الثورة السورية 2013: تراجع وتنافر و"داعش"

الثورة السورية 2013: تراجع وتنافر و"داعش"

16 مارس 2014

دمار في سورية

+ الخط -

يجمع المتابعون لمسار الثورة السوريّة على أن عامها الثالث (2013) كان الأصعب، والأسوأ في مسارها الطويل الذي انطلق منتصف مارس/ آذار 2011. ذلك أن الإنجازات السياسيّة والعسكريّة التي تحققت في النصف الثاني من 2012، والربع الأول ل 2013، وما رافقها من نجاح دبلوماسي، بددتها الخلافات السياسيّة في هيئات المعارضة السياسية والعسكريّة، والتخاذل الدوليّ، وبروز العنصر الجهادي الإسلامي فاعلاً رئيسيّاً في المشهدين السياسي والعسكريّ، إضافة إلى تدخل فاعلين عسكريين خارجيين، كحزب الله والميليشيات العراقيّة، في الصراع إلى جانب النظام السوري، بشكل ساهم في قلب موازين القوى العسكريّة لمصلحته، وتزايد الدعم السياسي والعسكريّ للنظام من حلفائه الإقليميين والدوليين.

يصعب تلمُّس ما لحق بالثورة من ترهل وتراجع في عامها الثالث، إلا باستعراض سريع لأبرز ما تحقق قبل دخولها العام الثالث، ومقارنته بما جرى خلاله. فعلى الصعيد العسكري، نجحت كتائب المعارضة العسكرية، في الربع الأوّل من العام 2013، في تحقيق انتصاراتٍ عسكرية مهمّة، من أَبرزها تحرير مدينة الرقّة في 4 مارس/ آذار 2013، لتكون بذلك أول مركز محافظة، يخرج عن سيطرة النظام. ثم جاء إفشال الحملة العسكريّة على حمص القديمة، والسيطرة على مساحة واسعة من مدينة حلب وريفها، ووصول المعارضة المسلحة إلى تخوم العاصمة دمشق (حي جوبر). سياسياً ودبلوماسياً، أُسّس الإعلان عن "الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الدوحة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، لمرحلةٍ جديدةٍ تختلف عن سابقتها، من ناحية وجود قيادةٍ سياسيّةٍ، تطمح إلى تشكيل بديلٍ سياسيٍّ وديمقراطيٍّ، يتولى إدارة الثورة والمرحلة الانتقاليّة، وتحظى بدعمٍ مشروطٍ من الشارع المؤيد للثورة داخل سورية وهيئاته التنظيمية، وتتمتع بترحيب معظم الفصائل العسكريّة. كما تحظى هذه القيادة باعترافٍ دوليٍّ من جامعة الدول العربيّة ودول مجلس التعاون الخليجيّ وتركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كـ "ممثلٍ شرعيٍّ وحيد للشعب السوريّ".

 تنافر في "الائتلاف"

لم يوظف "الائتلاف الوطني" المعطيات السابقة لتطوير أدائه السياسي وخدمة الثورة، بل جعلها مادة للتجاذب والتنافر السياسي بين هيئاته وشخصياته، الأمر الذي أدى إلى ظهور خلافات عميقة، ساهمت في ترهل العمل السياسي والثوريّ.

