الجزائر... الوجه الآخر لـ"الجماجم"

الجزائر... الوجه الآخر لـ"الجماجم"

08 يوليو 2020
عادت جماجم الشهداء بعد 170 عاماً (فرانس برس)
+ الخط -

دولةٌ مثل فرنسا لا تعطي بالمجان، ولم تكن لتفعل ذلك، لولا الكثير من الحسابات السياسية، واستعادة الجزائر لجماجم الشهداء والمقاومين بعد 170 عاماً تظل إنجازاً جزائرياً كبيراً، لا تقلل منه الحسابات الفرنسية السياسية والإقليمية، لأنها تخص باريس وحدها، فالجزائر قبل الحراك ليست كما بعده. في ديسمبر/كانون الأول 2017، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتسليم الجماجم، لكن إخراجها استغرق ما يقارب الثلاث سنوات، وهذا وحده كافٍ للدلالة على أن الأمر ليس هدية. اختار الفرنسيون توقيت تسليم الجماجم في ظرفٍ كانت فيه فرنسا قد خسرت أو تكاد موقفها ومصالحها في ليبيا، وبدأت تواجه مقاومة جدّية في منطقة الساحل وأفريقيا، خصوصاً مع مؤشرات تدخل جزائري ميداني في المنطقة. يدل على ذلك مساعدة الجزائر للجيش المالي، وتوجه نحو إرسال الجيش إلى الخارج، والتحرك باتجاه موريتانيا، ودفع مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، الجزائري إسماعيل شرقي، لتبني خطة لنشر 3 آلاف جندي أفريقي في الساحل. يضاف إلى ذلك كلّه تصاعد موجة عالمية من قبل شعوب الجنوب لاسترجاع تاريخها، ومن قبل شعوب العالم الغربي لغسل عارها التاريخي، كما حدث خلال موجة تظاهرات ما بعد حادثة جورج فلويد في الولايات المتحدة.
لكن ثمّة سبب مركزي له علاقة بالجزائر، يدفع فرنسا إلى استدراك الموقف، وتقديم الجماجم كعربون حسن نية سعياً منها نحو علاقة جديدة. الثابت أن المؤسسة الحاكمة في فرنسا انتبهت إلى أن مواقفها وخطابها إزاء تطورات الأحداث في الجزائر خلال فترة الحراك الشعبي، وما بعده، كانت خاطئة تماماً، وبنيت على تقدير موقف خاطئ، ولم تأخذ باريس على محمل الجد المتغيرات العميقة الحاصلة في الجزائر، سواء في بنية الكتلة الحاكمة وتوجهاتها، أو في المؤسسة العسكرية والأمنية، ودون إدراك منها لمتغير مهم، هو أن الكتلة التي كانت تتبنى المصالح الفرنسية في الجزائر، لم تعد بتلك القوة والقدرة على توجيه الأحداث لصالح باريس.
يدخل تسليم الجماجم في هذا السياق، ودون فصل السياسي عن الاقتصادي، أو تجاهل أن تقديم الجماجم جاء أسبوعاً فقط بعد التوقيع على اتفاق بين شركة "سوناطراك" الجزائرية و"توتال" الفرنسية بشأن عقود الغاز. فإن في قصة الجماجم، تبرز أيضاً 3 مستويات من القبح الفرنسي، والذي لا يتوقف عند الطريقة البشعة والصورة الدامغة لجرائم الاستعمار وزيف مزاعم الحضارة التي كان يحملها، ولا في "أسر" هذه الجماجم 170 عاماً في متحف باريسي وعرضها للسياح كأي أغراض، بما دون الصفر من الإنسانية، ولكن القبح أيضاً في استخدام الموتى داخل نطاق الحسابات السياسية لتصحيح موقف واستدراك مصالح.

المساهمون