رغم غياب أي حديث عن الديموغرافيا في صفقة القرن في صفحاتها الـ181 بفقرة أو بند مستقل، أو تحت عنوان واضح، إلا أن البُعد الديموغرافي شكل عاملاً مركزياً في الصفقة، فحضر بقوة بين العناوين والتفاصيل والفقرات، ويكاد يكون المشترك العام بين عناصر الصفقة ومكوناتها من ناحية تحقيق غاية كبرى، وتجسيد مبدأ أساسي، سواء أكان الحديث عن اللاجئين أم القدس أم الحدود أم الدولة، وهو حشر الفلسطينيين في أضيق مساحة جغرافية ممكنة في معازل وكانتونات محاطة بالجدران والأسلاك الشائكة والبوابات الحديدية، وضمّ مناطق إلى إسرائيل بأقل عدد من الفلسطينيين.
والهاجس الديموغرافي بالنسبة إلى إسرائيل، الذي عُبِّر عنه بين ثنايا صفقة القرن، كان حاضراً بقوة في جميع رؤى الحل والإجراءات الاستيطانية والتهويدية منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948. فالمشروع الصهيوني، منذ نشأته، يفترض جمع شتات اليهود (على أساس ديني) واستيطانهم في أراضٍ خالية من السكان، ومَن وُجد على هذه الأرض يجب إبادته أو نفيه أو تهجيره، وفي أفضل الأحوال حشره في مناطق محددة، بما يشبه المعتقلات والمعازل، على طريقة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مع ضغط متواصل على أمل الهجرة طواعية. وما ورد في صفقة القرن في ما يتعلق بالمسألة الديموغرافية، هو ترجمة عملية لحقائق على الأرض، أُسِّس لها بعد عام 1967 واحتلال الضفة الغربية والقدس. فجدار الفصل العنصري، وتوزيع المستوطنات والمناطق العسكرية، وإعلان المحميات الطبيعية التي يحظر فيها على الفلسطينيين البناء أو الانتفاع، وبناء الجدران والطرق الالتفافية، كلها إجراءات خُطط لها بعناية لمواجهة الهاجس الديموغرافي.
وبالعودة إلى صفقة القرن والمخططات الديموغرافية بين ثناياها، فإن المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية المزمع ضمها إلى "السيادة الاسرائيلية"، والتعديلات المقترحة على الحدود التي خُطَّت في اتفاق رودس عام 1949، وحدود ما بعد الرابع من حزيران عام 1967، وتأكيد حدود الجدار وتغيير الواقع القانوني والسياسي للفلسطينيين القاطنين خلف الجدار، ستخدم هدف تجميع 97% من فلسطينيي الضفة الغربية "إلى الاراضي الفلسطينية المجاورة"، كما ورد في الصفقة حرفياً، بينما 3%، وهم الفلسطينيون الباقون "في جيوب فلسطينية داخل إسرائيل" سيبقون مواطنين فلسطينيين، بينما 87% من المناطق الاستيطانية في الضفة ستُضَمّ "إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة". ولكن ما هي الإجراءات المنصوص عليها في الصفقة، التي ستعبّد الطريق لتحقيق هذا الهدف:
وتقترح الصفقة تعديل حدود عام 1967 المتاخمة لشمال غرب الضفة الغربية لضمّ منطقة المثلث إلى مناطق السلطة، التي يقطنها نحو 300 ألف فلسطيني، وتبلغ مساحتها 170 كم2، وتشمل بلدات وقرى أم الفحم، وكفر قاسم، وكفر برا، والطيرة، والطيبة، وعرعرة، وجلجولية، وباقة الغربية، وقلنسوة، وهي مناطق كان من المُفترض أن تُضمّ إلى الأردن في مفاوضات فكّ الاشتباك عام 1949، غير أن إسرائيل بادلتها بمدينة الخليل، واستثنت من ذلك قريتي زيمر وجت لجغرافيتهما المرتفعة، ولموقعهما الاستراتيجي المطل على الساحل من الجهة الغربية وعلى الضفة من الجهة الشرقية. فكرة الضم هذه طرحها أفيغدور ليبرمان عام 2004، وروّج لها للتخلص من كتلة ديموغرافية فلسطينية "مثيرة للمشاكل ومشكوك في انتمائها" حسب تعبيره، ومثلت عنصراً أساسياً في الإخلال بالتوازن الديموغرافي، إلى أن جاءت لحظة إعداد صفقة القرن ليُدرَج الضم فيها.
