الجزائر تبحث عن الاكتفاء الغذائي... في الصحراء

الجزائر تبحث عن الاكتفاء الغذائي... في الصحراء

08 اغسطس 2016
نمو الزراعة الصحراوية في الجزائر (دو أدوغستيني/ Getty)
+ الخط -
منذ العام 1971 ظهر مصطلح الثورة الزراعية في الجزائر بفعل ما عرفته البلاد حينها، من توجه جارف نحو هذا القطاع، ومذّاك لم تعرف الفلاحة الجزائرية اهتماماً مماثلاً، أكان من طرف الدولة أو من قبل الفلاحين أنفسهم، إلا خلال السنوات الأخيرة، بعد الهبّة الكبيرة للفلاحين لاستصلاح الأراضي وتطوير إنتاجهم، ورفدهم بالدعم الحكومي، الذي لا يلاقي استحساناً من كافة خبراء التنمية...

ونظراً لكون المساحات المسقية في الشمال، لم تعد تغطي حاجة السوق الوطنية من مختلف المنتجات الفلاحية، تحوّلت المناطق الصحراوية الشاسعة، من مناطق معتمدة بصفة شبه كلية على المنتجات الفلاحية من ولايات الشمال إلى مناطق مكتفية ذاتياً توفر حاجات لكل ولايات البلاد.


يؤكد رئيس المجلس الجهوي المشترك بين المهن لشعبة البطاطا بولاية وادي سوف، حامد بكار لـ "العربي الجديد" أن الإنتاج الفلاحي الحالي بولاية الواد متأتٍ بفضل جهود الفلاحين المحليين بمفردهم، من دون تدخل الدولة بدعم مادي أو معنوي.

ويضيف بكار أنه ومنذ عشرين سنة بدأت تبرز أقطاب فلاحية صحراوية كولاية الواد، بسكرة وورقلة، والتي وصلت نسبة مساهمتها في الإنتاج الفلاحي حد تغطية الأسواق الوطنية بفضل مؤهلاتها المائية وتوفر الوعاء العقاري، وهذا بالاعتماد أساساً على التحدي الذي رفعه فلاحو المنطقة قبل كل شيء.

ويشير إلى أن ولاية الوادي التي استطاعت أن تبرز بقوة من خلال نشاط الفلاحين وتوسعة أراضيهم الفلاحية وما حققوه ميدانياً من إنتاج فلاحي دفع الدولة إلى التفكير جدياً في الفلاحة الصحراوية، من أجل تجاوز الأزمة المالية التي نمر بها بالاعتماد على البترول الأخضر.
وفيما يدعو الدولة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في هذا المجال لتحقيق زراعة مستدامة والقضاء على التبعية للخارج في مجال الحبوب، يرى أنه على الدولة التركيز على دعم الفلاحين من ناحية الأسمدة والبذور من دون فوائد، بالإضافة إلى خلق مسالك معبدة بهذه المناطق، وكذا تزويد فلاحي تعاونيات الحبوب بتقنية أنابيب الرش المحوري.

ويختم بالتأكيد على أن الصحراء الجزائرية قادرة على أن تغني البلاد نهائياً عن استيراد
الحبوب والحليب، إذا ما تم الاعتناء بفلاحيها وتقديم كل التسهيلات لهم، نظراً لكون الدولة حالياً تستورد سنويا نحو 12 مليون طن من الحبوب من فرنسا وأوكرانيا وإيطاليا.

أمّا الخبير في التنمية الريفية أكلي موسوني، فيؤكد أن للمناطق الصحراوية خصائص فلاحية متميزة تجعل من منتجاتها ذات قيمة غذائية عالية وتنافسية في الأسواق العالمية، نظراً إلى درجة الحرارة المرتفعة بها وكمية الضوء الكبيرة، ما يجعل سعر كيلوغرام الخس الصحراوي مثلاً يعادل ما قيمته ثلاثة كيلوغرامات من الخس الإسباني.

ويضيف أن هذه الميزة لا تمنع وجود سلبيات في استغلال الفلاحة الصحراوية، ومن بينها عدم تجدد مياه المناطق، ممّا يستدعي الحفاظ عليها وعدم استهلاكها بإفراط.

ويرى موسوني ضرورة أن يكون استغلال الفلاحة الصحراوية استغلالاً عقلانياً ومدروساً، لافتاً إلى أن تشجيع إنتاج مادة البطاطا في الصحراء هو توجه خاطئ كون البطاطا ليست منتجاً استراتيجياً، بالنظر إلى قيمته المالية الزهيدة، كما أنه منتج يستهلك كميات كبيرة من المياه.

ويشدّد موسوني على ضرورة أن يتم التركيز على إنتاج التمور، خصوصاً منها التمور من نوع "دقلة نور" النادرة وذات الجودة العالية، بالإضافة إلى إنتاج الحبوب والأعلاف لتطوير إنتاج الحليب واللحوم الحمراء.

ويختم بانتقاد سياسة الدعم المنتهجة من طرف الدولة لفائدة الفلاحين، والتي تعتمد على دعم أي فلاح وفقاً لحاجاته من دون دراسة ناجعة، في ظل غياب أي نظرة استراتيجية واضحة للحفاظ على المياه الجوفية والأراضي، لافتاً إلى أنه "لو واصلت الدولة سياستها تلك، فإننا لن نصل إلى ضمان أمننا الغذائي، بل ستتضاعف فاتورة استيراد المواد الغذائية".

من جهته، يقول الأمين العام للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين محمد عليوي إن هناك حوالي 100 ألف هكتار من الأراضي المسقية حالياً في كل من أدرار وتندوف وواد المنيعة بسكرة، مضيفاً أن العملية بدأت سنة 1982 ضمن ما سمي آنذاك بقانون الاستصلاح الفلاحي.


ويشير عليوي في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن الفلاحة الصحراوية نشاط مربح وغير مكلف، فالمياه متوافرة بما يكفي ولا تتعدى عمق الـ 150 متراً تحت الأرض ومساحات الأراضي شاسعة. ولم يبقَ إلا مشكل الكهرباء الذي تم حله مؤخراً باستخدام ألواح الطاقة الشمسية.

ويردف عليوي قائلاً "إن النتائج المحققة في مجال الفلاحة الصحراوية دفعت الدولة إلى وضع مخطط لخلق مليون هكتار مسقي من الأراضي تخصص لإنتاج الحبوب والحليب بالمناطق الصحراوية والهضاب العليا، مع حلول سنة 2020، حيث شرع مؤخراً فقط في توزيع الأراضي الصحراوية على شركات مختلطة جزائرية - أجنبية". فقد "تم تحديد المساحات الممنوحة بـ 100 هكتار وصولاً إلى 40 ألف هكتار حسب القدرة الاستثمارية لكل مستثمر، وتكون مخصصة أساساً لتربية الأبقار وإنتاج الحليب، بالإضافة إلى إنتاج القمح اللين والمنتجات الفلاحية".

ويشرح عليوي أن الهدف من وراء هذا التوجه هو السعي إلى ضمان الأمن الغذائي، مضيفاً أن "ما يحدث حالياً من توجه نحو الاستثمار الفلاحي بصحرائنا خلق وفرة في الإنتاج بالنسبة للعديد من الخضر والفواكه وحتى الحبوب. ما جعل ولايات صحراوية على غرار واد سوف وبسكرة وورقة وغرداية والمنيعة وغيرها، تكتفي ذاتياً وبات إنتاجها الفلاحي يغطي كامل التراب الوطني بما فيها المدن الشمالية، بعدما كانت تعتمد على الشمال بصفة شبه كلية في هذه المنتجات".

المساهمون