الشيكات المرتجعة مسمار جديد في نعش اقتصاد غزة

الشيكات المرتجعة مسمار جديد في نعش اقتصاد غزة

09 فبراير 2018
الشيكات المرتجعة تفاقم الأزمة المالية (محمود حمس/ فرانس برس)
+ الخط -

شهد قطاع غزة تصاعدا كبيراً في أعداد الشيكات المرتجعة بسبب الأزمة المالية الحادة التي يعاني منها القطاع، ما دفع خبراء اقتصاد إلى التأكيد على أن الأوضاع القاسية التي تضرب الفلسطينيين في هذه البقعة الجغرافية مؤهلة لمزيد من التدهور الذي سيطاول شتى المجالات المعيشية.

وتشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود ما يزيد عن 43 ألف قضية شيك مرتجع مسجلة أمام المحاكم والنيابات المختلفة في القطاع، دون أن يجري تحديد القيمة المالية لها إذ يتوزع مجملها من المبالغ الصغيرة وصولاً للكبيرة جداً.

وتفاقمت ظاهرة الشيكات بدون رصيد خلال الشهور الأخيرة وتحديداً في أعقاب الإجراءات التي فرضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس على القطاع، لا سيما من التجار ورجال الأعمال وأصحاب المنشآت الاقتصادية المختلفة، نتيجة نقص السيولة الحادة التي تعانيها الأسواق.

ووفقاً لبيانات حديثة صادرة عن سلطة النقد الفلسطينية (القائمة بأعمال البنك المركزي الفلسطيني) اطلعت عليها "العربي الجديد" فإن إجمالي عدد الشيكات المعادة بالدولار خلال عام 2017 بلغ 5054 شيكاً بقيمة إجمالية بلغت 28.68 مليون دولار، مقارنة مع 2851 شيكاً معاداً خلال عام 2016 بقيمة إجمالية بلغت 15.25 مليون دولار.

وبحسب الإحصائيات، بلغت الشيكات المرتجعة بعملة الشيكل الإسرائيلي في القطاع نحو "29842" شيكاً بقيمة إجمالية بلغت "293.38 مليون" شيكل إسرائيلي، (الدولار = 3.41 شيكلات).
أما في عام 2016 فبلغ إجمالي الشيكات المعادة نحو "17864 شيكاً" بقيمة إجمالية تجاوزت " 172.88 مليون شيكل إسرائيلي"، في الوقت الذي أحصت سلطة النقد عدد الشيكات المعادة بغزة من عملة الدينار الأردني خلال عام 2017 بنحو 584 شيكاً بقيمة إجمالية بلغت "1.67 مليون دينار أردني" بالمقارنة مع نحو 368 شيكاً مرجعاً من ذات العملة في 2016 بقيمة إجمالية قدرت بنحو "1.34 مليون دينار أردني".

ويحذر مراقبون من أن استمرار تردي الأوضاع المعيشية وعدم اتخاذ خطوات جدية من شأنها تعزيز أزمة السيولة النقدية في أيدي المواطنين الفلسطينيين بغزة، من شأنه زيادة أعداد الشيكات الراجعة وتعزيز الأزمات الاقتصادية وصولاً للانهيار الكلي والشامل، في القطاع الذي يضربه حصار الاحتلال الإسرائيلي المشدد منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية عام 2006.

وفي هذا السياق، يقول مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة ماهر الطباع لـ"العربي الجديد" إن الأوضاع الاقتصادية الكارثية في قطاع غزة المتمثلة في انعدام توفّر السيولة النقدية بين التجّار، إلى جانب عدم وجود قدرة شرائية لدى المواطنين، أدت إلى ارتفاع حاد في حجم الشيكات الراجعة.

ويضيف الطباع أن إجمالي قيمة الشيكات المرتجعة في غزة خلال الربع الثالث من العام الماضي، بلغ حوالى 30.3 مليون دولار، مقارنة مع 15.3 مليون دولار في الربع الثالث من 2016، كذلك، بلغت قيمة الشيكات المعادة في غزة حوالى 29.2 مليون دولار في الربع الثاني 2017 مقارنة مع 15 مليون دولار في الفترة المقابلة من عام 2016.