وكما هو متوقع، فإن الصفقة تقترح إخراج المناطق الفلسطينية الواقعة شرق الجدار في مدينة القدس المحتلة، الذي خُطط وشُيد على أساس ديموغرافي بحت، وضمها إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وتشمل هذه المناطق التي يقطنها ما بين 120 و140 ألف فلسطيني، كتلة مخيم شعفاط، وضاحية السلام، ورأس خميس، وأجزاءً من مخيم عناتا، وكتلة سميراميس، ومخيم قلنديا، وكفر عقب، وقرية قلنديا القريبة من مدينة رام الله، وهذا ما سيحوّل الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى أقلية، حيث سيتراجع عدد الفلسطينيين إلى ما بين 145 – 165 ألف (عدد الفلسطينيين الكلي نحو 285 ألفاً نهاية عام 2019)، بما يمثل نحو نصف الفلسطينيين في القدس الشرقية، بينما عدد المستوطنين (2019) نحو 228 ألفاً يقطنون في مستوطنات القدس، وهذا لا يعني استقرار حال الفلسطينيين الـ 145 – 165 ألفاً، لأنهم مخيَّرون بين الحصول على الجواز الفلسطيني، أو الجنسية الإسرائيلية، أو البقاء على الإقامة الدائمة "إقامة لمواطنين أردنيين في أرض إسرائيل"، والخيار الأول يعني الانتقال إلى مناطق السلطة والتهجير بمحض الإرادة، وبالتالي تسهيل المهمة على الإسرائيليين لتفريغ مدينة القدس، وهو ما لا يقبله أي فلسطيني. أما الحصول على الجنسية الإسرائيلية، فهو أولاً مرفوض وطنياً، ولا يوجد من الفلسطينيين من يهرول لنيل هذه الجنسية، ومن يرغب في ذلك، فأمامه قائمة طويلة من المتطلبات والشروط المعقدة لا تنطبق إلا على أقل القليل، ومنها إتقان اللغة العبرية، وتجاوز "الفحص الأمني"، و"إثبات الولاء". ويبقى الخيار الثالث الأكثر منطقية، وهو الاستمرار بوضعية الإقامة الدائمة، وهو ما يعني بقاءهم تحت طائلة الإجراءات الإسرائيلية الممنهجة، لدفعهم إلى التهجير قسراً، من الضرائب الباهظة، ورفض تصاريح البناء، والتعرض للاعتقال، وسحب هوية من يغادر للسكن خارج حدود القدس، وهو ما يعني تقليص عدد الفلسطينيين تدريجاً مع مرور الوقت.
وحسب المخطط والخريطة التي أُعلنَت في صفقة القرن، ستُضَم الغالبية العظمى من مستوطنات الضفة الغربية، التي تشكل 87% من مساحة المستوطنات، بالإضافة إلى غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى إسرائيل والطرق الالتفافية الملحقة بالمستوطنات، والمناطق العسكرية، والمساحة ما بين الجدار وخطوط الرابع من حزيران، أي ما يمثل نحو 40% من مساحة الضفة الغربية. وهذا ما سيؤدي إلى زجّ الفلسطينيين وحشرهم في كتل سكانية مكتظة محاطة بالمستوطنات والأسلاك والجدران، للتحول إلى سجون كبيرة تحدّ من الامتداد الديموغرافي الفلسطيني الطبيعي المستقبلي. وعلى النقيض من المستوطنات المترابطة جغرافياً، فإن المناطق الفلسطينية مقسَّمة إلى أربع كتل سكانية: الشمالية، وتضم مدن نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية، والوسطى، وتضم مدينة رام الله والبيرة وما حولها من قرى وبعض مخيمات مدينة القدس وقراها، والشرقية، وتمثلها مدينة أريحا، والجنوبية، وتشمل مدن بيت لحم والخليل. وحتى هذه الأقسام فإنها مجزّأة إلى كانتونات ومعازل يفصلها عن بعضها إما الجدار الفاصل أو امتدادات المستوطنات أو الطرق الالتفافية، لتتحول المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أرخبيل من الجزر في بحر المستوطنات والمستوطنين. وحسب مخطط الصفقة، فإن 97% من الفلسطينيين سيُحشَرون في هذه الكانتونات، أي نحو 2.9 مليون فلسطيني. أما البقية، ويقدَّر عددهم بنحو 100 ألف فلسطيني، وهم القاطنون في جيوب "إسرائيلية" معزولة ما بين الجدار العازل والخط الأخضر، أو المستوطنات والطرق الالتفافية، فسيبقون مواطنين تابعين للسلطة الفلسطينية، لكن عبورهم الحواجز ودخولهم مناطق السلطة يتطلبان تصاريح خاصة من الإدارة العسكرية في الضفة الغربية.