طفت هذه الخلافات على السطح، بعد قرار مجلس وزراء الخارجيّة العرب في 6 مارس/آذار 2013، حين اشترط منح مقعد سوريا في جامعة الدول العربية للائتلاف الوطني بتشكيل حكومته المؤقَّتة. أمام هذا التحدي، انقسم الائتلاف إلى فريقين؛ الأول، يقوده الرئيس السابق لـ "الائتلاف"، معاذ الخطيب، وتدعمه شخصياتٌ ليبراليّة ومستقلة. وكان هذا التيار يتحفّظ على فكرة الحكومة المؤقّتة، ويدعو، في المقابل، إِلى إِنشاء "هيئةٍ تنفيذيّةٍ" تحت إشراف القيادة السياسيّة ل "الائتلاف". أما الثاني، فكانت تدعمه كتلة "المجلس الوطني"، وضمنها كتلة "الإخوان المسلمين"، بالتحالف مع الأمين العامّ السابق للائتلاف، مصطفى الصّباغ. وكان هذا الفريق يدعو إلى الإسراع في تشكيل الحكومة المؤقّتة، تنفيذًا لقرار مجلس وزراء الخارجيّة العرب المذكور، من أجل نيلِ مقعد سورية في جامعة الدول العربيّة، وتمثيلها في قمّة الدوحة التي عُقدت في 26 مارس/ آذار 2013. وانتهى الخلاف بغلبة الفريق الثاني في الانتخابات التي جرت في 18 مارس/ آذار 2013. واختير غسان هيتو (القريب من الإخوان المسلمين) لرئاسة الحكومة المؤقتة. إثر ذلك، علّق 12 عضواً في "الائتلاف" عضويتهم، احتجاجاً على ما اعتبروه هيمنة من "الإخوان" ومصطفى الصباغ.

تعمقت الخلافات السابقة عندما قدَّم معاذ الخطيب، في 22 مارس/ آذار 2013، استقالته من "الائتلاف" على صفحته في "فيسبوك"، وبررها بـ "وجود قرار دولي بعدم السماح للشعب السوري بأن يدافع عن نفسه". وجاءت استقالة الخطيب في مرحلة دقيقة، إذ وجهت قطر (الدولة المضيفة) دعوة للخطيب لحضور القمة، ولتسلُّم مقعد سورية في الجامعة. وقد أربكت استقالته الائتلاف وقياداته، ما دفع قطر إلى القيام بوساطة بين فرقاء المعارضة، انتهت بعودة الخطيب عن استقالته، وحضوره مؤتمر القمة 26 مارس/ آذار 2013، حين ألقى كلمة، لاقت رضى غالبية الشارع المؤيد للثورة، وشكلت نافذة أمل لتجاوز الخلافات القائمة والانطلاق إلى مرحلة جديدة.

لكن قيادة الخطيب، والتي يرى بعضهم أنها اتّسمت بالتردد والضعف والمزاجية، بتقديم استقالات متكررة، كان آخرها في اجتماع "مجموعة أصدقاء سورية" في اسطنبول بتاريخ 22 أبريل/ نيسان 2013، والانفراد بتقديم المبادرات، كتلك الداعية للحوار مع النظام في 23 مايو/أيار 2013، وعدم مأسسة الائتلاف، حالت دون ذلك، وبددت الإنجازات الدبلوماسيّة على الأصعدة، العربي والإقليميّ والدولي، بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة ب "الائتلاف" ممثِّلًا للشعب السوري، إثر تصويتها على مشروع قرار قدمته قطر والسعودية في 14 مايو/ أيار 2013، وأيَّدته 107 دول.

بعد استقالة الخطيب، كلف "الائتلاف" جورج صبرا في 22 إبريل/ نيسان 2013 بمهام الرئيس المؤقت للائتلاف، إلى حين انتخاب رئيس جديد له. في ظل الواقع السابق، برزت دعوات إِلى توسيع "الائتلاف" ليضم قوى جديدة، ومأسسته، فعقدت أكثر من 200 شخصية سوريّة معارضة لقاءً تشاورياً في القاهرة في 12 و13 مايو/ أيار 2013، أسفر عن تشكيل "اتحاد الديمقراطيين السوريين". وتشكَّل منه وفْد شرَع في التفاوض مع ممثلي الكتل الرئيسة في الائتلاف، للانضمام إليه.

