التأويل والغيب

التأويل والغيب

23 يوليو 2018
+ الخط -
النص القرآني، بشموله وانتظام آياته، بين آيات محكمة واضحة الدلالة والقطع الثبوتي، كما في آيات التشريع ووصف الكون وما منحه الله للإنسان من سمع وبصر وعقل، وبين آيات ذات أسلوب أدبى تصويري ومجازي، خصوصا الذي يصف لنا الغيبيات التي لم نشهدها بعد، وهي تخرج عن نطاق خبراتنا ومدركاتنا الحسية.
الآيات المتشابهة يخاطب الله بها البشر، اعتماداً على الأسلوب المجازي، ليقرّب الصورة إلى عقل الإنسان محدود الإدراك. إذاً، تقع المتشابهات كلها في دلالة الإدراك (العقلي والطبيعي والوضعي) على الرغم من استحالة أن يخضعها العقل البشرى للبحث والتجريب، بمعنى أولي هو الغيب الثبوتي الذي لم ندركه الآن، وقد يمكن إدراكه، ويكون بعلم من الله. ومع ذلك، أعطانا الله منحةً لإعمال العقل فيه بالتفكير والتخيّل القائم على الربط بين الحقائق الظاهرة والحقيقة الغائبة، إلى أن يأتي ميعاد ثبوته، ليكون ملموساً وواقعياً، أي السعي إلى ربط التأويل بالمتشابه بالمجاز ليخفف واقعة الإدراك الوقتي. وهناك آيات كثيرة في النص توضح ذلك، فالحياة البشرية مرتبطةٌ ارتباطا كليا بمواقيت التأويل الكوني الذي لا يعلمه إلا الله، ويمنح إدراكه لمن يريد.
وبمجرد الانتهاء من تثبيت كل التأويلات، تنتهي الحياة البشرية، كما في قوله تعالى "الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها". هذا هو التأويل الذي منحه الله للراسخين في العلم من عباده، ليأتي ما هو أعمق منه، وأخص الله به ذاته الكاملة، ومن اصطفى من الرسل، بل ومن ارتضى منهم فقط، وليس الراسخون من البشر، ونعني الغيبيات الإلهية.
هناك أيضا مسألة الجدل، فالأخير مدخله الشك، وهو سبب الزيغ الذي حذر الله منه، وبديله الراسخون وهم الباحثون كلهم، معنى البحث الديني والعلمي وغيره، أي هو علاج الزيغ والآية واضحة في لفظ "فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ"، والمقصود بالاتباع هنا فهمهم حسب مدخلات الشك، وليس القائم عن بحث أو تثبيت.
النص القرآني دائماً وأبداً، جاء بالتجديد والحداثة، وخير تأكيد قوله "الراسخون في العلم"، أي المنهج العلمي وإعمال العقل، وهذا ما يجب الانشغال به، لا الانشغال بهل القرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ وهل أنزل دفعةً واحدةً أم على مراحل؟
أخيرا نقول: هل دعا الله إلى ذلك الفكر الجدلي؟ وما الفائدة من أن نعرف أن النص أنزل دفعة أم على مراحل حتى؟ وحتى لو عرفنا أن الله الخالق له يد مثل أيادينا، فهل ذلك سيزيد الإيمان أو يقلله، طالما نعبد الله على أي هيئة أو شكل أوتشكيل، هل هؤلاء هم الراسخون في العلم؟
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)