التقارب السوداني التركي وضجيج الإعلام المصري

التقارب السوداني التركي وضجيج الإعلام المصري

03 يناير 2018
+ الخط -
هل هنالك خطرٌ من التقارب السوداني التركي على جيران السودان؟ ما هي مآلات الشراكات الاقتصادية بين البلدين؟ وأين بُعدها الإيجابي؟ وما حقيقة التخوف من هذه الشراكات الإستراتيجية وسلبياتها على جوار السودان؟ ولماذا تركيا؟

تركيا دولة ناهضة اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً، ولها مواقف قوية وراسخة تجاه قضايا المسلمين المصيرية، وهي مواقف نبيلة أكسبتها تعاطفا إسلاميا كبيرا من شعوب تتطلع إلى المجد والكرامة، ولو كان ذلك الموقف شفاهياً فقط، وإن كان موقفها أكبر من ذلك، لأننا في زمنٍ فقدنا فيه حتى المواقف الشفاهية القوية التي تعبّر عن تطلعات الشعوب.

هل ينبع هذا التخوف من ريادة تركيا ودورها الطليعي الذي برز في تبني قضايا المسلمين، والذود عن مقدساتهم والحفاظ على الآثار الإسلامية وأمجاد المسلمين، كونها تمثل آخر منارات الخلافة الإسلامية؟

لا يخفى على أحد التقارب بين النظامين الحاكمين في تركيا والسودان، فلكليهما إيديولوجيا إسلامية، وإن اختلف التطبيق. انطلاقا من هذا، جاءت الزيارة، وهي الأولى لرئيس تركي منذ استقلال السودان، والتي فسّرها بعضهم بأن تركيا تبحث عن موطئ قدم آمن في إفريقيا وحلفاء جدد، يشكلون مظلة تقي الجميع هجير التهديدات الأميركية بين الفينة والأخرى، في وقت تبرز فيه المنظومة الأميركية مع حلفائها: السعودية، الإمارات، مصر، البحرين. وربما يكون في المقابل الحلف الروسي القطري السوداني التركي السوري. وهذه لعبة المصالح وكل صياد يملأ شبكته.


أثارت زيارة أردوغان السودان غضب كثيرين من جيرانه، خصوصاً مصر، والزيارة اقتصادية في المقام الأول، وتؤسس للتعاون المشترك بين البلدين في شتى المجالات التنموية التي تهم الجانبين، فليس أدل على ذلك من اصطحاب الرئيس أردوغان مائتين من رجال الأعمال الأتراك. لكن مصر تريد أن تحدّد علاقات السودان الخارجية، فهل لها الحق بأن تحدد مسار علاقات السودان بحلفائه؟ أو أن توجه السودان بمسار علاقاته الاستراتيجية مع العالم؟ أليس في ذلك انتهاكاً للأعراف الدولية والمواثيق الدبلوماسية؟

ماذا تريد مصر من السودان؟ تحالفت مصر مع دول كثيرة، حسب مصالحها، فهل كان هذا على حساب السودان؟ هل تذمرنا من التقارب المصري الإسرائيلي؟ هل اعترض السودان على مصر، عندما انضمت للخندق السعودي الإماراتي البحريني في مواجهة قطر؟ فقط على مصر أن تترك السودان في حاله.

لعل أبرز ما أثار حفيظة الإعلام المصري هو ملف ‏‎جزيرة سواكن، المطلة على البحر الأحمر، وهي ميناء السودان القديم، وفيها آثار العثمانيين التي تهاوت مع تقادم الزمن، يتمتع الميناء بأهمية استراتيجية، فهو أقرب موانئ السودان لميناء جدة السعودي، واستخدمها الحجاج الأفارقة قديماً في طريقهم إلى مكة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم 560 كيلومتراً ومساحتها 20 كيلومتراً مربعاً وترتفع عن سطح البحر 66 متراً. إذاً، للمدينة أهميتها التاريخية والإقتصادية والسياحية والتجارية. يا ترى، لماذا كل هذه الضجة الإعلامية؟ هل يخافون على مصير السياحة في مصر؟ لماذا لا يريدون لآثار السودان أن تُعرف وأن تظل مجرد أنقاض؟

ومن محاسن زيارة أردوغان أن عرف العالم هذه الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي والميناء الحيوي والآثار القديمة التي تشهد على التاريخ، فقبل ذلك ما كان العالم، وخصوصاً العرب، ما كانوا يعلمون اسم جزيرة سواكن.

