السعودية 2016: عامٌ غير مسبوق للإرهاب

السعودية 2016: عامٌ غير مسبوق للإرهاب

29 ديسمبر 2016
القوات الأمنية أحبطت 414 جريمة إرهابية (فرانس برس)
+ الخط -

أحبطت الجهات الأمنية في المملكة العربية السعودية 414 محاولة لارتكاب جرائم إرهابية خلال عام 2016، حاول المخطّطون في بعضها استهداف مواقع حيويّة، في الوقت الذي وقعت فيه 12 عملية اعتداء، أسفرت عن مقتل وجرح عدد كبير من الضحايا.

وبحسب هذه الأرقام، أصبح 2016 من أكثر الأعوام التي تم خلالها استهداف السعودية من إرهابيين. ليرتفع عدد الجرائم الإرهابية التي وقعت في السعودية من عام 2002 وحتى نهاية العام الجاري إلى نحو 128 عملية إرهابية، أوقعت 1147 قتيلاً ومصابًا من رجال الأمن والمدنيين، منهم 26 قتيلاً وأكثر من 118 مصابًا عام 2016، ما دفع المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، اللواء منصور التركي، إلى وصف ذلك بـ"الاستهداف غير المسبوق لمخططات إرهابية تهدف إلى الإخلال بالنظام العام".

وبحسب تقارير أمنية رسمية، تم تنفيذ أكثر من 109 مواجهات أمنية مع العناصر الإرهابية، ما أدى إلى إحباط عشرات المخططات، وملاحقة متورطين، وأكثر من 305 حالات اشتباه.

في السياق نفسه، كشفت وزارة العدل عن تصدي المحكمة الجزائية المتخصصة، في الأشهر الـ12 الماضية، لنحو 2436 قضية، وبلغ عدد المتهمين فيها 6432 متهمًا، ينتمون إلى 51 جنسية، كما أصدرت المحكمة المتخصصة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة 2081 حكمًا نهائيًّا، من بينها 63 حكمًا بالقتل، سواء تعزيرًا أو حرابة.

ثلاث عمليات متزامنة

كانت الجرائم الإرهابية التي وقعت في السعودية في 4 يوليو/تموز (صادفت 29 رمضان) في عدة أماكن بالتزامن، هي الأكبر في 2016.






ففي الوقت الذي قام فيه عنصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بتفجير نفسه في مواقف سيارات المسجد النبوي في المدينة المنورة بعد أذان المغرب؛ استهدف آخر القنصلية الأميركية في جدة، وفجّر ثالث نفسه في مسجد للشيعة بمحافظة القطيف (شرق السعودية). وأسفرت تلك الهجمات عن سقوط أربعة قتلى وخمسة مصابين، إضافة إلى مقتل خمسة انتحاريين. وذكر شهود عيان أن الإرهابي دخل إلى موقف قوات الطوارئ، المجاور للحرم النبوي، وأظهر رغبته بالإفطار مع رجال الأمن، ومن ثم قام بتفجير حزامه الناسف.

قبل ذلك، نشط الإرهابيون، وغالبيتهم ممن يوصفون إعلاميًّا بـ"الذئاب المنفردة" المنتمية إلى تنظيم "داعش"، محاولين استهداف مساجد للشيعة في السعودية، واغتيال رجال أمن. ففي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، فجّر انتحاري نفسه في مسجد الإمام الرضا في الأحساء، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بينهم رجلا أمن، إضافة إلى إصابة 18 من المصلّين.

وفي 27 فبراير/شباط، أطلق عنصر منتمٍ إلى تنظيم "داعش" النار على قوات أمنية في منطقة القصيم (وسط السعودية)، ما أدّى إلى مقتله. وفي الرابع من أبريل/نيسان، فجّر انتحاري نفسه في مدينة الخرج، وبعدها بيومين قام آخر بإطلاق نار في الرياض. وفي كلتا الجريمتين لم يُقتل سوى الإرهابيين.

وفي 16 و30 أبريل/نيسان، وقع هجومان، الأول كان إطلاق نار في مدينة القطيف، والثاني تفجير عبوة ناسفة في الأحساء، ومر الاعتداءان من دون ضحايا.

 وفي 27 يونيو/حزيران، وقع إطلاق نار في القطيف، نجم عنه مقتل المهاجم، وفي 15 أغسطس/آب، حاول إرهابي دهس عدد من رجال الأمن، ولكن انتهت المحاولة بمقتله أيضًا، دون وقوع ضحايا، المصير الذي ناله إرهابي آخر حاول إطلاق النار في القطيف في 18 أغسطس/آب.

نجاحات أمنية

مقابل ذلك، نجحت قوات الأمن في تفكيك شبكات إرهابية تنتمي لتنظيم "داعش" مكونة من ثلاث مجموعات، كانت تجهز لأربع عمليات إرهابية في 2016، بعضها وصلت مراحل متقدمة من الإعداد. وأعلن في 22 فبراير/شباط أن هذه المجموعة كان تستهدف أحد منتسبي وزارة الدفاع بمدينة الرياض، بعد رصده وتجهيز العبوة المتفجرة لإلصاقها بسيارته.

