السوريون ورقصات الموت

السوريون ورقصات الموت

23 فبراير 2014
+ الخط -

كانت حصة التربية الموسيقية، خلال العقود الماضية من حياة السوريين الدراسية في مراحلها الثلاث حصة مملّة، حتى أن المدارس تضامنت مع الطلاب ووضعت هذه الحصة الدراسية الأسبوعية كحصة أخيرة في برنامجها، ما أتاح للطلاب عادة الانصراف المبكر من المدرسة في موعدها لأنه ببساطة لا توجد في المدارس آلات موسيقية.

الشيء الوحيد الذي عرفه الطلاب من هذه الحصة الدراسية هو علامات السلّم الموسيقي، لكن الغالبية نسيت هذه العلامات الموسيقية وإنْ عرفتها فلا تعرف الفرق بين الدو والري والسي.

حالة الطلاب مع مادة التربية الموسيقية لم تختلف في شيء عنها في مادة التربية الرياضية، فقد افتقدت المدارس السورية إلى الملاعب، ولم يكن هناك سوى الباحة المدرسية بأرضيتها الإسمنتية التي زرع في طرفيها عمودان لكرة السلة. وأقصى طموح في أدوات الرياضة المتوفرة فيها كانت كرة السلة وكرة القدم، لكن المعضلة أنه إذا ما لعبهما الطلاب خلال الحصة الدراسية، فإن ذلك يشوّش على باقي الطلاب، وبالنتيجة يصبح حال حصة الرياضة مثل حال حصة الموسيقى: دروس مقررة للهرب والتسلية.

بعد الثورة، أدرك النظام خطأه الجسيم خلال السنوات السابقة، فقرر تعميم الثقافة الموسيقية على الشعب وفقاً لعلامات السلّم الموسيقي، لكن في هذه المرة مع الدمج بين الرياضة والموسيقى للمتعلمين، فأصبحت علامات السلّم الموسيقي تتكرر بشكل يومي في ساحات البلد من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، ويرقص على أنغامها السوريون رقصات الموت التي تشعل أجسادهم بدبكات الحرية وأهازيج الفرح بالانتصار على الموت. انتصار تؤكده زغاريد الأمهات في أعراس أبنائهن الأبدية.

وتختلف حالة الاستجابة الموسيقية والرياضية عند المواطنين المقصودين برفع سويّتهم التعليمية في هاتين المادتين عن الآخرين المتفرجين، فالنوع الأول يهرع فوراً إلى مكان سقوط العلامة الموسيقية مستعيناً بالدروس التي تلقاها في المدرسة في مادة التربية الرياضية محاولاً إنقاذ مَن أصيب بأسرع وقت ممكن، فيما يحاول المتفرجون في المناطق المجاورة الاستعانة بدروس التربية الدينية بالدعاء بالفرج وتخفيف مصاب الجيران، على الرغم من أن التربية الدينية لا تحسب ضمن المجموع النهائي لطلاب الثانوية العامة، ولا تساعدهم على دخول أية كلية يرغبون بها، لكنها على عكس ذلك في المناطق التي تتلقى الضربات الموسيقية، فهي تقرن العلم بالفعل.

وتحت وقع الآلات الموسيقية المختلفة وعزفها الجماعي السيمفوني والمنفرد وبالاعتماد على التربية الدينية، ودعاء "مالنا غيرك يا ألله"، يمارس السوريون رياضة القفز السريع والوثب الطويل والركض هرباً من موسيقى الموت التي تعزف أصواتها في مختلف أرجاء البلد حتى تعوّد الناس أصوات الآلات الموسيقية تلك، وأصبح صغيرهم قبل كبيرهم يميّز علامات السلّم الموسيقي حتى قبل أن يدخل المدرسة.

فهذه "دو" وتلك "ري" وهذه "سي"، حتى أنهم مارسوا في سنواتهم الثلاث أنواع التمارين الرياضية كافة وأنواع اللعب ومبارياته، لكنهم وهم يرون ذلك واقعاً ملموساً يستغربون أين ذهب محتوى مادة التربية القومية التي درسوها وأين ذهبت الديموقراطية التي أفرد لها فصل كامل يؤكد على حكم الشعب.

المساهمون