عكس تشكيل الكتلة الجديدة، وطموحها لدخول الائتلاف وتوسيعه، التنافس الإقليمي على قيادة الائتلاف؛ فالكتلة الوافدة والمدعومة سعودياً، كانت تهدف إِلى الإخلال بالتوازنات القائمة داخل الائتلاف لمصلحتها، بما يؤدي إلى تحجيم دور أطراف عربية وإقليمية، كقطر وتركيا، وهو ما حصل بالفعل. واختتمت الهيئة العامَّة للائتلاف اجتماعاتها بإقرار التوسيع، وإضافة 43 عضواً جديداً؛ 15 من هيئة أركان الجيش الحر، و14 من "الحراك الثوري"، و14 عضواً من قائمة "اتحاد الديمقراطيين" التي يترأسها ميشيل كيلو. وحققت التوسعة نتائجها بالنسبة للسعوديّة، عندما نجح مرشح "اتحاد الديمقراطيين"، أحمد الجربا، في انتخابات رئاسة الائتلاف في 6 يوليو/ تموز 2013، بغالبية 55 صوتا مقابل 52 صوتا لمنافسه مصطفى الصباغ. وأعاد الائتلاف انتخاب سهير الأتاسي وفاروق طيفور لمنصب نائب رئيس الائتلاف، وجرى انتخاب بدر جاموس أَميناً عاماً. وغداة وصول الجربا إلى رئاسة الائتلاف، وتغيُّر التوازنات داخله، أعلن المكلف برئاسة الحكومة المؤقتة، غسان هيتو في 8 يوليو/ تموز 2013، استقالته، بعدما فشل على مدار أربعة أشهر في تشكيل الحكومة.

بروز "داعش"

حصلت التغيرات السابقة داخل الائتلاف، في مرحلة دقيقة على الأصعدة كافة؛ ففي الداخل السوريّ، تغيّرت موازين القوى لصالح النظام بشكل كبير، بعد سيطرته على مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص مطلع يونيو/ حزيران 2013، وإِحكامه الحصار على الغوطتين الشرقية والغربيّة، وحصار حي الخالديّة في حمص القديمة. إقليمياً، مثّل الانقلاب في مصر نقطة تحول كبيرة في التموضعات الجيوسياسية للدول، فشهد العالم اندفاعاً سعوديّاً لترتيب أوضاع الإقليم، وتراجعا للدور القطريّ والتركي، لا سيما بعد الاضطرابات الداخليّة التي واجهت حكومة رجب طيب أردوغان. على الصعيد الدوليّ، حصل تغير كبير في الموقف الأميركي، لجهة الاقتراب من التفسير الروسي لـ"جنيف 1"، خلال الاتفاق الذي جرى بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي، سيرغي لافروف وجون كيري، في موسكو (7 مايو/أيار 2013)، والذي دعا إلى عقد مؤتمر "جنيف 2" لحل الأزمة السوريّة وتشكيل هيئة انتقاليّة، من دون أن تشترط الولايات المتحدة رحيل الرئيس بشار الأسد لبدء المفاوضات، على خلاف موقفها السابق.

لكن، ونتيجة ضغط دول "مجموعة أصدقاء سورية"، وتجاوز النظام مرات عدة، باستخدامه السلاح الكيماوي، "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس الأميركي، بارك أوباما، صعّدت إدارة أوباما من جديد خطابها الدبلوماسي، وإجراءاتها تجاه الأسد. فإثْر عَقْد فريق الأمن القوميّ الأميركيّ سلسلة من الاجتماعات بين 10 و13 يونيو/ حزيران 2013، خرجت إدارة أوباما لتؤكّد أنّ النظام السوريّ استخدم أسلحةً كيماوية ضدّ معارضيه. وقرّر أوباما تغيير موقفه، والتوجّه نحو تقديم أسلحة لمن تصفهم إدارته بأنّهم "قوى معتدلة" في المعارضة السوريّة. لكن هذه الإجراءات، وبحسب الخطاب الأميركي، كانت تهدف إلى تغيير حسابات الأسد، لإقناعه بالتنحي بعد انعقاد "جنيف 2" الذي تأجل أكثر من مرة.

