الحرب في سورية تجبر شركات الإنتاج السينمائي على الهروب

الحرب في سورية تجبر شركات الإنتاج السينمائي على الهروب

03 يونيو 2015
استمرار بعض مسلسلات سورية رغم الحرب (العربي الجديد)
+ الخط -

يجمع مختصون سوريون على أن "الإنتاج المرئي" كان من أكثر الصناعات المتأذية من الحرب التي تطحن البنى والهياكل، منذ أربعة أعوام ونيف، ورغم اعتراف "أولاد الكار" أن الدراما السورية، وما تبعها من سينما ودوبلاج، لم ترق لمستوى الصناعة، فإنهم يتفقون على أن هجرة الفنانين وهروب جل رساميل وشركات الإنتاج، فضلاً عن خسارة مواقع التصوير التي لم تعوضها "لوكيشنات" بيروت وتركيا والقاهرة، أجهزت على ملامح صناعة دخلت خلالها سورية قبل عام 2011، حتى غرف نوم الدول العربية دونما استثناء.

ويقول الناقد الدرامي ماهر منصور:" لم تدخل الدراما السورية بخانة الصناعة بالمعنى التخصصي والمؤسسي وحتى الاقتصادي، بل بقيت، رغم ما حققت من إنتاجات وانتشار، تدار بعقلية "الدكنجي" مع فارق أن "الحجي الدكنجي" يعرف رأسماله ويعمل على زيادته عبر قراءة متغيرات السوق ويتحسب لها".

ويضيف منصور في تصريحات لـ "العربي الجديد":" ليس من أرقام معلنة لأكلاف الإنتاج الدرامي، ربما لأن الشركات تعتبره سراً لا يذاع، فعلى سبيل المثال يعلن أن نجوم الصف الأول

يتقاضون عن دورهم بمسلسل بين 5 و8 ملايين ليرة وتتراوح أجور المخرجين البارزين بين 6 و10 ملايين".

والثابت أن الأجور تراجعت خلال أعوام الحرب، رغم تراجع سعر صرف الليرة السورية، ما أدى، إضافة لتراجع أجور الفنيين إلى النصف، إلى عزوف كثير من الفنيين والفنانين عن الدراما السورية والتجاء بعضهم للدراما المصرية واللبنانية، ما زاد من تهديم هذه الصناعة.

وكانت كبريات شركات الإنتاج الدرامي في سورية غابت، أو تغيبت عن العمل، لأسباب اقتصادية أو سياسية: شركة عاج، سامة، ريل فيلم، صورة، بانة، زنوبيا وأكسن وغيرها"، ما راجع كم الإنتاج من نحو أربعين عملاً قبل الثورة إلى نحو 10 أعمال الموسم الجاري .

ولعل تسويق الأعمال السورية، التي لجأ منتجوها خلال السنوات الأخيرة إلى تسويق موقف نظام الأسد، إنما أثر على الصناعة، وحتى على المجازفة بدخول رساميل في تمويل مجهول وكاسد سلفاً.

ويقول المخرج مأمون البني لـ" العربي الجديد": لعل واقع الأحداث السورية هو أشد فتكا من واقع الدراما المحلية، فقد قام المنتجون بتمسيد ذقون مسؤولي المحطات التلفزيونية العربية وتلبية طلباتهم عملا بحكمة القرود اليابانية الثلاثة ( لا أرى، لا أسمع، ولا أتكلم ..... ) متناسين القول الأكمل، لا أرى شراً، لا أسمع شراً، ولا أتكلم شراً".

ويضيف: "تقلصت نسبة إنتاج الأعمال الدرامية عما هو قبل الثورة إلى أقلّ من الربع أي كان الإنتاج السنوي للمسلسلات السورية حوالي أربعون عملا، أما الآن فالعدد يصل إلى 8 أو10 سنويا، فضلاً عن أعمال شباك أي ما يطلبه الرعاة ( أصحاب الإعلانات ) كما  يبرر مسؤولو المحطات العربية، وهي عبارة عن أعمال مشتركة بين البلدان العربية للتهرب من عكس واقع هذه البلدان من خلال التعمد في تجاهل الهوية الجغرافية للبلد المنتج والابتعاد عن المشاكل أو الأحداث أو الثورات".

وحول تردي مستوى الإنتاج لما يرضي المنتج أو الحالة السياسية التي يفرضها يقول المخرج البني:" وضع أصحاب مؤسسات الإنتاج السورية الرسمية والخاصة أيديهم على الأعين والآذان والأفواه، ونفذوا أعمالاً تتكلم جُلّها عن علاقات اجتماعية متخيلة بعقلية أُناس لا يمتون بصلة إلى كوكبنا الذي يشهد صراعاً قوياً بين الخير والشر".