وتحرص الخطة على التواصل الجغرافي ما بين المستوطنات مع بعض الجسور والأنفاق، ولكن على العكس من ذلك، فإن المناطق الفلسطينية سيرتبط بعضها مع بعض "مواصلاتياً" بشبكة من الجسور، والطرق البرية، والأنفاق، مع ضمانة سيطرة الاحتلال على مفاصل هذه الشبكة. وبالمجمل، فإن هذه الكانتونات التي تشبه السجون ولا شبيه لها في العالم، ستصعّب الامتداد الديموغرافي الطبيعي المستقبلي، وستعقد حياة الفلسطينيين اليومية مع سيطرة إسرائيل على الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة والمياه، والأجواء، والحركة، ما يوفر البيئة الضاغطة والطاردة للفلسطينيين على المدى البعيد.
وتطرح الصفقة مقاربة غريبة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بحيث تستحيل معها عودة على الأقل جزء منهم إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها عام 1948، على أساس أن جوهر الصفقة يدور حول تقليص عدد الفلسطينيين وحشرهم في أضيق مساحة جغرافية ممكنة، والإبقاء على الميزان الديموغرافي الاستراتيجي بين النهر والبحر لمصلحة "اليهود". لذلك، تطرح الصفقة مسألة "اللاجئين اليهود" في تزوير وتدليس واضح هدفه تمييع قضية اللاجئين الفلسطينيين وسلب حقهم في العودة، بالتمهيد لمقايضة متبادلة أساسها حل قضية اللاجئين اليهود "الذين طُردوا من الدول العربية"، مقابل اللاجئين الفلسطينيين، ووضعت الصفقة اشتراطات طويلة وشائكة لعودة عدد من اللاجئين، منها عودتهم فقط إلى الدولة الفلسطينية المُفترضة، بمعدل 5 آلاف كل عام، وعلى مدى عشر سنوات، أي بسقف لا يتجاوز 50 ألف لاجئ. أما لاجئو الأردن ولبنان وسورية، فلن يعودوا إلى فلسطين، وستعمل لجنة إسرائيلية فلسطينية على دراسة كيفية حل هذه القضية، وعلى الأغلب التوطين، على أن يُنهى عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ويُلغى مسمى "لاجئين".
والهاجس الديموغرافي بالنسبة إلى إسرائيل، الذي عُبِّر عنه بين ثنايا صفقة القرن، كان حاضراً بقوة في جميع رؤى الحل والإجراءات الاستيطانية والتهويدية منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948. فالمشروع الصهيوني، منذ نشأته، يفترض جمع شتات اليهود (على أساس ديني) واستيطانهم في أراضٍ خالية من السكان، ومَن وُجد على هذه الأرض يجب إبادته أو نفيه أو تهجيره، وفي أفضل الأحوال حشره في مناطق محددة، بما يشبه المعتقلات والمعازل، على طريقة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، مع ضغط متواصل على أمل الهجرة طواعية. وما ورد في صفقة القرن في ما يتعلق بالمسألة الديموغرافية، هو ترجمة عملية لحقائق على الأرض، أُسِّس لها بعد عام 1967 واحتلال الضفة الغربية والقدس. فجدار الفصل العنصري، وتوزيع المستوطنات والمناطق العسكرية، وإعلان المحميات الطبيعية التي يحظر فيها على الفلسطينيين البناء أو الانتفاع، وبناء الجدران والطرق الالتفافية، كلها إجراءات خُطط لها بعناية لمواجهة الهاجس الديموغرافي.
