الحاخام شطايمان: صانع حكومات إسرائيل

الحاخام شطايمان: صانع حكومات إسرائيل

13 ديسمبر 2014
يكنّ شطايمان عداءً كبيراً للبيد
+ الخط -

للوهلة الأولى، بدا وكأنّ قرار حلّ الكنيست وتقديم موعد الانتخابات التشريعيّة، هو نتاج توجّه أصيل لكلّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وزملائه من قادة الائتلاف الحاكم. لكنّ ما تبيّن لاحقاً هو أنّ مَن قرّر تقديم موعد الانتخابات، ليس إلا عجوزاً تجاوز المئة عام من عمره، وهو زعيم التيار الديني الحريدي الغربي، الحاخام أهارون يهودا شطايمان.

وتبيّن أيضاً أن كلاً من نتنياهو وخصمه ووزير ماليته المُقال، زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد، حاولا تشكيل حكومتين، بعد أن تيقّنا من استحالة مواصلة الشراكة بينهما في الائتلاف الحاكم الحالي. وكان الهدف من سعي كلّ منهما إلى تشكيل الحكومة الجديدة، الحؤول دون حلّ الكنيست وتقديم موعد الانتخابات، بناءً على نتائج استطلاعات الرأي، التي تتوقّع تراجع قوّة حزبيهما.

ويبدو أنّ آمال كل من نتنياهو ولبيد قد خابت، لأنّ نجاح أيّ منهما في تشكيل حكومة، يتطلّب ضم الأحزاب الدينيّة الحريديّة، وهما: "يهدوت هتوراة" و"شاس". باتت هاتان الحركتان ترجّحان كفّة الميزان، الذي يستحيل على كتل اليمين أو الوسط ويسار الوسط تشكيل حكومة بدون ضمان تأييدهما. وفي وقت اعتبر فيه مراقبون أنه يستحيل على الحريديم أن ينضموا لائتلاف يشكّله عدوّهم اللدود لبيد، الذي أصرّ على تمرير قوانين تقلّص من قدرتهم على مواصلة إعفاء طلاب المدارس الدينيّة من الخدمة العسكريّة، وبالتالي، فهم لن يترددوا في الانضمام لائتلاف يقوده نتنياهو، وبذلك لن يكون هناك مسوّغ لإجراء انتخابات، تبيّن أنّ للحاخام شطايمان رأياً آخر.

وفي هذا السياق، تنقل صحيفة "معاريف" عن مقربين من الحاخام قولهم إنّ تشكيل حكومة في هذه الأثناء يعني تبوّء لبيد مكانة زعيم المعارضة، ما يسمح لحزبه باستعادة قوّته الانتخابيّة التي تدلّل استطلاعات الرأي على أنه فقدها، بعد أن خيّب رهانات أبناء الطبقة الوسطى من العلمانيين لفشله في تحسين أوضاعهم بعكس ما وعد به.

ويبدو أنّ شطايمان كان معنيّاً باستنفاد الفرصة الكامنة في "الطلاق البائن" بين معسكر اليمين من جهة، وحزبي "ييش عتيد" و"هتنوعاه"، الذي تقوده تسيبي ليفني من جهة أخرى، ويعني ذلك أن تستعيد الأحزاب الحريدية قدرتها على ترجيح الميزان بشكل دائم. وما يزيد من شهيّة شطايمان، حقيقة أنّ استطلاعات الرأي تتنبأ بحدوث زيادة واضحة على قوة "يهدوت هتوراة" في الانتخابات المقبلة، ما يعوّض التراجع المتوقّع لقوّة "شاس"، وهذا ما يعزّز من قدرة التيار الحريدي على المساومة بعد الانتخابات.

وتؤكد بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّة التوصّل إلى اتفاق بين ممثلي "الليكود" والتيار الحريدي، يقضي بأن يوصي نواب الأحزاب الحريديّة بعد الانتخابات رئيس الدولة بتكليف نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة.

وتزعم بعض الصحف الاسرائيليّة أنّ صفقة ما تمّت، والتزم نتنياهو بموجبها حصول "شاس" على وزارة الداخليّة، و"يهدوت هتوراة" على رئاسة لجنة المالية في الكنيست، وهو الموقع الذي يؤهل صاحبه التأثير على مصير موازنة الدولة العامة، علاوة على جملة التزامات أخرى، على رأسها تخصيص موازنات كبيرة للمؤسّسات الدينيّة والتعليميّة والاجتماعيّة للأحزاب الحريديّة. لكن ممثلي التيار الحريدي، ينفون أنهم في جيب أحد، معتبرين أنّ المعيار الرئيس الذي يوجّههم هو مدى تحقيق مطالبهم.


يدرك شطايمان جيداً أنه "صانع الملوك"، فلن يكون بإمكان أيّ حكومة أن تتشكل بعد الانتخابات بدون مشاركة "الحريديم"، وبالتالي فهو لا يبدو على عجلة من أمره في عقد الصفقات. ويضمر شطايمان، الذي ولد عام 1914 في مدينة بريسك في روسيا البيضاء، عداءً كبيراً للبيد، إلى درجة أنّ مقربين منه يقولون إنّه لا يمكن أن ينطق اسمه وإلا يتبعه بالقول: "فليمح الرب اسمه"، لحرصه على تمرير قوانين معادية للحريديم خلال وجوده في الحكومة المنحلة.

وفي خطوة لافتة، نشرت صحيفة معاريف، في ملحق نهاية الأسبوع، صورة نادرة لشطايمان وهو يبكي جراء تمرير القانون الذي يقلّص المخصّصات الممنوحة لطلاب المدارس الدينيّة بهدف دفعهم للتوجه إلى الخدمة العسكريّة. وقد أشار شطايمان، الذي يقيم في مدينة بني براك، شمال شرقي تل أبيب، التي يقطنها اليهود الحريديم فقط، أنّ هذا القانون "مسّ بقيمة الفقه والشريعة اليهوديّة"، علماً أنّه يعتبر أنّ "تجنيد طلاب المدارس الدينية في الجيش يهدد مصير الشعب اليهودي". وكان شطايمان ينعت لبيد بـ"عملاق"، نسبة إلى العماليق الذين كانوا يقطنون فلسطين قبل ألفي عام، والذين هزموا في المعركة أمام ملك بني إسرائيل ونبيهم يوشع بن نون.

ويقول محرّر صحيفة ياتيد نئمان، الناطقة بلسان التيار الحريدي، الحاخام بني رابينوفيتش، إنّ يوم شطايمان ينقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم يخصّصه لتعليم التوارة والتلمود، وقسم آخر لإصدار الفتاوى المتعلّقة بشؤون الحياة، على اعتبار أنّه كبير مرجعيات الافتاء لدى التيار الحريدي، وقسم ثالث يخصّصه لمناقشة الشأن العام مع نواب التيار في الكنيست، حيث إنّه ليس بوسع أحد الاعتراض على أيّ تعليمات تصدر منه للنواب، الذين يفدون إليه لإطلاعه على التطوّرات وتلقّي التعليمات. وقد أصبح شطايمان زعيماً بلا منازع للتيار الحريدي، بعد موت الزعيم التاريخي للتيار الديني الحريدي الحاخام يوسيف إلياشيف.