ويختم البني بالقول:" تجرأ بعض المنتجين وغامروا بأعمال لها صلة بالأحداث السورية، فكانت النتيجة غير مشجعة من ناحية التوزيع لدرجة أن عرض مسلسلين جيدين - قلم حمرة وحلاوة الروح – أتيا على عكس كل التوقعات فقد رُفضا بأكثر المحطات مما فرمل الرغبة المستقبلية لإنتاج أعمال مقاربة للواقع الحقيقي، في حين جاءت أعمال الداخل نتيجة متوقعة لانتمائها السياسي، فقد أنتجت مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني أعمالاً حابت السلطة ولم تكن موضوعية لسرد الواقع الحقيقي للأحداث باستثناء مسلسل "ضبوا الشناتي" الذي كان أفضل أعمال المؤسسة بالتفافه على بعض المحظورات، وسلسلة الولادة من الخاصرة الذي أنتجه القطاع الخاص خارج سلطة الرقابة، وقد نجح لأنه استطاع جذب مشاهديه من قبل الثورة واستمر إلى ما بعدها".

ويفصّل الناقد ماهر منصور حول دخول منتجين جدد إلى الدراما السورية، بالقول: "لا أعتقد أن دخول المنتجين الجدد يعكس حالة فنية صحية، أو زيادة في الطلب على الدراما السورية، بل جاء نتيجة تردي هذه الصناعة، بمعنى دخول التقليد والمزوّر والسلعة الرخيصة ما ساهم في تخفيض سعر الحلقة التلفزيونية الدرامية السورية، "عرضت شركة مسلسلاً للبيع بشكل حصري

بـ 2500 دولار للحلقة، في حين كان يتجاوز سعر الحلقة الحصرية 30 ألف دولار".

اقرأ أيضاً: خريطة الدراما السورية

ويتفق السيناريست سامر رضوان مع الممثل عبد القادر المنلا في أن الإنتاج الدرامي السوري لم يتراجع لجهة الكم خلال سنوات الثورة، فرضوان يقول لـ"العربي الجديد": "ربما يكون كلامي مفاجئاً للبعض، بأن الإنتاج الدرامي لم يتأثر على الإطلاق بما حدث في سورية طوال الفترة الماضية.. فقد حافظ عدد الأعمال المنجزة على مستقره نسبياً من حيث العدد فقط.. ما اختلف حسب زعمي هو سيطرة الأعمال الرديئة على الفعل الدرامي نتيجة هجرة النجوم السوريين ممثلين وكتاباً وفنيين ومنتجين.. وهذا أفسح المجال لظهور أعمال يتوهم صناعها أنها تنتمي إلى ما سبقها من إضافة للدراما السورية، ولكنها كانت تدق ناقوس الخطر من أننا بدأنا الخروج من المنافسة كلياً، بعد أن اعتلينا أول سلالم المنافسة".

ويضيف: "خلال خمس سنوات سابقة لم يكن توجه الفضائيات المسيطرة باتجاه تقديم شكل درامي خاص وطازج، بقدر رغبتها في أن تملأ فراغ شاشاتها بأجساد وحكايا هزيلة تجلب المعلن وتسد فراغ البث، وقد استثمر قوادو الإنتاج هذا الفراغ لينجزوا أعمالاً بدريهمات قليلة، وهذا بالطبع لا ينسحب على الأعمال التي صورت في الخارج وكان منتجوها وصناعها لبنانيين، فقد استفادوا كثيراً من الخبرات السورية على كافة الأصعدة وأتصور أنهم سيسحبون البساط من تحت أقدامها إذا استمر هروب الأدمغة والمواهب خارج هويتها".

وهرب الإنتاج إلى أماكن أخرى خارج سورية كلبنان أو الإمارات، ولكنه كان مضطراً للخوض في الوضع السوري وبالتالي كانت السياسة هي القيمة المهيمنة الأساسية على المواضيع هنا.

وفي حين لم يأخذ الاتفاق الذي أعلن نهاية عام 2011 بين "إيران وسوريا" عن دعم الدراما السورية، بعد زيارة وفد إيراني لمديرية الإنتاج بالتلفزيون السوري، وما قيل حينذاك عن إنشاء قناة إيرانية متخصصة بالدراما السورية والعربية تترجم للغة الفارسية، يقول متخصصون إن ثمة أموالاً إيرانية تغطي تكاليف الإنتاج فضلا عن استمرار نظام بشار الأسد بدعم بعض الأعمال التي تسوق وجهة نظره الممانعة، بالحرب على الثورة السورية بصرف النظر عن العائد والتسويق.

ويقول الفنان المنلا:" دخلت التغطيات الفارسية لدعم المسلسلات المنحازة للنظام ولم يعد سوق الدراما السورية في وارد البعد التسويقي والتجاري، وخصصت الأعمال لمناصرة وجهة نظر النظام وأصبح تسويقها صعبا إلا للقنوات السورية بالداخل وبعض القنوات المناصرة للنظام في لبنان".

