الحرية تقود الشعب

الحرية تقود الشعب

18 يناير 2019
(لوحة ديلاكروا، 1830)
+ الخط -


رسَم أوجين ديلاكروا الحرية امرأة، ورسمها نصف عارية، وهي تحمل العلم الفرنسي بيد، بينما تحمل البندقية باليد الأخرى، وأمامها جثث القتلى الذين ماتوا في سبيلها، فيما يتبعها مجموعة من الثوّار الذين يحملون البنادق والسيوف وعلى قسماتهم ملامح الإصرار والقوة، بينما ينظر إليها أحد أنصارها نظرةَ عبادة وتوسُّل.

الطريف في أمر الموضوع أن يكون مِن بين من نالت هذه اللوحة إعجابهم، وهم يُعدّون بالملايين في معظم أرجاء المعمورة، أشخاص يرفضون أن يؤيّدوا شعوباً تريد الحرية، أو أفراداً سُلبت حريتهم بالسجن أو الاعتقال. وثمّة من بينهم من يشتم الحرية إذا ما رفع اسمَها أحدٌ ما لا يعجبه.

ومن النادر أن تجد من يمكن أن يدين رسم الفتاة التي أضحت رمزاً لـ الشعب الفرنسي، إذا ما تحدّثنا عن اللوحة، ولكن من الصعب أن يرتضي الشخص نفسه أن تكون المرأة هي رمز الحرية، أو هي التي تقودهم إليها، أو أن يمنحها الحرية.

ونحن هنا أمام نتائج غريبة، فلن تقرأ أي تعليق سلبي على رمز المرأة، ولا عن عريها، ولا عن مغزى حملها السلاح، ولن تقرأ ما يشير إلى إدانة هوية المشاركين في الثورة، وهم في الغالب من الفقراء، إذا كانوا في اللوحة، بينما ترى أن الحروب والمذابح سوف تبدأ حين يمكن أن تنتقل حركة التحرُّر من اللوحة إلى الواقع.

وفي مثل هذه الحالات يتمّ تجاهل التاريخ الحاضر - أو يتم إلغاء الثورة كلها ـ لصالح اللوحة وحدها، وهكذا يمكن لأي شخص أن يتبنّى موقف الرسّام الذي يُظهر انحيازاً أكيداً إلى الحرية، وإلى الشعب، قائلاً إن تلك هي الحرية المنشودة، وذلك هو الشعب في اللوحة. أمّا ما حدث هنا في سورية أو في مصر أو ليبيا أو تونس أو اليمن، فليس كفاحاً من أجل الحرية، بل هو خروج مجموعات غوغائية من الحشود، أو انفلات التنظيمات المتوحّشة التي لا تبغي غير التخريب والجريمة. وهنا فإن الموقف من اللوحة ومغزاها يُعتبر اختباراً أخلاقياً وفكرياً للمواقف، وخاصة في اللحظات التاريخية الحاسمة.

وفي هذه المواقف، نسأل عن دور الفن والأدب في حياة البشر. لماذا يؤيدون الحرية في اللوحة، أو في الرواية، أو في الشعر، شرط أن يكون ذلك قادماً من بلدان أخرى، ويرفضونها هنا في شوارع المدن والبلدات؟ وأين تكمن اللحظة التي تتيح للإنسان أن يؤيّد الحرية في لوحة، ويحاربها في واقع؟

في كتابه "ضرورة الفن"، يقول إرنست فيشر إن الناس لا يدركون تماماً لما كان الفن ضرورة في حياتهم. وهو يرى أن إحدى هذه الضرورات أن تنشأ المتعة لدى المتلقّي من انفصاله عن الموضوع، من إيجاد المسافة بينهما، إذ يعيد المتلقّي تصوير الواقع على هواه، ويجد في الفن تلك الحرية السعيدة التي لا يجدها في الحياة اليومية.

وربما إذا ما أخذنا بهذا التفسير أن تكون إحدى علامات الإعجاب باللوحة هي الحرمان المزمن من الحرية، أو الخطر الحقيقي الذي يمثّله انتصار الثوّار الذين تعرّف أنصار الطغيان إليهم فيها.

المساهمون