وتراجعت قيمة الشيكات المقدمة للصرف في القطاع، الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي الخانق للعام الثاني عشر على التوالي، إلى 279.2 مليون دولار في الربع الثالث من 2017، مقارنة مع 282.7 مليون دولار في الفترة المقابلة من عام 2016، وفق الطباع.

ويؤكد المسؤول في الغرفة التجارية بغزة أن ظاهرة الشيكات المرتجعة خطيرة جدا، حيث تؤدي إلى تباطؤ النمو في الاقتصاد وتعميق الأزمة الاقتصادية بسبب عدم سدادها في مواعيدها، وبالتالي فإن عدم تحصيل قيمتها في تواريخ استحقاقها يسبب إرباكاً في التدفقات النقدية وعدم تمكن هذه المنشآت من الإيفاء بالتزاماتها في مواعيدها.

وأدى حصار الاحتلال إلى تردي الأوضاع المالية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر لأكثر من 65% من إجمالي سكان القطاع، البالغ عددهم مليوني نسمة، حسب تقارير دولية، ما انعكس سلباً على القطاع التجاري.

من جانبه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي، نهاد نشوان، في حديثٍ مع "العربي الجديد" أنه يتوجب على سلطة النقد العمل على ضبط الشيكات عبر سياسة جديدة مختلفة عما كان يجري في السنوات السابقة وتقييد إصدارها من أجل التخفيف من تداعياتها السلبية على الاقتصاد.

ويقول نشوان إن سلطة النقد والبنوك تتحمل مسؤولية ما يجري حالياً من خلال النظام المتبع، والذي تحصل استفادة مقدارها مبلغ 50 شيكلاً لها و50 شيكلاً للبنك على كل شيك مرجع من مصدره كغرامة.

ويضيف الخبير الاقتصادي أن البنوك المحلية بغزة عملت على إصدار شيكات للموظفين بدون رسوم عليها، في الوقت الذي تصدر شيكات لغير الموظفين برسوم تقدر بنحو 200 دولار، وفي حال عودة الشيكات ورجوعها يمكن لصاحبها عمل تسوية ومن ثم إصدار دفتر شيكات جديد.

ويتهم نشوان البنوك وسلطة النقد بالمساهمة في إرهاق الجسم القضائي بآلاف الشيكات الراجعة بسبب السياسة التي اتبعتها في عملية إصدارها، دون الأخذ بعين الاعتبار للأعداد المرتجعة منها وانعكاسات ذلك على المشهد الاقتصادي ومن أجل تحقيق استفادة مالية من خلال الرسوم المحصلة عليها.

بدوره، يكشف الخبير القانوني، المحامي عبد الكريم شبير لـ"العربي الجديد" عن وجود أكثر من 43 ألف شيك مرتجع وعليها قضايا أمام القضاء الفلسطيني بغزة خلال عامي 2016 و2017 ضمن القضايا التي تعرف بالذمم المالية.

ويؤكد شبير على أن هذا الرقم سيرتفع بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل الواقع المعيشي السيىء الذي يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع مع استمرار الحصار ومعدلات البطالة التي تجاوزت 60 % وبالتالي ضعف القوة الشرائية الذي ينعكس سلبا على القطاع التجاري.

ويضيف أن الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه الفلسطينيون بغزة بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عام 2006 أسهم في ارتفاع القضايا والشيكات المرتجعة أمام النيابة والقضاء الفلسطيني، حيث أن هناك العديد من التجار وأصحاب المشاريع الذين تبدلت أحوالهم للأسوأ بسبب الظروف الاقتصادية.

ويبين شبير أن هناك نظرة خاصة جرى عرضها على الجهات المعنية، تقوم على أساس دراسة المحكمة لكل حالة على حدة ووضع اعتبارات معينة تمكن صاحب الشيك المرجع من سداده أو الالتزام به وفق مقدرته، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

المساهمون