الجاموس وفأر الحقل

الجاموس وفأر الحقل

18 اغسطس 2015
"الهندي الأحمر" وينباغو الملقب بـ الطائر الأحمر (getty)
+ الخط -
ذات زمان، بينما كان الفأر البرّي يجمع الحبوب للشتاء، اقترب منه جاره الجاموس وراح يرعى الأعشاب.
لم يكن ذلك ليروق للفأر الصغير، لأنه يعلم أن الجاموس سيقتلع الأعشاب الطويلة بلسانه المنجلي، ولن يبقي له مكاناً يختبئ فيه.
هكذا قرّر الفأر أن ينازل الجاموس في معركة، كما يفعل بنو البشر!
"هيا يا صديقي الجاموس، إني أتحداك وأدعوك للنزال". قالها الفأر بصوته الصائي.
لم يكترث الجاموس بكلام الفأر، وظنّ الأمر كلّه مزاحاً.
وبغضب شديد ردّد الفأر تحديه، فيما ظلّ الجاموس يلتهم الأعشاب بهدوء.
عندها ضحك الفأر الصغير بسعادة المنتصر في تحديه، التفت إليه الجاموس وأجاب باستهتار:
"خير لك أن تخرس أيها الصغير، أو آتيك فأدوس عليك، ولن يبقى منك أثر".
قال الفأر: "لا. لن تستطيع ذلك".
رد الجاموس بشيء من الغضب: "قلت لك أن تخرس، إذا قلتَ لي كلمة واحدة جديدة فإني سآتيك وأنهي عليك".
قال الفأر باستفزاز: "هيا، هيا، إني أتحداك".
عندها هجم الجاموس عليه. كان يخبط العشب بجنون ويشق الأرض بحوافره الأمامية. ولما توقف نظر حواليه فلم يعثر للفأر على أثر.
"لقد أنذرتك بأنني سأطأ عليك فلا يبقى منك شيء".
في تلك اللحظة أحسّ الجاموس بتخريش شديد داخل أذنه اليمنى، فنفض رأسه بأقصى ما يستطيع، وهزّ أذنه إلى الأمام وإلى الوراء.
كان القضم داخل أذن الجاموس يشتدّ عمقاً ويزداد إيلاماً، إلى أن طار صوابه، فراح يدكّ العشب بحوافره ويفلح الأرض بقرنيه، ثم بدأ يخور خواراً جنونياً ويركض بأقصى سرعته قدماً، ثم في حركة دائرية إلى أن توقف أخيراً وراح يرتجف.
هنا قفز الفأر من أذنه وقال: "هل تعترف الآن بأنني السيد؟".
وشخر الجاموس وهو يقول: "لا"، ثم هجم عليه وكأنه يريد أن يدوسه تحت حافره. لكن صديقنا الفأر اختفى.
وفجأة أحسّ به الجاموس داخل أذنه الثانية، فجنّ من الألم، وانطلق من جديد يذرع البرية ويجمح في الهواء، حتى سقط على الأرض قتيلاً. وقفز الفأر من أذن الجاموس ليقف منتشياً فوق جسده الميت.

اقرأ أيضاً: درنة

"يا للفرح. لقد قتلتُ أعظم البهائم، وهذا ما سيثبت للقاصي والداني أنني أنا السيد". ومن أعلى الجثة راح ينادي بأعلى صوته: "أحضروا السكين لهذه الذبيحة".
وكان في أقصى المرج ثعلبٌ أحمر جائع يصطاد الفئران ليفطر بها. وفجأة رأى واحداً فانقض عليه بقوائمه الأربع، لكن الفأر الصغير أفلت منه وتركه في خيبة قاتلة.
في تلك اللحظة سمع نداءً يتردد من أقصى المروج: "أحضروا السكين. أحضروا السكين".
ولم يكد الثعلب الأحمر يسمع النداء الثاني حتى انطلق إلى الصوت، ثم توقف فوق المرتفع الأوّل وراح ينصت بكل جوارحه. ولما لم يسمع شيئاً همّ بالرجوع. غير أن النداء تردد من جديد بصوت ناعم، لكنه صوت واضح مسموع: "أحضروا السكين!".
وانطلق الثعلب الأحمر بأقصى سرعته إلى أن شاهد جثة الجاموس الضخم ملقاة فوق الأرض والفأر الصغير يعلوها.
قال الفأر بلهجة آمرة: "أريدك أن تذبح لي هذا الجاموس. وسوف أعطيك قطعة من لحمه".
قال الثعلب بأدب: "شكراً يا صديقي. يسعدني أن أفعل ما تريد".
كان الثعلب يذبح الجاموس بينما جلس الفأر على تلّة قريبة يشرف على الذبح آمراً ناهياً: "هيا! اقطع اللحم قطعاً صغيرة".
حين انتهى الثعلب من عمله أعطاه الفأر قطعة صغيرة من كبد الجاموس فابتلعها سريعاً وراح يتلمظ.
قال الثعلب بتواضع: "أرجوك، هل لي بقطعة ثانية؟"
رد الفأر بكبرياء: لماذا؟ لقد أعطيتك قطعة كبيرة. يا لك من جشع!" ثم أضاف متهكماً: "لك أن تأكل ما شئت من جلطات الدم!".
كان الثعلب المسكين جائعاً فتناول جلطات الدم، بل إنه لعق ما علق منها على العشب، ثم قال: "أرجوك هل لي أن آخذ قطعة من اللحم معي إلى البيت؟"، وراح يستجديه "عندي ستة صغار جائعين وليس عندهم ما يأكلونه!".
قال الفأر: "لك أن تأخذ القوائم الأربع. إنها تكفيكم".
قال الثعلب: "شكراً. شكراً. وعندي يا أيها الفأر، زوجة جائعة، وقد كان حظنا في الصيد عاثراً. ونكاد نموت من الجوع. ألا تتكرم عليّ بشيء آخر؟"
أجاب الفأر: "لماذا؟ لقد أعطيتك أكثر مما تستحق لقاء عملك التافه. وعلى كل حال فإن لك أن تأخذ الرأس أيضاً".
وهنا قفز الثعلب فوق الفأر الذي لم يكد يبدأ بالأنين حتى اختفى من الوجود.
إذا كنتَ متكبراً وأنانياً فأنت في النهاية ستخسر كلّ شيء.
(ترجمة منير العكش)

المساهمون