الجامعات الصومالية..مسيرة ربع قرن بين الحروب والخصخصة

الجامعات الصومالية..مسيرة ربع قرن بين الحروب والخصخصة

30 أكتوبر 2014
يلحظ انخفاض الاهتمام باللغة العربية في الجامعات الصومالية(أ.ف.ب)
+ الخط -

كانت المنظومة التعليمية في الصومال من أول القطاعات التي تأثرت مبكرا بانتهاء فعالية مؤسسات الدولة الرسمية، وذلك مع سقوط النظام المركزي عام 1991، حيث إن التعليم كان من ضمن الخدمات الرئيسية الخاضعة للمسؤولية المباشرة للدولة سابقا، وهي الدولة التي لم توافق منذ استيلاء قياداتها على الحكم،عبر ما عرف بالانقلاب الأبيض في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1969، على إشراك القطاع الخاص في التنشئة المجتمعية والمسؤولية التعليمية، وقامت بتأميم كافة المرافق التعليمية الأهلية، وكذلك المؤسسات التابعة للجهات الأجنبية العاملة في البلاد قبل الانقلاب. ولهذا فإن المرافق والمؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها أصبحت هدفا للجبهات المسلحة الساعية إلى إسقاط النظام، باعتبارها رمزا من رموز حكم الدولة. كما تعرضت المكتبة المركزية الوطنية الواقعة وسط العاصمة للحرق بعد سقوط النظام، وهاجر ما يقدر بـ80% من الطبقة المتعلمة إلى الخارج، وبالطبع أدى هذا إلى أن تكون الصومال من ضمن الدول الأكثر ارتفاعا في معدل الأمية على مستوى العالم.

ومنذ ذلك الوقت انتقلت مسؤولية الخدمات الاجتماعية بما في ذلك التعليم من القطاع العام إلى الخاص، واتخذت طابعا أهليا وتجاريا تتنافس فيه القوى المدنية المختلفة، مع غياب الدور الحكومي القادر على فرض السياسات التعليمية الموحدة.


الاقتصاد الجامعي

يوجد اليوم في أنحاء الصومال ما يقرب من خمسين مرفقا تعليميا، ويقع نصف هذ العدد في الجنوب، والبقية موزعة بين 30% في الشمال، و20% في الشرق، كما أن أكثر من خمسين ألف طالب يتوزعون بين مختلف تلك المرافق. وتنقسم تلك المرافق إلى جامعات وكليات ومعاهد عليا، أو إلى مرافق توفر تخصصات محددة مثل الزراعة، وأخرى كبيرة مكونة من عدة كليات مختلفة، وهي كلها مرافق أهلية لا تخضع لا إلى سلطة الحكومة المركزية، ولا إلى السلطة الإقليمية القائمة في مناطقها. باستثناء الجامعة الوطنية، التي هي الآن تحت التأسيس وإعادة تشغيل أقسامها، "جامعة هرجيسا" التابعة للسلطة الإقليمية القائمة في الشمال، وهي مملوكة من قبل شركاء محدودين، وأفراد عائدين من الشتات، وأعضاء من المجتمع المحلي.

ولا يوجد من بينها من يوفر دراسات تخصصية عليا ما بعد الجامعة، سوى ستة منها توفر بالتعاون مع جامعات أخرى تقع خارج البلاد، ويجدر ذكر أن خمسة من أصل المرافق الستة المذكورة تقع في العاصمة، وأن أقل من 2% من إجمالي عدد الطلبة مسجل فقط في الدراسات العليا، وتمّ تأسيس جميع تلك المرافق أثناء فترة اللادولة خلال العقدين الماضيين.

وتعتمد تلك المرافق أساسا على الرسوم الدراسية المدفوعة من الطلبة، رغم تلقي معظمها المساعدات، أو الإعانات، سواء من الجهات الدولية المانحة والمهتمة بالتنمية الدولية، أو من السلطات الإقليمية القائمة في الشرق والشمال، وذلك بنسب متفاوتة.