ويضيف المنلا:"خصص النظام ميزانية ضخمة للإنتاج الدرامي فقط ليؤكد نظريته على أن سورية بخير واعتبرها جزءا من المجهود الحربي، فالمسلسل لا يكلف أكثر من قيمة بضعة صواريخ سكود، والحفاظ على صورة النظام الحضاري الذي تحققه صناعة الدراما كان إحدى أولويات الحرب لديه وهكذا تعامل مع السينما التي لم تكن رابحة أساساً".

ولم يعد البعد الاقتصادي هو المحرك للدراما السورية وإنما البعد الأيديولوجي والعقائدي.. لم تعد الدراما السورية تتناول موضوعات إنسانية أو تاريخية، وحشرت في زاوية معالجة الحدث السياسي، والذي انكفأت الكثير من القنوات عن شراء الأعمال التي تعالجه باعتباره شأنا داخليا.
إذا، غابت صناعة الدراما كمساهم فاعل في المشهد الاقتصادي السوري وجيرت بالكامل لصالح الحدث الذي تدافعت القنوات المشترية للابتعاد عنه".

واستثمرت شركات الإنتاج السورية عام 2006 حوالي ملياري ليرة سورية في الإنتاج الدرامي الذي يؤمن أيضا فرص عمل كثيرة، حيث يقدر عدد العاملين في العمل الدرامي الواحد

بـ500 شخص، وتكبدت خسائر كبيرة ذلك العام بسبب قلة التسويق لدول الخليج، ما دفع ببشار الأسد وقتذاك إلى إصدار مرسوم بشراء بعض الأعمال التي لم تعوض المنتجين عن خسائرهم.

وعاودت صناعة الدراما السورية زخم الانتاج عام 2008 حيث عرض نحو 36 مسلسلا سوريا على التلفزيونات تتحدث عن مواضيع مختلفة، ليتراجع عام 2014 لنحو عشرين مسلسلا معظمها تناول الحرب وآثارها على المجتمع السوري، من وجهة نظر "الممانعة والمقاومة ".

وما طال إنتاج وصناعة الدراما السورية، انسحب على السينما التي غاب عنها الإنتاج الخاص، عدا بعض التجارب منذ عقود، واقتصر الإنتاج السينمائي السوري، حتى قبل الثورة، على فيلم أو فيلمين كحد أقصى، ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما .

ويلفت عبد اللي لـ"العربي الجديد":" لم تكن الشركات السورية منتجة، بل منتجة منفذة لصالح تلفزات خليجية، فسامة (أديب خير) كان ينتج للإم بي سي، والفردوس لـ "أبو ظبي"، وهناك شركة كانت تنتج للتي ري تي التركية".

وكانت الشركات السورية تتقاضى عن أجرة ترجمة الساعة التلفزيونية ما بين 1500 دولار و2500 دولار بحسب النجوم ونوعية الترجمة، أما بالنسبة للأسعار ففي الحقيقة أن هناك تفاوتاً كبيراً جداً بين مسلسل وآخر، فقد كانت هناك مسلسلات قيمة ساعتها التلفزيونية ثلاثة آلاف دولار، بينما كانت هناك مسلسلات وصل سعر الساعة التلفزيونية فيها إلى خمس وعشرين ألفاً، ونتيجة ارتفاع الأسعار أقلعت كثير من التلفزيونات عن شراء المسلسلات التركية.

وتقول الإعلامية ميساء حسين، التي عملت لسنوات بإنتاج الدوبلاج في سورية ومصر:" كان ممثلو الدوبلج يعملون في سورية بأجر عن الحلقة كان يصل إلى 1500 ليرة سورية على الحلقة في بعض الأحيان، أي ما يعادل ثلاثين دولاراً أميركياً وقتها وعندما انتقلوا للعمل في الدول المجاورة وجدوا انماطا أخرى للأجور، ففي مصر كانت الأجور مربوطة بعدد الاسطر للدور، وكان السطر بثلاثة جنيهات مما يمكن ان ينعكس على الأجر الذي تراجع كثيرا فأصبحت الحلقة تصل بالكاد إلى عشرين دولاراً".

وحول تراجع الأسعار تقول حسين:" دقيقة الدوبلاج كانت في سورية بين 23 و50 دولاراً قبل الأزمة وأصبحت الآن في سورية 10 دولارات للدقيقة وربما ثمانية دولارات، تحت وطأة الحاجة ومنافسة زملاء المهنة من السوريين في دول الجوار في مصر وصلت لعشرة دولارات بعد ان كانت واحداً وعشرين دولاراً "طبعاً أتحدث عن الدوبلاج السوري".


اقرأ أيضاً: جمال سليمان: نعود ما دامت الدراما السورية إلى نفسها تعود