتٍ ضمن اللجنة السداسية، أو مفاوضاتٍ مباشرة مع واشنطن، وبغير شروط مسبقة.. وهو بالمناسبة موقف بيونغ يانغ نفسه!
وبهذا، تبدو شبكة المصالح الصينية الأميركية في ازدياد، فيما تهتز علاقات موسكو بواشنطن، وتبدو علاقة موسكو مع بكين عرضةً للتراجع على المسرح الدولي، نتيجة تباينٍ ليس كبيراً
حيال كوريا الشمالية، لكنه مهم، وربما في المستقبل القريب حيال سورية، وذلك بعد إمعان موسكو بالالتصاق بالنظام السوري، وتبني أجندته الاستئصالية التي يسميها الروس "مكافحة الإرهاب"، مع تحدّي المجتمع الدولي الذي يرفض أكثر فأكثر حرب هذا النظام على شعبه.
وبينما تتمتع الصين بعلاقات مستقرة ومتنامية مع سائر دول العالم، فإن روسيا، ونتيجة سياساتها التدخلية الفظة والجامحة، تبدو كأنها تتجه إلى العزلة، فقد انفردت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرارٍ للتحقيق في مجزرة خان شيخون في سورية، واستبسلت للمرة الثامنة في الدفاع عن نظام البراميل المتفجرة، بينما دارت محادثاتٌ بين وزيري خارجية البلدين، ريكس تيلرسون وسيرجي لافروف، في موسكو شابها النفور والتوتر. وقد ادّعى الوزير الروسي أن الموقف الأميركي حيال سورية "لغز لا يفهمه"! علماً أن هذا الموقف واضح، ويجد تبريرات له وفق القانون الدولي. ولا يجد الموقف الروسي داعماً له بصورة ملموسة في العالم سوى لدى إيران وكوريا الشمالية وكوبا وبوليفيا، وذلك بعد التباعد الذي حلّ في العلاقات الروسية التركية في الأشهر الأخيرة.
لم يكن الأسبوع الماضي جيداً على موسكو، ففيما كان لافروف يجري مباحثات صعبة مع تيلرسون في موسكو، كانت واشنطن تعلن عن موافقة الكونغرس وقبول البيت الأبيض لانضمام الجبل الأسود إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والجبل الأسود (أو مونتينيغرو) دولة بلقانية صغيرة في جنوب أوروبا، تعداد سكانها يناهز 620 ألف نسمة، وقد استقلت عن صربيا التي تجمعها روابط عرقية ودينية مع روسيا في عام 2006. وبانضمام هذه الدولة، فإنها تحمل الرقم 29 بين الدول الأعضاء في الحلف الذي يمكن الحد من أية مفاعيل سلبية له على موسكو، وعلى غيرها، بإنجاز تفاهماتٍ دوليةٍ على أوسع نطاق تشمل الصين، ولا تكون فيها أميركا شرطي العالم، ولا تكون فيها روسيا بدورها شرطياً على العالم يقصف المدنيين بقنابل فوسفورية، كما تفعل في سورية.