السقوط الحر في مستنقعات إِسرائيلية

السقوط الحر في مستنقعات إِسرائيلية

03 مارس 2014
+ الخط -

منذ سقط، في عدة مواقع في انتخابات رئاسة السلطات المحلية، سقوطاً انتخابياً مجلجلاً، فقد الحزب الشيوعي الإسرائيلي كثيراً من ثقته بالنفس، وكثيراً من "ثوابت"، (والأصح محاذير)، كانت تعيده إلى حدود المعقول والحد الأدنى من المقبول. في مجتمعنا العربي الفلسطيني في إسرائيل، اختار الحزب، وهو يحاول الاختباء وراء "تنظيم الجبهة" الشعبي والجماهيري، أن يسقط في وحل من الممارسات "غير المقبولة" في أخف تعبير، والمناهضة، بل المناقضة، في الناصرة "لميراث توفيق زياد" الوطني الذي يتغنّى رامز جرايسي، وقادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الناصرة، بأنهم يحملونه حرز أمان لحماية الناصرة.

كانت أولى "بشائر" السقوط السياسي الحر للحزب، قد سبقت سقوطه الانتخابي في أكثر من موقع، وفي الناصرة على نحو خاص. ومع أَن الصعود إلى القمة صعب، ويستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، وهو الطريق الشاق الذي سلكه الراحل توفيق زياد، إِلا أَنَّ المحافظة على البقاء في القمة أَصعب، والطريق إِلى السقوط أَقصر. وهذا ما حدث مع "الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، بعد رحيل أَبو الأمين، وبعد أن تنكَّر الحزب لمجموعاتٍ غير حزبية، شكلت جبهة الناصرة في أواخر الثمانينات.

كان يمكن لسقوط الحزب السياسي في الناصرة أَنْ يظلَّ محصوراً في الناصرة، ويبقى لرفاق الحزب و"الجبهويين" ممّن ليسوا حزبيين، علماً أن فرع الناصرة اختار طريقه بنفسه، وبأسلوب ديموقراطي، إِلا أَنَّ قيادة الحزب القطرية أَبت إِلا أَن تختار لنفسها سقوطاً سياسياً حراً يأخذها إلى هاوية سحيقة "بير ما له قرار"، (وفق التعبير باللهجة العامية)، عندما تجنَّدت وجنّدت معها أَدوات الدعاية الستالينية الممجوجة والمستهلكة، فأقحمت الدول الكبرى والقوى الإقليمية والصهيونية العالمية ونظريات المؤامرة، لتبرّر لها، أمام الناس، (الأدرى بحقيقة كذب وبهتان دعايتها) شرعية اللجوء إلى أقذر الوسائل، وتبرير كل الوسائل للاحتفاظ بكرسي الرئاسة في الناصرة.

قلنا في البداية إنَّ الحزب والجبهة في سقوطهما الحر (والأصح أَنه سقوط للحزب، بعدما قبض على أَنفاس الجبهة التاريخية)، فقدا المحاذير الأساسية لما هو مقبول ومرفوض في مجتمعنا العربي. لكن، منذ زلّت قدمه أول مرة في عتمة البحث عن أَصوات الجنود، استمرأ الحزب السير في مستنقع السلطة، وخطابها الطائفي، كلما تبدّى له أكثر حجم الرفض الشعبي في الناصرة، قبل غيرها، وفي أوساط مؤيديه، قبل معارضيه، لممارساته وسياساته المقيتة. وبلغ هذا الأمر حداً جعل النائب في الكنيست، حنا سويد، يسحب كل كلامه الذي قاله عن قانون ليفين العنصري، بشأن نزع العروبة عن المسيحيين، في جلسة لجنة القانون والقضاء والدستور في الخامس من فبراير/ شباط الماضي، عندما أُبعدت النائبة حنين الزعبي من الجلسة، ووصفه القانون بأنه يسمسر بالمسيحيين العرب، ويسعى إلى تعميق سياسة فرِّق تَسُدْ، وينقلب على "محاذيره الداخلية" ليعلن أن قانون ليفين، في المحصّلة، يزيد من تمثيل العرب بشأن المساواة في الفرص، وأنه يحكم على القانون وفق نتيجته ومحصلته، وليس وفق نوايا مشرّع القانون وأهدافه.

يسقط النائب حنا سويد، وهو يدافع عن قانون ليفين، سقطة لم يتوقعها له أَحد، ولا أَرادها له أحد. فمَن يدافع عن قانون عنصري وكولونيالي لمجرد أَنه، حسب ادعائه، يزيد من تمثيل العرب (بعد نزع العروبة عنهم)، بدلاً من الاعتراف بخطأ عدم معارضة القانون، لا يمكنه أَن يعد لاحقاً بمحاربة سياسة التفريق لاحقاً في تعديلات القانون بين الأرثوذكس والكاثوليك، مثلاً، إِذا طالب مستقبلاً "مسيحي أرثوذكسي" بنص يكرّس حصة "الأرثوذكس"، أو بنص يحصّن حصة الكاثوليك، أو اللاتين، أو أو... وهنا، وبدافع المكابرة، أو بدافع اللعب على الورقة الطائفية، لكسب بعض الأصوات في الناصرة، يحوِّل سويد الخطأ إلى خطيئة، وشتان بين الاثنين.

اختار الحزب الشيوعي مقياس المحصّلة (كما يدّعي سويد) للدفاع عن قانون ليفين، ليسقط سقوطاً حراً ومدوّياً في مستنقع تأجيج الطائفية، وظنَّ أَن الحزب بمقياس المحصلة أَذكى من ليفين الذي حاول تمرير قانونه بالضحك على الذقون، بأَنه لصالح المسيحيين ولحماية وظائف أبنائهم، كيلا يأكلها المسلمون لكثرتهم، لكنه يعلم أَنَّ هذا الدفاع ليس دفاعاً عن خطأ عدم التصويت ضد القانون، وإِنما عن خطيئة اعتماد سياسة فرّق تسُد الطائفية وتمريرها، في مقابل عشرات الأصوات في الناصرة.