وعلى وقع التغير السابق، واستمرار التقدم العسكريّ للنظام في جبهات عدة، لا سيما مدينة حلب، التأم اجتماع سريع لـ"مجموعة أصدقاء سوريّة" في الدوحة (22 يونيو/ حزيران 2013)، وخرج بمقررات "سرية"، تهدف إلى تغيير المعادلة العسكرية على الأرض، قبل الدخول في "جنيف 2"، لكن هذه المقررات لم تجد تطبيقها الفاعل، بسبب تراخي الموقف الأميركيّ من جديد، وامتناعه عن تقديم أسلحة للمعارضة، بذرائع عدة: البيروقراطية، والخوف من وصولها إلى الجماعات الجهاديّة، كجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش)، والرغبة في عدم استفزاز روسيا... وعلى النهج ذاته، سارت الدول الأوروبية، فرفضت تزويد المعارضة بالسلاح، وعرضت مساعدتها بـ"معدات غير فتاكة". ولم تجد جولات رئيس الائتلاف، أحمد الجربا، في شهر يوليو/ تموز، إلى نيويورك وعدد من العواصم العربية، في تغيير مواقف هذه الدول، لجهة تزويد الثوار بالسلاح، أو رفع الفيتو المفروض على حلفاء الثورة الإقليميين، في ما يتعلق بالسلاح النوعي ومضادات الطائرات.

ساهم بروز الجماعات الجهاديّة، وتصدرها مشهد الثورة العسكريّ في عام 2013، في إحراج المعارضة، وإضعافها عسكرياً في بعض المواقع، وتقديم الذرائع للدول الغربية لاستمرار نهجها بعدم تسليم السلاح للمعارضة. فبعدما أعلن زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، في 9 أبريل/ نيسان 2013 اندماج فصيله و"جبهة النصرة" في جسم واحد، سمّاه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بدأ تنظيمه الاستيلاء على المناطق "المحرّرة" من سلطة النظام بقوّة السلاح. وارتكب جرائم قتل وإعدامات كثيرة، بذرائع عدة.

وفي محاولة لمواجهة "داعش"، وسحب الذرائع من الدول الغربية، قدم "الائتلاف"، في 8 أغسطس/ آب 2013، مقترحاً بتشكيل "جيش وطني" يلتزم توجهات الثورة المدنية، ويكون على صلة بالائتلاف لمواجهة مخاطر التطرف، ويضم 6 آلاف مقاتل في المرحلة الأولى. وللمضي في المقترح، بدأ "الائتلاف" بمشاورات لانتخاب رئيس حكومة جديد خلفًا لهيتو. لكن تطور الأحداث آنذاك، ساهم في تأجيل هذا المقترح.

 مكافأة المجزرة الكيماوية

في 21 أغسطس/ آب 2013، دخل الصراع السوري مرحلة جديدة، بعد مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتَي دمشق، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص. عندها، أعلن أوباما في 1 سبتمبر/ أيلول 2013، عن قراره توجيه ضربة عسكريّة إلى النظام، شرط تصديق الكونغرس على الخطوة. وحاولت الإدارة الأميركية بناء تحالف دولي واسع للدعم العسكري وتأييده، لكن هذا التحالف تلقى ضربة كبيرة، في أعقاب رفض مجلس العموم البريطاني، 29 أغسطس/ آب، المشاركة في أي عمل عسكري ضد نظام الأسد.

