الدعاية الإسرائيلية بالعربية: الأهداف والأدوات والشخوص

الدعاية الإسرائيلية بالعربية: الأهداف والأدوات والشخوص

05 أكتوبر 2017
يسعى الاحتلال لإضفاء طابع إنساني على جنوده (Getty)
+ الخط -
يولي الاحتلال الإسرائيلي اهتماماً متزايدًا بقطاع الدعاية باللغة العربية من خلال تخصيص موارد بشرية ومادية وتقنية لتطوير هذا القطاع، والذي يراهن على دوره الحاسم في مواجهة ما تصفه تل أبيب بـ"التحريض العربي" عليها.

ويتبيّن أن المزيد من المؤسسات الرسمية الإسرائيلية باتت تراهن على دور الدعاية باللغة العربية في تحقيق أهداف سياسية وأمنية، على حساب الأطراف العربية، وتحديداً الشعب الفلسطيني. وأشار تحقيق نشره ملحق "الإعلام" في صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية، أول من أمس، إلى أن كلاً من ديوان رئيس الوزراء ووزارة الخارجية والجيش والشرطة في إسرائيل بات يعتمد بشكل كبير على الدعاية باللغة العربية في حملاتها الهادفة لاحتواء عمليات المقاومة الفردية من خلال مواجهة "التحريض" على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي تدعي إسرائيل أنه يلعب دوراً مهماً في تأجيج هذه العمليات. وحسب التحقيق، الذي أعدّه أساف جيبور، معلق الشؤون العربية في "ميكور ريشون"، فإنّ الدعاية الإسرائيلية باللغة العربية ترمي أيضاً إلى تبييض وجه إسرائيل وتغيير أنماط تصور المواطن العربي تجاه إسرائيل.

ونوّه التحقيق إلى أن تعاظم تأثير ودور مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، منح القائمين على قطاع الدعاية الإسرائيلية باللغة العربية الفرصة لتحسين قدرتهم على مواجهة "التحريض الممارس ضد إسرائيل في هذه المواقع"، منوهاً إلى أنه بات بإمكان المسؤولين عن إدارة الدعاية باللغة العربية الوصول إلى رجل الشارع البسيط في العالم العربي من خلال تجاوز القيود التي تفرضها السلطات الرسمية العربية "وبشكل يسمح بتقليص تأثير وسائل الإعلام العربية التقليدية التي تتبنى مواقف معادية" من تل أبيب.

ويشير التحقيق إلى أن المؤسسات الرسمية الإسرائيلية المعنية قد عمدت إلى تدشين حسابات رسمية باللغة العربية لها على: "فيسبوك"، و"تويتر"، و"إنستاغرام". وتناول التحقيق بالتفصيل مركبات العنصر البشري المسؤول عن تخطيط وإدارة الدعاية الإسرائيلية باللغة العربية، مشيراً إلى أن "أهم مركب بشري في هذا "الجهد" هو الناطق بلسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باللغة العربية، أوفير جندلمان، والذي يتولى نقل مواقف نتنياهو وشرحها للجمهور العربي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي". وينقل التحقيق عن جندلمان، وهو من أصول غربية، قوله إنه يدير العديد من الصفحات والحسابات باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف جندلمان: "نتنياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول الذي حرص على ناطق باسمه باللغة العربية، لأنه يعي الطاقة الكامنة في الجهد الدعائي في مواجهة العالم العربي"، على حد تعبيره.

وحول أهمية مواقع التواصل بالعربية كساحة للجهد الدعائي الإسرائيلي، يقول جنلدلمان: "هناك 158 مليون حساب بالعربية على فيسبوك، وفي كل عام يتضاعف العدد، العربية هي إحدى اللغات الأكثر رواجا في مواقع التواصل مما عزز مكانة هذه الساحة كهدف دعائي بالنسبة لنا". ويشير إلى أنه يحرص من خلال مواقع التواصل على نقل "تهنئة" نتنياهو للعالم العربي بالأعياد، إلى جانب إحاطة الجمهور العربي بالمناشط السياسية والدبلوماسية التي يشارك فيها، مشيراً إلى أنه لا يتردد في كثير من الأحيان في استخدام لغة "عدائية" في شرح مواقف رئيس الحكومة.

ويكشف جندلمان أنه "يحرص دائماً على عرض "أدلة" تدلل على أن حركة "حماس" لا تختلف عن تنظيم "داعش"، مشددًا على أن "هذا يخدم الدعاية الإسرائيلية في الغرب والعالم العربي على حد سواء"، على حد تعبيره.
ودعا جندلمان الإسرائيليين للإقبال على تعلم العربية من أجل تعزيز قطاع الدعاية باللغة العربية، على اعتبار أنه قطاع بالغ الأهمية والحيوية لإسرائيل وأمنها ومستقبلها.


