التدخّل الأميركي في ليبيا: العراق وأفغانستان في الخلفية

التدخّل الأميركي في ليبيا: العراق وأفغانستان في الخلفية

30 يونيو 2014
هل تدفع واشنطن أثماناً باهظة في ليبيا؟ (محمد الشيخي/الأناضول/Getty)
+ الخط -

تتصدّر ليبيا واجهة الأحداث العربية، على الرغم من ضوضاء المعارك التي يعيشها العراق، ومن هذا المنطلق نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية تحليلاً للوضع الليبي، وحقيقة ما يجري في البلاد.

وأوضحت الصحيفة أنه "بعد مرور ثلاث سنوات على الإطاحة بالزعيم، معمّر القذافي، وفرحة الليبيين بالحرية لعدم وقوع مجازر من قبل مؤيديه، جعل الإدارة الأميركية تتفاخر بأن ما فعلته في ليبيا، يمكن وصفه بالتدخل النموذجي"، إلا أن الحقيقة كانت مغايرة، بحسب الصحيفة.

فذكرت أن "ليبيا تحوّلت خلال هذه السنوات الى مكان يعيث فيه الخارجون عن القانون فساداً، ويتم الاتجار بالأسلحة والمخدرات بكل حرية، كما أصبحت البلاد مركزاً لتهديد استقرار دول الجوار".

وأشارت إلى أن "أوباما الذي ينوي القيام بتدخل عسكري محدود في العراق، عليه الاعتبار من التجربة الليبية كدرس لتجنّب الأضرار غير المقصودة، التي تنتج عادة، حين تقوم الدول الكبرى بمشاركة محدودة في نزاع، لا يمكن التنبؤ بعواقبه".


وعلّق المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في مركز "دراسات التقدم الأميركي"، بريان كاتوليس، على ذلك قائلاً "إذا كان العراق وأفغانستان مَثَلين على الإسراف والتجاوز، فإن ليبيا هي الحالة المعاكسة، إذ تم القيام بالقليل جداً، ونتج عنه نتائج هائلة غير مقبولة، والخلاصة أن عدم التنبؤ بالمخاطر يمكن أن يكون مكلفاً جداً".

وعلى الرغم من نجاح الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، في جهودهم العسكرية، إلا أنهم فشلوا في تحقيق الهدف الأساسي، وهو وضع ليبيا على طريق الديمقراطية والاستقرار.

ويعود السبب في ذلك إلى أن الولايات المتحدة كانت منهكة جداً بعد عقد من الحروب الفاشلة في العراق، ولأن ليبيا في ذلك الوقت، لم تكن تشكل تهديداً لأمن القوى الغربية. في الواقع، لم تكن الجهود المبذولة لمساعدة الحكومة الليبية الجديدة، للسيطرة على البلاد، كافية، بل ساعدت على أن تتحول ليبيا إلى تهديد أمني، أعلى بكثير مما كانت عليه قبل التدخل العسكري. فقد أصبحت ليبيا ملاذاً آمناً للمقاتلين في منطقة شمال أفريقيا، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في مايو/أيار الماضي، خصوصاً أن هجوم العام 2012 ضد المجمع الدبلوماسي الأميركي في بنغازي، والذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين، بمن فيهم السفير ج. كريستوفر ستيفنز، مازال ماثلاً في الأذهان.

وأظهر تقرير قدمه خبراء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في شباط/فبراير الماضي، أن "الأسلحة المهرّبة من ليبيا، تؤجج الصراع، وتساعد على انعدام الأمن وانتشار الإرهاب في قارات عدة". وكشف التقرير أنه "تم استخدام أسلحة مهربة من ليبيا من قبل المتمردين في مالي، والإرهابيين المنتمين لبوكو حرام في نيجيريا، والفلسطينيين في قطاع غزة".
بينما ذكر تقرير آخر صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، أن "ليبيا مجتمع يوشك على الانهيار، كونه يعاني من ارتفاع معدلات الجريمة والإرهاب، ومن ازدياد القتال بين الفصائل، فضلاً عن فشل الحكومة الذريع في إدارة البلاد وتوافر الأسلحة المضادة للطائرات بيد العامة، مما يرفع من احتمالات إسقاط الطائرات المدنية".