وبالعودة إلى صفقة القرن والمخططات الديموغرافية بين ثناياها، فإن المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية المزمع ضمها إلى "السيادة الاسرائيلية"، والتعديلات المقترحة على الحدود التي خُطَّت في اتفاق رودس عام 1949، وحدود ما بعد الرابع من حزيران عام 1967، وتأكيد حدود الجدار وتغيير الواقع القانوني والسياسي للفلسطينيين القاطنين خلف الجدار، ستخدم هدف تجميع 97% من فلسطينيي الضفة الغربية "إلى الاراضي الفلسطينية المجاورة"، كما ورد في الصفقة حرفياً، بينما 3%، وهم الفلسطينيون الباقون "في جيوب فلسطينية داخل إسرائيل" سيبقون مواطنين فلسطينيين، بينما 87% من المناطق الاستيطانية في الضفة ستُضَمّ "إلى الأراضي الإسرائيلية المجاورة". ولكن ما هي الإجراءات المنصوص عليها في الصفقة، التي ستعبّد الطريق لتحقيق هذا الهدف:
وتقترح الصفقة تعديل حدود عام 1967 المتاخمة لشمال غرب الضفة الغربية لضمّ منطقة المثلث إلى مناطق السلطة، التي يقطنها نحو 300 ألف فلسطيني، وتبلغ مساحتها 170 كم2، وتشمل بلدات وقرى أم الفحم، وكفر قاسم، وكفر برا، والطيرة، والطيبة، وعرعرة، وجلجولية، وباقة الغربية، وقلنسوة، وهي مناطق كان من المُفترض أن تُضمّ إلى الأردن في مفاوضات فكّ الاشتباك عام 1949، غير أن إسرائيل بادلتها بمدينة الخليل، واستثنت من ذلك قريتي زيمر وجت لجغرافيتهما المرتفعة، ولموقعهما الاستراتيجي المطل على الساحل من الجهة الغربية وعلى الضفة من الجهة الشرقية. فكرة الضم هذه طرحها أفيغدور ليبرمان عام 2004، وروّج لها للتخلص من كتلة ديموغرافية فلسطينية "مثيرة للمشاكل ومشكوك في انتمائها" حسب تعبيره، ومثلت عنصراً أساسياً في الإخلال بالتوازن الديموغرافي، إلى أن جاءت لحظة إعداد صفقة القرن ليُدرَج الضم فيها.
وكما هو متوقع، فإن الصفقة تقترح إخراج المناطق الفلسطينية الواقعة شرق الجدار في مدينة القدس المحتلة، الذي خُطط وشُيد على أساس ديموغرافي بحت، وضمها إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وتشمل هذه المناطق التي يقطنها ما بين 120 و140 ألف فلسطيني، كتلة مخيم شعفاط، وضاحية السلام، ورأس خميس، وأجزاءً من مخيم عناتا، وكتلة سميراميس، ومخيم قلنديا، وكفر عقب، وقرية قلنديا القريبة من مدينة رام الله، وهذا ما سيحوّل الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى أقلية، حيث سيتراجع عدد الفلسطينيين إلى ما بين 145 – 165 ألف (عدد الفلسطينيين الكلي نحو 285 ألفاً نهاية عام 2019)، بما يمثل نحو نصف الفلسطينيين في القدس الشرقية، بينما عدد المستوطنين (2019) نحو 228 ألفاً يقطنون في مستوطنات القدس، وهذا لا يعني استقرار حال الفلسطينيين الـ 145 – 165 ألفاً، لأنهم مخيَّرون بين الحصول على الجواز الفلسطيني، أو الجنسية الإسرائيلية، أو البقاء على الإقامة الدائمة "إقامة لمواطنين أردنيين في أرض إسرائيل"، والخيار الأول يعني الانتقال إلى مناطق السلطة والتهجير بمحض الإرادة، وبالتالي تسهيل المهمة على الإسرائيليين لتفريغ مدينة القدس، وهو ما لا يقبله أي فلسطيني. أما الحصول على الجنسية الإسرائيلية، فهو أولاً مرفوض وطنياً، ولا يوجد من الفلسطينيين من يهرول لنيل هذه الجنسية، ومن يرغب في ذلك، فأمامه قائمة طويلة من المتطلبات والشروط المعقدة لا تنطبق إلا على أقل القليل، ومنها إتقان اللغة العبرية، وتجاوز "الفحص الأمني"، و"إثبات الولاء". ويبقى الخيار الثالث الأكثر منطقية، وهو الاستمرار بوضعية الإقامة الدائمة، وهو ما يعني بقاءهم تحت طائلة الإجراءات الإسرائيلية الممنهجة، لدفعهم إلى التهجير قسراً، من الضرائب الباهظة، ورفض تصاريح البناء، والتعرض للاعتقال، وسحب هوية من يغادر للسكن خارج حدود القدس، وهو ما يعني تقليص عدد الفلسطينيين تدريجاً مع مرور الوقت.