يقول محللون إنّ السعودية والإمارات غاضبتان أيضاً من الرئيس عمر البشير، لأنه لم يخبرهما بنيته تخصيص جزيرة سواكن لتركيا، لترميم آثارها وإعادة إعمارها، فما دخل السعودية والإمارات ومصر بها؟ هل اعترض السودان عندما أهدت السعودية أميركا قواعد عسكرية على أراضيها؟ هل اعترض السودان على إهداء الرئيس عبد الفتاح السيسي جزيرتي تيران وصنافير، للسعودية؟

ظلت أبواب السودان مفتوحة أمام رؤوس الأموال العربية في شتى المجالات، وستظل الأولوية للأشقاء العرب، لكن هذا لا يعني حرمان الآخرين، وليس في الأمر مزايدة، ولا مكايدة، ولا ما يثير هذا الضجيج الصاخب.

أهاجت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نباح بعض أجهزة الإعلام المصرية وانهالت على بلادنا بالشتائم والاستحقار والسب والهراء والكذب وتغييب الحقائق التاريخية، ضاربة بشرف المهنة والرسالة الإعلامية عرض الحائط إذ أن في مقدمة ما يجب أن يتصف به الإعلام هو المصداقية والمهنية والحياد، وإذا فقدت الرسالة الإعلامية هذه الركائز تصبح هدامة ومضللة وغير مسؤولة بل هي معول ينسف القيم المجتمعية وما أقبح الإعلام عندما يكون بوقاً للحُكام يؤوب ويروح معهم أينما توجهوا وأشاروا.

لم أستغرب عندما علمت تأكيد المرصد العربي لحرية الإعلام أن الإعلام المصري يعيش أسوأ أيامه في ظل قهر تام، وتكميم للأفواه، واعتماد إعلام الصوت الواحد، في بيان أصدره، في الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري في مصر، والإطاحة بالحكم المدني المنتخب، يوم 3 يوليو/تموز عام 2013. ودعا المرصد كل المعنيين بحرية الصحافة في العالم لمساندة حرية الصحافة في مصر، والتحرك للإفراج عن الصحافيين السجناء، وإعادة الصحف والقنوات المغلقة، ومنع ملاحقة الصحافيين والمصورين، وتقديم المعتدين للعدالة.

لقد كان الإعلام المصري رائداً ومسؤولاً يحترم قدسية المهنة ويلتزم بميثاق شرفها وكان في مقدمة الركب، وعندما كنا نستمع لإذاعة صوت العرب صادقة الإحساس كان يعرونا الزهو ونستشرف وحدة العرب التي دعا إليها عبد الناصر، وقد خرّجت كليات الإعلام المصرية أميز الكتاب الذين حملوا همَّ القضية لكننا نلاحظ بعين الناقد البصير أن بعض وسائل الإعلام المصري في عهد السيسي انساقت وراء المصالح وباعت القضية وأصبح همها الشاغل تجميل الصورة الكالحة لنظام السيسي ووضع مساحيق لاتتناسب مع بشرة النظام الانقلابية التي مهما وضعنا من مستحضرات التجميل لن تزداد إلا تقرحاً وتشوهاً وقباحة.

لن ينسى التاريخ أن إعلام السيسي كدر العلاقات بين شعبَي وادي النيل وشَوَّه صورة السودان وشعبه ونكَّل بهم واحتقرهم ورمى بتاريخهم عرض الحائط وهاجم الاكتشافات الأثرية العظيمة التي تؤكد قِدم حضارة السودان وجذورها الضاربة في عمق التاريخ فما كان منه إلا التهكم والسخرية المصطنعة وتبخيس الحقائق، ولم يتعلموا الدرس عندما لزمت أجهزة الإعلام السودانية الصمت على مضض عندما علمت أن خير الإجابة السكوت.

لا أدري لمِ أصيبت بعض وسائل اعلام السيسي بالمراهقة الإعلامية والطيش والتخبط وإثارة الأحقاد والكراهية ونشر أفكار لن تقنع حتى أجيال الإعدادية. فنراها ترغي وتزبد وتستميت كلما ذُكر سد النهضة أو رأت تقارباً في وجهات النظر بين السودان وجارته أثيوبيا.

كان الأجدر بهذه الأجهزة الإعلامية أن تحترم احتضان مصر لجامعة الدول العربية التي كلنا يعلم رمزيتها ونستبشر ببوارق الأمل التي تبرق في سماها ونُكذب القائل بأنه برق خُلب. ولم هو عظيم على النفس أن ترى سقوط من يستطيع النهوض لكنه آثر الحضيض على قنن الجبال، ومن يهن يهن الهوان عليه.
AEA08E97-B0B3-4CAB-92EE-F9E6560E9C3E
مصعب محجوب الماجدي

أتفيأ ظلالها وأتنسّم عبيقها وتشجيني صوادحها فيسيل غيداقها عند صرير القلم فتحيل الوجود رياضا غناء.

مدونات أخرى