أما في وزارة الخارجية، فإنّ اهتمامات القائمين على الدعاية باللغة العربية لا تقتصر على شرح مواقف إسرائيل للجمهور العربي، بل يتعداها إلى إيجاد بيئة تحسن من فرص التطبيع. وبحسب المسؤول عن قطاع الدعاية باللغة العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، فإنّه يوظف نشاطاته في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل "تشجيع النخب العربية على الانفتاح على إسرائيل".

وينقل التحقيق عن كعبية، وهو عربي خدم كعقيد في جيش الاحتلال، قوله إنّ "جهوده أسفرت عن تنظيم 12 زيارة لوفود لنخب عربية من تونس، المغرب، مصر، العراق، وكردستان".
وأشار إلى أنه هو والطاقم الذي يعمل معه يحرص على التواصل مع الأشخاص من ذوي التأثير في مواقع التواصل بالعربية، لا سيما الأكاديميون، الكتاب، والصحافيين، وغيرهم.

ويدعي كعبية أنه يلاحظ "تغييرا بواقع 180 درجة على مواقف هذه النخب تجاه إسرائيل بعد عودتها من زيارة تل أبيب"، منوهاً إلى أن إسرائيل تحرص على تمويل هذه الزيارات.


لكن وبحسب النتائج التي خلصت إليها دراسة أجرتها صحيفة "هآرتس"، في مايو/أيار الماضي، على مضامين صفحة خارجية الاحتلال على "فيسبوك"، يتبين أنّ وزارة الخارجية تصر على تبني خطاب استعلائي يحرص بشكل مباشر وغير مباشر على إبراز "دونية" للعالم العربي، مقابل "تفوق إسرائيل".

وردًا على احتفاء الوزارة بحصول صفحتها بالعربية على "فيسبوك" على أكثر من مليون إعجاب، أشارت "هآرتس" حينها إلى أن طابع تفاعلات معظم جمهور متابعي الصفحة في العالم العربي، ومعظمهم من مصر والعراق والأردن، لا يعكس بالفعل "إعجاباً بإسرائيل"، أو بما يتم نشره في الصفحة "بل إن تعليقات المتصفحين العرب تدلل على أنهم لا يتعاطون بجدية مع هذه المنشورات".


أما إدارة قطاع الدعاية بالعربية في الجيش الإسرائيلي فيتولاها منذ 11 عاماً الرائد أفيخاي أدرعي، والذي خدم سابقاً في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان". وينقل التحقيق عن أدرعي قوله إن أحد أهم أهداف تواجده على مواقع التواصل بالعربية هو "السعي لإضفاء طابع إنساني على ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي". ويشير إلى أنه يحاول تحقيق هذا الهدف من خلال "الظهور بالزي العسكري والتصرف بشكل إنساني مثل تناول الطعام المصري وغيرها من المناشط التي تهدف إلى تغيير الانطباعات المسبقة عن الجيش لدى العربي".

وبحسب التحقيق، فإنّ مجال عمل أدرعي يتمثل في شرح وتبرير الجهد الحربي الإسرائيلي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ويختلف أدرعي مع زملائه من خلال تأكيده على أن الإعلام التقليدي، لا سيما قنوات التلفزيون لا زالت الأكثر تأثيراً "بسبب دورها الحاسم في تصميم الوعي الجمعي للمواطن العربي، مما يزيد من أهميتها في توجيه الحرب الإعلامية"، على حد تعبيره.

ويشدد أدرعي على أن الجيش الإسرائيلي حرص على تطوير "مغريات تقنية وبرمجية" تعزز من فرص انجذاب المواطن العربي لحسابات الناطق باسم الجيش باللغة العربية على مواقع التواصل؛ مشيرًا إلى أن هذه الخطوة أفضت إلى التحاق 1.2 مليون متابع للصفحة الناطق باللغة العربية على "فيسبوك".

ويلعب مكتب منسق شؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة في وزارة الحرب الإسرائيلية دورًا مهما في إدارة الدعاية باللغة العربية. ويشير التحقيق إلى أنّ المنسق الجنرال يوآف مردخاي، مهتم بشكل أساسي بتوظيف نشاطات مكتبه على مواقع التواصل بالعربية في تجفيف البيئة التي تساعد على تشجيع العمليات الفردية، ناهيك عن سعيه لشيطنة حركة "حماس"، من خلال إبرازها كمتسفيدة من معاناة الشعب الفلسطيني.

لكنّ التحقيق لم يتطرّق لما تحذر منه الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي ترى أن صفحات الدعاية الإسرائيلية باللغة العربية تُستغلّ أيضاً في محاولة تجنيد مواطنين عرب وفلسطينيين للعمل كمخبرين للمخابرات الإسرائيلية، لا سيّما من أوساط أولئك الذين يطلبون مساعدات لحل مشاكل شخصية يواجهونها.

المساهمون