ولخّص نائب مستشار الأمن القومي، بن رودس، الوضع كالآتي "تم إنقاذ الكثير من الأرواح وتمت الإطاحة بالقذافي، ولكن يتبقّى وضع استراتيجيات طويلة الأمد، من أجل بناء تحالفات سياسية وتدريب القوات، ولا يعني تدخلنا العسكري قمّة الأمل، بل يمثل بداية جديدة".

واعتبر الذين كانوا ضد التدخل العسكري، أن "المشاكل الليبية كانت متوقعة"، ولفت السيناتور الجمهوري السابق، ريتشارد لوغار، الذي عارض الحملة العسكرية أثناء خدمته عضواً في "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ"، إلى أنه "لم يتم التفكير ملياً في كيفية حفاظ الشعب الليبي على الأمن والحرية التي تريد الولايات المتحدة توفيرها له".

علماً أن أوباما كان متردداً في البداية، وكذلك وزير الدفاع الأميركي السابق، روبرت جيتس، إلا أن وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، هي من شجعته. ومع ذلك، أصرّ أوباما على أن القوات الأميركية ستقوم فقط بشن الغارات الجوية، قبل أن يترك القيادة لبريطانيا وفرنسا. استغرقت العمليات العسكرية سبعة أشهر وحين انتهت، أعلن أوباما أن "حلف شمال الأطلسي يُعدّ التحالف العسكري الأكثر فعالية على مدار التاريخ".

بعد العمليات، قرّر الأطلسي ألا يترك قوة عسكرية لتحقيق الاستقرار، بل بدلاً من ذلك تمركزت قوة صغيرة من قوات الأمم المتحدة لتنسيق الجهود الدولية.

ثم عادت الحكومة الليبية الضعيفة، وقاومت الضغوط الغربية لإغلاق حدودها، وإنشاء جيش قوي. لا بل أوكلت المهمة لعدد من الميليشيات، ولم تستمع إلى نصائح الدول الغربية، لاستعادة المرافق الاقتصادية النفطية، ما أدّى إلى انخفاض إنتاج النفط بنسبة 80 في المائة، كما رفضت الحكومة التنازل عن ترسانة القذافي الهائلة من الأسلحة، والتي تشير التقديرات إلى أنها تزن نحو مليون طنٍّ من الأسلحة الآلية والأسلحة الصغيرة، والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ والأسلحة المضادة للطائرات المحمولة.

ومع مرور الوقت، انهارت المؤسسات، واحتدم الصراع بين 125 جماعة مسلّحة، الأمر الذي لم تتوقعه الولايات المتحدة، فازدادت أعمال العنف، بما في ذلك عمليات الاختطاف والهجمات على المسؤولين الحكوميين.

دفع العنف كبيرة دبلوماسيي الشرق الأوسط، آن باترسون، إلى التصريح أمام الكونجرس، يوم الأربعاء الماضي، "لقد فوجئنا بالغياب الكامل للمؤسسات الحكومية".

يُذكر أنه بعد هجوم بنغازي، منعت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى موظفيها من الذهاب إلى ليبيا، وكانت الأولوية القصوى للإدارة الأميركية، تتلخّص في تطبيق خطة تدوم ثمانية أعوام، لتدريب قوة يصل عديدها إلى ثمانية آلاف جندي. ولم يتمّ البدء بالخطة بعد مرور عام واحد على إقرارها، لخطورة الوضع الأمني في ليبيا من جهة، ولعجز الحكومة في تدبير الأموال اللازمة من جهة أخرى. علماً أن كل التقارير تشير إلى أنه "في حال عدم تحسن الأوضاع في ليبيا، فقد يضطر حلف شمال الأطلسي، إلى شن هجمات جديدة".