الثورة قيمة أخلاقية

الثورة قيمة أخلاقية

17 يناير 2017
+ الخط -
أصبحت الثورة السورية أصبحت اليوم مثل جسد هامد سُرقت منه الروح، إذ أصبحت عرضة لنهش الطيور الكاسرة والوحوش الكونية. كانت لذلك عدّة أسباب واضحة جعلتنا في مكان عاجزين فيه عن الرجوع إلى الوراء، ومن أهم هذه الأسباب:
أولا، الشرخ الواضح في بداية الانتفاضة بين النخب الذين كانوا من بقايا اليسار والليبراليين الجدد والحراك الشعبي والشارع.
ثانيا، دعوات العسكرة التي سعت كثيراً من الدول كما الأفراد إليها، وكان للنظام دور واضح في تحضير مناخ ملائم لهذا السيناريو، لأنه ميدانه الحقيقي، فالعنف ميدان النظام، وسيكون عاجزاً في ميدان الحريات، إذ عمل النظام إلى ذلك، إما عن طريق عنفه المفرط الذي حكماً سيكون له رد فعل عنفي بالضرورة، أو عن طريق تسهيل وصول السلاح إلى أيدي الناس الذي سيؤدي إلى نتيجة حتمية واضحة وهي الدمار.
هناك أمثلة عديدة عن مساوئ العسكرة. ولكن، سأكتفي بالإشارة إلى عقلية العسكر التي لا تريد سوى السلطة، وأكبر مثال ليس بعيداً، هو اقتتال "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" في الغوطة الشرقية في ريف دمشق واقتتال فصائل مدينة حلب المحاصرة أيضاً.
ثالثاً، السعي إلى تطييف الثورة، وتغييب النَفس الوطني الجامع عنها، وأسلمتها بحجة الاستعانة بالشيطان الأصغر للقضاء على الشيطان الأكبر، ما أدى إلى تخوّف بعض الفئات الأقلوية من مصيرها، إضافة إلى تأكيد فكرة النظام على أنّه الخيار الوحيد في مقابل بديل مشوّه ليس له برنامج سياسي واضح، يضمن سلامة جميع مكونات الشعب السوري.
رابعاً، ارتهان شخصيات وهيئات كثيرة إلى الخارج، إمّا لغياب الأفق أو لحاجتهم للدعم، ما جعلهم مثل أحجار الشطرنج يسيرون ويقرّرون، حسب ما يقوله الداعم.
خامساً، احتكار التمثيل لدى هيئات المعارضة، بدءأ من أصغر هيئة مدنية محلية أو فصيل سياسي أو عسكري داخلي، وصولاً إلى المجلس الوطني والإئتلاف الوطني، فكلهم يعتبرون أنفسهم الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، في حين أنها قوى أمر واقع يستمدون شرعيتهم من علاقاتهم. وفي هذه الحالة غير المستقرة، والتي لا يمكن فيها إجراء انتخابات نزيهة وحرّة كانت كثير من الهيئات في حالة تحييد عن العمل بالشأن العام، ما أفقد الشعب الثقة بكل هذه التنظيمات إذ أصبح ينظر لها أنها إعادة توليد للاستبداد بشكل أو بآخر.
سادساً، غياب الرؤية والأهداف والقيادة والمرجعية الواضحة للثورة، جعلت كل من يعارض النظام، إن كان علمانياَ أم اسلامياً، ليبرالياً أم يسارياً، وحتى من لديه مشاكل أمنية أو جنائية قديمة، جعلتهم كلّهم في صف واحد دون وجود كيان هيكلي وتنظيمي يجمعهم تحت أهداف واحدة ولو كان ذلك بشكل براغماتي.
ومن العوامل الخارجية:
أولاً، شمولية هذا النظام ولجوئه إلى الخيار العسكري، وتمسّكه به بعنف هائل أدى ليس فقط إلى قتل معارضيه وانتهاك حقوقهم وتضييق حرياتهم، بل أدى إلى التفريط بسيادة وجغرافية الدولة وتدمير البنى التحتية والاقتصاد وتفتيت المجتمع.
ثانياً، عدم حيادية منظمات الأمم المتحدة، حيث كان منهم من اعتبر الحالة السورية حرباً أهلية، وليست صراعاً سياسياً بين مواطنين يطلبون حقوقهم ونظام استبدادي ينتهك هذه الحقوق، هذا ما جعلهم يقدمون المساعدات لغير مستحقيها.
ثالثاً، وجود دول إقليمية ودولية داعمة للنظام دبلوماسياً واقتصادياً، وحتى عسكرياً، ما أدى إلى منع مجلس الأمن والمجتمع الدولي من إصدار أي قرار ملزم يردع النظام عن استمراره في خياره الغسكري تجاه شعبه.
على الرغم من كل شيء، ليست الثورة حقبة زمنية فحسب، بل إنها قيمة مطلقة في داخل سوريين كثيرين، فلن يقبل من ثار على أعتى نظام استبدادي في الوقت الحالي بأن يأتيه نظام استبدادي آخر، وستُخلق ثورات وثورات جديدة، حتى الوصول إلى حالة من الاستقرار والديمقراطية والحرية والسلام في بلدهم.
6BC2C726-22A9-4173-945A-B07331970E47
6BC2C726-22A9-4173-945A-B07331970E47
عبد الرحمن فتوح (سورية)
عبد الرحمن فتوح (سورية)