الخطة لا تزال في جيبي

الخطة لا تزال في جيبي

23 أكتوبر 2016
"الشجرة في بيت جدتي، شادي النشوقاتي/ مصر
+ الخط -

ثمَّة شخصية شهيرة في أفلام الغرب الأميركي؛ يقترب رجل ذو مظهر يوحي بالثقة، من البطل بهدوء ورويّة، ثم يقول له إنه يحوز خريطة كنز ما، يقع خارج حدود هذه البلدة الصغيرة. بالطبع، جملة كهذه ستثير خيال المشاهد، وربما سيكون أول ما يخطر في باله أن هذا الرجل نصَّاب، لص يريد سرقة مال أو ذهب البطل، بالطبع تظهر هذه الشخصية فقط كي يقوم البطل بإبعادها برفق أو بعنف؛ من المهم إبعادها كي يدرك المشاهد أن البطل ذكي، ولا يمكن لنصَّاب أن يستغله أبداً.

خلال السنوات الماضية، انتشر في مصر مفهوم "الختة"؛ والخطة لمن لا يعرفها مجموعة من الخطوات مرتبة بطريقة معيّنة، إذا تمّ تنفيذها بدقة وصرامة، ستُحدث تغييراً ما في نهاية الأمر. بعد كانون الثاني/ يناير 2011، لم يمر أسبوع من دون أن أقابل أحد حاملي الخطط، قابلتهم في المترو، وفي الشارع، وفي العمل، بل إن بعض الأصدقاء قاموا بوضع خطط مثلهم مثل غيرهم، وهو ما أثار فزعي تماماً.

ربما كانت أعظم الخطط التي علمتُ بوجودها في ذلك الوقت، خطة مهندس يميني شديد التطرّف، وعظمتها تأتي من صفتين هامتين، الأولى أنها طويلة جداً، إذ تستغرق سبعين عاماً حتى يتمّ تنفيذ جميع خطواتها، والثانية أنها غامضة تماماً، فالمهندس لا يريد إطلاع أي إنسان عليها، سوى الرئيس المصري. بالطبع، لم يطَّلع أحد على الخطة اليمينية العظيمة، ولم يهتم المهندس -بعد ذلك- بتوضيح بعض معالمها لعامة الشعب المصري.

بدا الأمر أننا جميعاً مطالبون بوضع خطط كي ننهض بمصر نهضةً كبرى، الأمر الذي دفع الناس إلى التفكير والقراءة والدراسة، ومحاولة وضع خطط لطالما وُصفت بالعبقرية. ولأن الخطة هي كل ما يملكه المرء في حياته، فقد صار الناس مهووسين تماماً بها، فلا سبيل إلى مناقشة تفاصيلها مع صاحبها، وبالطبع لا سبيل إلى تنفيذ خطة أخرى على الإطلاق.

أعلن جحا يوماً أمام السلطان أنه يستطيع أن يدرّب الحمار على الكلام، ولمَّا ضحك الجميع منه، اقترح جحا أن يمنحه السلطان داراً أوسع، ملحق بها إسطبل صغير للحمار، وأن يكفيه مؤونته من العلف، وأن يأمر بأجر لجحا مقابل تعليم الحمار الكلام، وتعهَّد بإعادة الحمار بعد عشرين سنة إلى السلطان وهو يتكلم كأيّ عربي. ولأن السلطان أخرق كالعادة، فقد وافق على كل ذلك، منذراً جحا بقطع رقبته إن لم يفلح في تعليم الحمار الكلام خلال عشرين سنة. بالطبع، تهافت القوم على جحا مستنكرين جنونه، وقالوا إن السلطان سيذبحك لا محالة، فألقى جحا خطة هائلة العظمة، قال: خلال العشرين سنة القادمة، سيموت الحمار، أو السلطان، أو أموت أنا.

الآن لا أحد يضع خططاً مصرية للنهوض بمصر، ويبدو لي أننا عدنا إلى زمن الاستكانة والوداعة الجميل، حيث هناك خطة واحدة، وضعها رجل واحد، ويقوم بتنفيذها بدقة وبلا تردّد أو هوادة، يدافع عن خططه كما يفعل أي مصري مخلص، حتى لو هلكنا جميعاً بسببها.


المساهمون