وحسب المخطط والخريطة التي أُعلنَت في صفقة القرن، ستُضَم الغالبية العظمى من مستوطنات الضفة الغربية، التي تشكل 87% من مساحة المستوطنات، بالإضافة إلى غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى إسرائيل والطرق الالتفافية الملحقة بالمستوطنات، والمناطق العسكرية، والمساحة ما بين الجدار وخطوط الرابع من حزيران، أي ما يمثل نحو 40% من مساحة الضفة الغربية. وهذا ما سيؤدي إلى زجّ الفلسطينيين وحشرهم في كتل سكانية مكتظة محاطة بالمستوطنات والأسلاك والجدران، للتحول إلى سجون كبيرة تحدّ من الامتداد الديموغرافي الفلسطيني الطبيعي المستقبلي. وعلى النقيض من المستوطنات المترابطة جغرافياً، فإن المناطق الفلسطينية مقسَّمة إلى أربع كتل سكانية: الشمالية، وتضم مدن نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية، والوسطى، وتضم مدينة رام الله والبيرة وما حولها من قرى وبعض مخيمات مدينة القدس وقراها، والشرقية، وتمثلها مدينة أريحا، والجنوبية، وتشمل مدن بيت لحم والخليل. وحتى هذه الأقسام فإنها مجزّأة إلى كانتونات ومعازل يفصلها عن بعضها إما الجدار الفاصل أو امتدادات المستوطنات أو الطرق الالتفافية، لتتحول المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أرخبيل من الجزر في بحر المستوطنات والمستوطنين. وحسب مخطط الصفقة، فإن 97% من الفلسطينيين سيُحشَرون في هذه الكانتونات، أي نحو 2.9 مليون فلسطيني. أما البقية، ويقدَّر عددهم بنحو 100 ألف فلسطيني، وهم القاطنون في جيوب "إسرائيلية" معزولة ما بين الجدار العازل والخط الأخضر، أو المستوطنات والطرق الالتفافية، فسيبقون مواطنين تابعين للسلطة الفلسطينية، لكن عبورهم الحواجز ودخولهم مناطق السلطة يتطلبان تصاريح خاصة من الإدارة العسكرية في الضفة الغربية.
وتحرص الخطة على التواصل الجغرافي ما بين المستوطنات مع بعض الجسور والأنفاق، ولكن على العكس من ذلك، فإن المناطق الفلسطينية سيرتبط بعضها مع بعض "مواصلاتياً" بشبكة من الجسور، والطرق البرية، والأنفاق، مع ضمانة سيطرة الاحتلال على مفاصل هذه الشبكة. وبالمجمل، فإن هذه الكانتونات التي تشبه السجون ولا شبيه لها في العالم، ستصعّب الامتداد الديموغرافي الطبيعي المستقبلي، وستعقد حياة الفلسطينيين اليومية مع سيطرة إسرائيل على الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة والمياه، والأجواء، والحركة، ما يوفر البيئة الضاغطة والطاردة للفلسطينيين على المدى البعيد.
وتطرح الصفقة مقاربة غريبة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بحيث تستحيل معها عودة على الأقل جزء منهم إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها عام 1948، على أساس أن جوهر الصفقة يدور حول تقليص عدد الفلسطينيين وحشرهم في أضيق مساحة جغرافية ممكنة، والإبقاء على الميزان الديموغرافي الاستراتيجي بين النهر والبحر لمصلحة "اليهود". لذلك، تطرح الصفقة مسألة "اللاجئين اليهود" في تزوير وتدليس واضح هدفه تمييع قضية اللاجئين الفلسطينيين وسلب حقهم في العودة، بالتمهيد لمقايضة متبادلة أساسها حل قضية اللاجئين اليهود "الذين طُردوا من الدول العربية"، مقابل اللاجئين الفلسطينيين، ووضعت الصفقة اشتراطات طويلة وشائكة لعودة عدد من اللاجئين، منها عودتهم فقط إلى الدولة الفلسطينية المُفترضة، بمعدل 5 آلاف كل عام، وعلى مدى عشر سنوات، أي بسقف لا يتجاوز 50 ألف لاجئ. أما لاجئو الأردن ولبنان وسورية، فلن يعودوا إلى فلسطين، وستعمل لجنة إسرائيلية فلسطينية على دراسة كيفية حل هذه القضية، وعلى الأغلب التوطين، على أن يُنهى عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ويُلغى مسمى "لاجئين".