لم يمنع ذلك الإدارة الأميركية من الاستمرار بمساعيها في بناء هذا التحالف. وبالفعل، نجحت إدارة أوباما في توفير دعم دولي وإقليمي وعربي، فقد أيد اجتماع وزراء الخارجية العرب (2 سبتمبر/ أيلول 2013) معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيماوي. كما نجحت إدارة أوباما، في قمة العشرين (6 سبتمبر/ أيلول)، في إصدار بيان لـ 12 دولة، طالب برد قوي رادع ضد النظام السوري. وصدر عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في ليتوانيا، (7 سبتمبر/ أيلول)، بيان ختامي، طالب بـ "ردّ قوي رادع ضد النظام السوري". وفي مقابل الحشد الأميركي السياسي والدبلوماسي لخيار الضربة، بدأ أصدقاء النظام السوريّ تقديم مبادرات لمنعها، فجاءت مبادرة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، ذات النقاط الثماني في 4 سبتمبر/ أيلول 2013، وهي تدعو إلى وقفٍ فوري للقتال، وانتظار نتائج تحقيق فريق المراقبين الدوليين في استخدام الكيماوي، وإلزام النظام والمعارضة بموعد محدد لإجراء مفاوضات، وتشكيل حكومة مؤقتة، تُجري انتخابات بإشرافٍ عربي وأممي، يعقبها تداول سلمي على السلطة.

لم تجد مبادرة المالكي صدًى واسعاً على الصعيد الدولي، فجاءت المبادرة الروسية في 9 سبتمبر/ أيلول 2013، لتنصّ على وضع السلاح الكيماوي السوري تحت الإشراف الدولي، وعلى تدميره لاحقاً، بعد انضمام سورية إلى "معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية". وعلى الفور، أعلن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في موسكو، عن "ترحيب القيادة السورية بالمقترح الروسي، حرصاً منها على أمن مواطنيها وبلادها". أعادت المبادرة الروسية خلط الأوراق، بشكل جعلت أوباما يتراجع عن الضربة، ويعطي الأولوية لما اعتبره "الخيار الدبلوماسي". وبالفعل، طلب أوباما في 10 سبتمبر/ أيلول 2013، من الكونغرس تأجيل التصويت على خيار الضربة.

ولإبعاد أي احتمال للضربة، بدأ النظام السوري وحلفاؤه بمجموعة من الخطوات لتفعيل المبادرة الروسية، فسلّم الوثائق اللازمة للأمم المتحدة للانضمام إلى "معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية"، على أن تدخل المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة لسورية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وتوصلت الولايات المتحدة وروسيا، بعد مفاوضات استمرت أسبوعين، إلى مشروع قرار في مجلس الأمن، جرى التصويت عليه (30 سبتمبر/ أيلول 2013)، ونص على خطة لتسليم السلاح الكيماوي السوري، وتدميره، بحلول يونيو/ حزيران 2014، كما تضمن القرار، في البندين 16 و 17، الدعوة إلى عقد مؤتمر "جنيف2"، وتشكيل هيئة حكم انتقالية في سورية كاملة الصلاحيات التنفيذية.

بعد تلاشي احتمال الضربة الأميركية ضد النظام، عاد المشهد السوري إلى حالة الجمود السابقة. لكن، مع تقدم ميداني للنظام، والذي وجد في اتفاق الكيماوي فرصة يجب أن يستغلها لصالحه، قبل انعقاد مؤتمر "جنيف 2". على الجانب الآخر، برزت خلافات جوهريّة في صفوف المعارضة، هدّدت بالإطاحة في "الائتلاف" والمؤسسات التابعة له، كـ "هيئة الأركان" والحكومة المؤقتة الجديدة التي ترأسها أحمد طعمة منذ 15 سبتمبر/ أيلول 2013، إذ أصدر 13 فصيلًا إسلاميًا في 24 سبتمبر/ أيلول 2013 "البيان رقم 1"، والذي سحب الاعتراف من "الائتلاف" والحكومة المؤقتة، ودعا إلى التوحد ضمن "إطار إسلامي يقوم على أساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع".