وتعتبر التخصصات الأكثر وفرة، أو رواجا، نظم الحاسوب والمعلومات، وإدارة الأعمال، والمحاسبة، حيث يجد الخريجون منها وظائف جاهزة في غالب الأحوال، وتقل فيها عموما المواد العلمية، وتحديدا الهندسة والطب، بسب ارتفاع رسومها الدراسية، وارتباط دراساتها بوجود الاستقرار والمختبرات العلمية، كما يوجد نقص حاد في تعلم مادة البحث العلمي، باعتباره شأنا وطنيا أو قوميا، وكذلك انخفاض ملحوظ في الاهتمام باللغة العربية. كما تمارس معظم تلك المرافق عملها الأكاديمي دون توفر مكتبات عامرة تلائم حجم الكليات وحاجات الطلبة.


العلاقة بين سلطات الحكم والمرافق التعليمية

تعتبر السلطات وجود عدد من المرافق الخدمية على الأراضي الخاضعة لها عنصرا من العناصر التي تعطيها الصفة المميزة، حتى وان كانت أهلية وتجارية، الأمر الذي يعني أن المرافق التعليمية المنتشرة في البلاد ليست كيانات منفصلة عن الواقع السياسي، بقدر ما هي جزء من تبريره وتكريسه، وبالذات في المناطق التي يوجد فيها التناغم والتوافق بين القوى المدنية والسياسية مثل أرض الصومال وبونت لاند.

وتفتقر معظم تلك الجامعات لوجود اتحادات، أو نقابات طلابية فاعلة ومؤثرة، رغم وجودها من حيث الشكل في معظم الجامعات، وبالذات في المناطق الأكثر أمنا واستقرارا، والسبب في ذلك يعود إلى الخوف المتزايد من أن تأخذ المنافسات والانتخابات وتشكيل الإدارات طقسا سياسيا يمكن أن يؤثر سلبا في قدرة أداء المؤسسة رسالتها الأكاديمية واستقرار وضعها المتأثر بالمحيط الخارجي سريعا.

ومع ذلك توجد صيغ عديدة للتعاون الطلابي بين الجامعات، سواء على مستوى تبادل الكتب والمعلومات، أو في تبادل خدمات الفرص والوظائف، أو في المشاركة في الأنشطة العامة الجارية في مختلف المدن والمناطق. ويمثل غياب العمل النقابي جزءاً من ظاهرة عامة سائدة في البلاد، تنعدم فيها التجمعات النوعية والنقابات المهنية، حيث إن الصومال من الدول التي لم تظهر فيها بعد بشكل ملحوظ قوة أثر المجتمع المدني على حياة الناس.


علاقة الطلبة مع الفضاء العام في الحرم الجامعي

علاقة الطلبة فيما بينهم داخل الفضاء العام ليست بعيدة عن علاقة الطلبة في خارج الحرم الجامعي، وغالبا ما يسود فيها التعاون والتواصل فيما هو ذات الصلة بجامعهم المشترك، وهو التعليم، سواء من حيث تبادل المعلومات أو الكتب وغيرها، من المجالات المحصورة في نطاق التعليم، وكذلك التعاون في الحالات الإنسانية المتكررة كتعرض بعض من الطلبة للأزمة أو الحالة الصعبة صحيا، أو القيام بمبادرات مناصرة لمناطق معينة تعرضت لكارثة طبيعية، ولكن علاقات التعاضد هذه، لم تصل إلى حد المشاركة في القرار الجامعي الذي يخص تعليمهم وواقعهم.

ومعنى ذلك أن طلبة الجامعات لا يقومون بدور سياسي مؤثر وضاغط على دوائر صنع القرار، وليسوا طرفا رئيسيا في صناعة الحراك الاجتماعي في بلادهم، وهو أمر ذو صلة بالخوف المصاحب للأوضاع الناتجة من انتشار الحروب والعنف والاقتتال الداخلي، والقلق من أن تزيد الاحتجاجات والاضطرابات احتقانا في الأوضاع وتوتيرا في الجو العام غير المتماسك.

المساهمون