وبعد يومين من إحباط العملية الأولى، أحبطت قوات الأمن عملية كانت تستهدف الطلاب المتدربين في مدينة التدريب بالأمن العام، عن طريق وضع عبوة ناسفة عند البوابة لتفجيرها أثناء خروج المتدربين. وقالت وزارة الداخلية حينها إن "الترتيبات لتلك العملية وصلت إلى المراحل النهائية"، وفي 25 فبراير/شباط، أحبطت قوات الأمن عملية تسليم حزامين ناسفين لانتحاري يريد تنفيذ عملية، وقبضت على المتورطين.

وأسفرت التحقيقات الأمنية عن مداهمة وكر إرهابي بمحافظة القويعية وسط السعودية، وضبط ما فيه من مواد متفجرة. في اليوم التالي، أحبطت قوات الأمن عملية انتحارية، وتم القبض على الانتحاري وبحوزته حزام ناسف وعبوة معدة للتفجير. وكان الانتحاري يحاول رصد مواقع دينية للشيعة في منطقة الأحساء (شرق السعودية)، واعترف بأنه هو من قام بترصد مسجد الإمام الرضا الذي تم استهدافه مطلع العام.

ولعلّ أهم العمليات التي تم إحباطها، هي التي أُعلن عنها في 31 أكتوبر/تشرين الأول، إذ تمّ الكشف حينها عن محاولة أربعة عناصر من تنظيم "داعش" تفجير ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة، خلال إقامه مباراة دولية لكرة القدم جمعت المنتخب السعودي بنظيرة الإماراتي. وهي عملية لو تمت كانت ستخلف آلاف الضحايا بحسب التقديرات، خصوصاً أن الملعب كان يعج بأكثر من 55 ألف متفرج. وفي اليوم ذاته، أعلنت الداخلية عن القبض على خليه أخرى مكونة من أربعة أشخاص، كانت تسعى لاستهداف رجال الأمن في محافظة شقراء (وسط السعودية).

عدا ذلك أحبطت قوات أمن المنشآت عام 2016 أكثر من 305 عمليات، منها 124 حالة اشتباه في أشخاص، و181 حالة اشتباه في مركبات، كما قبضت على ستة مزورين وتسعة مطلقي نار. 








تطور أمني

ويؤكد الكاتب المتخصص في قضايا الإرهاب، أحمد موكلي، أن تجربة السعودية في محاربة الإرهاب باتت محل إشادة حتى على مستوى المعالجة الفكرية، مضيفًا في حديثه لـ"العربي الجديد": "يمكن قراءة رقم العمليات التي وقعت، والتي تم إحباطها، من زوايا متعددة. فمن جهة؛ هذا مؤشر على قوة الأجهزة الأمنية المتخصصة، والخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية، سواء على المستوى العملياتي أو المعلوماتي. وهذه الخبرة في إحباط العمليات والضربات الاستباقية التي توجهها للجماعات الإرهابية ليست فقط على المستوى الداخلي، بل تعدى الأمر ذلك إلى المستوى الدولي. وظهر ذلك من خلال إشادة العديد من الدول في مساعدة الأجهزة الأمنية السعودية على إحباط عمليات إرهابية عابرة للحدود".


ويضيف "ربما كانت آخر تلك الإشادات من رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، التي ذكرت، قبل أسبوعين، أن السعودية ساعدت المملكة المتحدة في إحباط عمليات إرهابية".

ويرى موكلي أن "إحباط هذه العمليات، في الجانب المقابل، هو أيضًا مؤشر على قلة خبرة الأجيال المتأخرة من هذه الجماعات، على عكس ما كانت عليه الأجيال السابقة، والتي اكتسبت خبرتها من خلال مشاركتها في حروب خارج السعودية، كما حدث في أفغانستان والعراق. لذلك نجد كثيرا من العمليات التي نفذتها هذه الجماعات تعتمد على الأهداف البسيطة، وليست عمليات نوعية. وهذا يعيدنا كذلك إلى خبرة الأجهزة الأمنية في عدم إفساح المجال أمام هؤلاء للسفر خارج البلاد لتلقي التدريب، أو حتى في الداخل، من خلال خططها الأمنية الفاعلة".

ويشدد على أن غياب تنظيم "القاعدة" من الصورة، مقابل بروز "داعش" يؤكد على أن التنظيمين وجهان لعملة واحدة. ويضيف أن "القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة، فهما ينطلقان من فكر واحد، حتى ولو اختلفا في بعض المسائل، والتحاق بعض عناصر الأول لا يعني انتهاء القاعدة، فالفكر واحد، ولكن انتماءهم لداعش هو بسبب قوّته. والضعيف عادة يتبع القوي، خصوصًا، بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وتفكك تنظيمه في ظل قيادة الظواهري، الذي لا يملك كاريزما بن لادن. ناهيك عن أساليب العنف التي يتبعها داعش مع خصومه، وهي ربما تشبع رغبات كثير من هؤلاء (أفراده) في الانتقام ممن يَرَوْن أنهم خصومهم".