السياسة في حلب

السياسة في حلب

07 أكتوبر 2016
+ الخط -
ما تريد روسيا قوله للعالم إن ما يجري في حلب هو ما سيحدّد شكل الاتفاقات المقبلة، وهي تستغل الأسابيع الحرجة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، لتحاول أن تفرض واقعاً ميدانياً في عقدة الاستعصاء السوري، أي حلب التي باتت تشكل لب الحرب السورية وجوهرها، سياسياً وميدانياً وعسكرياً.
وقد فتح تهاوي الهدنة التي وقعها وزيرا الخارجية الأميركي، جون كيري، والروسي سيرغي لافروف، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، الباب على مصراعيه أمام روسيا والنظام السوري، ليفعلا ما كانا يخططان له منذ زمن طويل، فقد كان لافروف يفاوض كيري، ويبحث معه التفاصيل الدقيقة لاتفاق الهدنة، فيما يتم التحشيد ميدانياً لخوض معركة كسر عظم في حلب، وقودها الأساسي من تبقوا من سكانٍ في المدينة، والدليل بدء المعركة بضراوةٍ بعد ساعاتٍ من انهيار الهدنة، والذي تم بعد استهداف قاعدة عسكرية للنظام السوري قرب دير الزور، واستهداف المقاتلات الروسية أو السورية (لا فرق) قافلة مساعدات إنسانية في ريف حلب، وبعد حدوث ذلك مباشرةً، بدأت الطائرات والمدفعية والقوات البرية خوض حرب في أحياء المدينة الشرقية، وبجاهزية عاليةٍ، يبدو أنها كانت تحضر بهدوء فيما تجري المفاوضات في القاعات المغلقة.
بدأ كل السياسيين إطلاق العبارات المحبطة واليائسة، والجميع ينفي أي إمكانية للتهدئة، أو لتخفيف حدّة المعارك التي تجري على عدة محاور في المدينة، ولا أحد يتحدّث عن استئناف مفاوضات هدنةٍ مؤقتة، فما بالك بتحريك العملية السياسية، وقد تقدّم الفرنسيون بمشروع قرار لمجلس الأمن لإقرار هدنةٍ في حلب، لكن الجميع يتحدثون عن عدم وجود فرصةٍ لنجاح هذا القرار، حتى أن السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، قال بشكل واضح إن بلاده معترضة على فقرات كثيرة من مشروع القرار، واستبعد أن يكون له أي فرصة للنقاش.
وأضافت روسيا بعداً جديداً على التصعيد في الساحة السورية، واستغلالها اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، وعدم قدرة الإدارة على الإتيان بأي تصرفٍ قد يؤثر في مجريات الانتخابات، فالرئيس الأميركي، باراك أوباما، يتصرّف بحذر شديد، خوفاً من استغلال الجمهوريين أي خطاً قد يحصل (أو لا يحصل) ليوظفوه في الحملة الانتخابية في هذا الوقت الحرج. وفي هذا الوقت بالذات، نشرت روسيا منظومة صواريخ إس 300 في سورية، وهي التي يجري الحديث عنها منذ ثلاث سنوات، وظلت بين أخذٍ وجذب حتى الآن، والطريف أن روسيا تستغرب من "شركائها" الغربيين أسباب اعتراضهم على نشر منظومة الصواريخ هذه، على الرغم من أن الهدف منها، كما تقول، "حماية القاعدة الجوية الروسية في الساحل السوري"، وهي، بهذا المنطق، تستطيع أن تجلب رؤوساً نووية إلى سورية، وتقول إنها مخصصة لحماية القاعدة الجوية الروسية.
على الأرض، يخوض الروس والنظام معركة كسر عظم في حلب، على أكثر من محور، ويريدون "تركيع" كل من يعارضهم في حلب، على حد تعبير الخارجية البريطانية، التي حذّرت من تداعيات ما يجري في حلب، واعتبرت أنه يجعل احتمال الحل السياسي يبتعد أكثر فأكثر.
فالنظام السوري، ومن فوقه طائرات بوتين الروسية، يمارسون في حلب طريقتهم الخاصة في فهم السياسة، ويحاولون أن يستغلوا هذه الأسابيع الفاصلة في أميركا ليفرضوا واقعاً جديداً، يظنون أنه سيغير المعادلة لمصلحتهم، وهم يعتقدون أن تحقيق انتصاراتٍ في حرب الشوارع التي يخوضونها في حلب سيمكّنهم من فرض شروط جديدة عند العودة إلى التفاوض، والتي ستحصل في وقتٍ ما بالتأكيد. هذا صحيح، من وجهة النظر السياسية والميدانية. ولكن، تبقى لوجهة النظر الإنسانية، طال الزمن أو قصر، أهميتها وحضورها. وتبقى لإرادة الشعب السوري الكلمة العليا في النهاية. ومهما تعرضت هذه الإرادة لضرباتٍ موجعةٍ، فإنها عصية على الانكسار، لأنها إرادة شعبٍ يرفض الاستسلام. وتخبرنا تجارب التاريخ كله أن ما من قوةٍ في العالم يمكنها أن تهزم إرادة شعب، وصمود الشعب السوري خمس سنوات ونصف دليل آخر على حتمية هذه النتيجة، فقد عانى الشعب السوري ما هو أقسى من ذلك بكثير، تدمّرت مدنه، وتشرّد في أصقاع الأرض، وتعرّض لقصف الطائرات والصواريخ والأسلحة الكيماوية، وظل صامداً.
نسي العالم السوريين، وعمّت حالةٌ من اليأس اتجاههم، فلا أحد عاد معنياً بهم، وبموتهم وآلامهم، وهم متروكون لمصيرهم القاتم، ولما تريد روسيا أن تفعله بهم.
A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية