خلال عقود حكمه أسَس الدكتاتور السوري الراحل، حافظ الأسد، بأجهزته القمعية، لمجتمع "الوشاية". صار الهمس في الشأنين السياسي والاقتصادي، رعباً سَكَنَ دُور السوريين. وحين تجرأ السوريون راح وريثه بشار نحو تدمير مجتمع سورية، بمسمى "تطهير من الجراثيم"، لخلق "تجانس قطيعي".
منذ تسمية الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في الرياض، تتكرر كوارث السياسة بأثمانها الفادحة. داخلياً أٌقصيت الأسرة الحاكمة، واعتقل وهُمش محترفو السياسة والفكر والإعلام والاقتصاد، كالأكاديمي عصام الزامل، وقائمة نخب وخبراء طويلة، ليتسيد حفنة مستشارين مغامرين مبتدئين، مؤسسين فرق مطاردة وإعدام، وتكميم الأفواه...
وسط ذلك غُيبت كل حنكة دبلوماسية وسياسية وإعلامية، خصوصاً منذ نية غزو قطر في 2017، لصالح نفور شعبي عربي، مما يراه البعض ارتهانا لمشاريع أبوظبي، وإهدار المليارات في ثورات دموية مضادة، من مصر فسورية واليمن إلى ليبيا وغيرها، وتراجع السمعة الدولية بشكل غير مسبوق.
الحالة السعودية والمصرية والسورية والعراقية ليست شأناً خاصاً، لتأثيرها في العمل العربي المشترك، ولو في حدوده الدنيا، في واقع عربي مهلهل. وطالما بقيت عقليات "جيش المستشارين" تهيمن، بكسب رضا واشنطن وتل أبيب، وبدونية مثيرة للغثيان والأسى، فالنتائج المأساوية ستتعمق.
ومشكلة البعض في الرياض، أنه حين تذكيره بعواقب كارثية تلك السياسات، بحرص صادق على السعودية ودورها، يهرع إلى إسقاط فريضة التفكير، باستحضار شعبوي مفتعل لتطرف وطني، ربما برهبة الوشاية، ومصير الصحافي جمال خاشقجي وملاحقة سعد الجبري في كندا.
وفي كل الأحوال، ورغم إسفاف قلة قليلة، بإصرارها على تغريب العقل، والانسلاخ عن عمقه العربي، بتخوين المتعاطف مع أخيه القطري أو الفلسطيني، والسماح لتلميع الاحتلال الإسرائيلي على شاشاته وعلى مواقع وصحف سعودية "لا تقدح من رأسها"، تبقى الرياض عاصمة هامة للعرب، وإلا ما أبدى البعض حرصاً على مكانتها. فمن المؤسف أن يصبح ولي عهدها، بن سلمان، مع 13 آخرين من دائرته، في مهب المحاكم الأميركية، بممارسات وصفها أحدهم يوما بـ"ممارسات مافيا"، بعد "حفلة التقطيع" في إسطنبول.
فهل تستحق السعودية هذا المستوى الكارثي، المؤثر سلباً على الكل العربي؟