إلى "جنيف 2"

بدأت أولى لبنات تشكيل الإطار الإسلامي البديل عند الإعلان عن تأسيس الجبهة الإسلامية (22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013)، والتي ضمت سبعة فصائل عسكرية، هي: حركة أحرار الشام، وألوية صقور الشام، وجيش الإسلام، ولواء التوحيد، ولواء الحق، وكتائب أنصار الشام، والجبهة الإسلاميّة. وجاء في البيان التأسيسي أنّ الجبهة "تكوين سياسي عسكري اجتماعي مستقل، يهدف إلى إسقاط النظام وبناء دولة إسلامية راشدة". وأعلن قائد ألوية صقور الشام، أحمد الشيخ، في تصريح لقناة "الجزيرة"، أنّ "الجبهة تسعى إلى أن تكون بديلاً حقيقياً من النظام على الصعد كافة"، لكن تدخل دول إقليمية، مثل قطر وتركيا، ساهم في ثني "الجبهة" عن الإعلان عن الجسم السياسي البديل.

على الصعيد الدولي، استمرت اللقاءات الأميركية ــ الروسية لتحديد موعد لمؤتمر "جنيف 2" برعاية الأمم المتحدة. وافق النظام على حضور المؤتمر، على الرغم من تحفظه على نص الدعوة الرسمية التي وجهتها الأمم المتحدة، وتنص على أن هدف المؤتمر "تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بما فيها الأمن والجيش". أما "الائتلاف"، الذي وجهت له الدعوة فقط، فقد واجه تحديات ومشكلات عدة، قبل أن يتخذ قراره في 19 يناير كانون الثاني 2014 بالمشاركة، بعد اجتماع "مجموعة أصدقاء سوريا" في باريس، والذي خرج بمقررات، أهمها أن "هدف المؤتمر تشكيل هيئة حكم انتقالية، وليس أي هدف آخر"، في إشارة إلى بند "مكافحة الإرهاب"، والذي حاول النظام وحلفاؤه إدراجه في المؤتمر.

على هذا الأساس، انعقدت الجلسة الافتتاحية لـ "جنيف 2" في مدينة مونترو السويسرية في 22 يناير/ كانون الثاني، واستمر المؤتمر حتى 30 يناير/ كانون الثاني، من دون أن تحقق أي نتائج، سوى اختراق على الصعيد الإنساني في حمص القديمة. وعقدت الجلسة الثانية في 8 فبراير/ شباط 2014، واستمرت حتى 15 من الشهر نفسه، ولم تسفر عن أية نتائج تذكر.

ومع تعقُّد فرص الحل السياسيّ، وتفاقم الكارثة الإنسانية لناحية النازحين واللاجئين والمحاصرين، طالبت دول غربية وعربية بفتح ممرات إنسانية، واتهمت روسيا بالمشاركة في تجويع السوريين. ما اضطر الأخيرة إلى مجاراة الغرب، والموافقة على مشروع قرار إنساني في مجلس الأمن (22 فبراير/ شباط 2014)، ينص على ضرورة إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، من دون أن يشير إلى الفصل السابع، أو إمكانية فرض عقوبات على الطرف المعرقل. في 14 مارس/ آذار 2014، قدّم الوسيط الدولي، الأخضر الإبراهيمي، تقريره إلى مجلس الأمن، وحمّل النظام ضمنياً مسؤولية فشل المفاوضات وعدم استئنافها.

هكذا مرّ العام الماضي على سورية الثورة مليئاً بالخيبات، وبالتفريط بالإنجازات التي سبق أن تحققت سياسياً وعسكرياً. وبينما تتوزع المسؤوليات على الأطراف كافة، الداخلية والإقليمية والدولية منها، فإنّ سورية والمنطقة تدخلان عاماً رابعاً من الخراب السوري الكبير، ولسان السوريين يسأل: هل يكون العام الرابع أَسوأَ مما مضى؟

 

 

 

026670C0-1C24-4095-BCE5-FC31C709547D
حمزة المصطفى

كاتب وباحث سوري في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير مجلة سياسات عربية. ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا. صدر له كتاب "المجال العامّ الافتراضي في الثورة السورية: الخصائص، الاتجاهات، آليات صناعة الرأي العامّ".