الصحافة الاستقصائية في تونس: نتيجة مخيّبة

الصحافة الاستقصائية في تونس: نتيجة مخيّبة

08 مايو 2016
لا تزال الصحافة الاستقصائية في المرحلة الأولى للتأسيس (Getty)
+ الخط -
أثار نشر "أوراق بنما" من قبل موقع "أنكيفادا" التونسي، المكلّف بالعمل على الجزء المتعلق بتونس في هذا الملف العالمي من التسريبات، التساؤلات حول واقع ومستقبل الصحافة الاستقصائية في تونس. 

وتأتي هذه التساؤلات على خلفيّة تطوّر المناخ الديمقراطي الذي يسود البلاد منذ ثورة الياسمين، واعتبار حرية التعبير والصحافة مكسبًا هامًا، أدى إلى تقدم تونس على صعيد ترتيب حرية الصحافة العالمي بحصولها على المرتبة 96 من جملة 180 بلداً. وبهذا الترتيب، حلّت تونس في المرتبة الثالثة عربياً، وربحت حوالي 30 رتبة مقارنةً بترتيب السنة الماضية، حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود".

ولفهم أسباب تأخر الصحافة الاستقصائية في تونس كشكل صحافي، مقارنةً ببعض البلدان العربية، كالأردن ومصر ولبنان، أكد مدرب الصحافة الاستقصائية بشبكة "أريج"، الصحافي التونسي الهادي يحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الصحافة الاستقصائية كمشغل صحافي أو شكل صحافي مستجد إعلاميًا، يواجه صعوبات البدايات من ناحية الشكل".

وأضاف يحمد "صعوبة البدايات أمر طبيعي في بلد يؤسس لصحافة حرة في فترة سياسية انتقالية. يمكن القول إنّ الصحافة الاستقصائية انتعشت في الديمقراطيات العريقة، لذلك فإن بروزها اليوم في تونس هو نتيجة طبيعية لمناخات الحرية التي تعيشها البلاد. مضمونيًا يتطلب الأمر في اعتقادي الكثير من الوقت لكي تترسخ ثقافة الصحافة الاستقصائية وترقى إلى درجة الاحترافية، لسبب مهم، وهو أن آليات العمل الحرفي مفقودة في العديد من المؤسسات الإعلاميّة، وهو ما ينعكس لا في التحقيقات الاستقصائية ولكن في المنتوج اليومي للإعلام التونسي. لهذا السبب يثار اليوم كل هذا الجدل في تونس لحداثة المشغل أولاً ولقلة في الحرفية ثانيًا، وهو أمر مفهوم في بلد يؤسس لتقاليد الاختلاف والحرفية".



من جهته، أكد الصحافي الاستقصائي التونسي حسان العيادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الجزم بأنّ الصحافة الاستقصائية تعثرت في تونس، فالمحاولات التي تمّت بهذا الصدد بيّنت أنّ هناك نواة أولى نجحت نسبيًا في إنجاز تحقيقات استقصائية"، حسب رأيه.

واستطرد العيادي "لكنّ هذا لا يعني أنّ وضع الصحافة الاستقصائية بخير، أو أنها باتت ذات رواج في تونس، بل هي لا تزال في المرحلة الأولى للتأسيس في بلد عانى لعقود من صحافة السلطة والدعاية. هذه الخطوات الأولى تواجهها عقبات متعددة، وبعضها يتعلق بالواقع السياسي والقانوني، وبعضها يتعلق بطبيعة المؤسسات الإعلامية، وبعضها الآخر يتعلق بتكوين الصحافي وما تطبّع به. ففي الجانب السياسي، وتيرة الفعل السياسي تجعل من جلّ المؤسسات الإعلاميّة، بما فيها الدوريات الأسبوعية والشهرية، تحاول اللحاق به واستشرافه واستباقه أحيانًا بمنطق يقوم على ترتيب أولويات تولي الجانب السياسي أهمية مطلقة ومن بعده بقية الجوانب، وهذا يمكن أن نضعه موضع تساؤل".

وحول صراع الأجيال في القطاع الإعلامي وتأثيره على واقع تجدد هذا القطاع وتطوره، أضاف العيادي: "يجب أن نقر بأن المدرسة القديمة هي التي تهيمن على الصحافة اليوم. وهي مدرسة تعتبر، للأسف، أن الخبر أهم من الاستقصاء، وتقوم على تجنّب الصدام. من جانب آخر، هناك طبيعة المؤسسات وهيكلتها، فجلّها لا تشغّل عدداً كافياً من الصحافيين، ما يجعل من عملية تفرّغ صحافيين لإنجاز تحقيقات استقصائية أمرًا غير وارد، كما أنّ هناك جانب لا يمكننا إغفاله وهو عدم إصرار الصحافي التونسي في الأغلب على التميُّز والبحث، فانتشار صحافة الفضائح والاستسهال حتى في التعامل مع ملفات الاستقصاء، هزّت الثقة في هذا الشكل الصحافي".