الانتخابات الفرنسية البلدية: دروس وخلاصات وفرصة أخيرة

الانتخابات الفرنسية البلدية: دروس وخلاصات وفرصة أخيرة

30 مارس 2014
فابيوس وفالس أبرز مرشّحَين لرئاسة الحكومة الجديدة (getty)
+ الخط -

تعيش فرنسا، هذه الأيام، زوبعة سياسية وإعلامية فجّرتها نتائج الدورة الأولى من الانتخابات البلدية التي جرت الأحد الماضي، والتي أتت بفوز اليمين المتطرف، ما صدم الكثير من المراقبين، وكان "طبيعياً" بالنسبة لآخرين. وستكون نتائج الدورة الثانية التي تجري اليوم الأحد، حاسمة في تعميق الصدمة أو الحدّ من أثرها.

كما هو الحال في كل استحقاق انتخابي منذ سنوات، يشكل اليمين المتطرف ورقة "الفزاعة" التي تقلب المعطيات، وتأخذ أبعاداً كبيرة، بعدما فرضت "الجبهة الوطنية" نفسها لاعبا على الساحة، وحققت المزيد من الاختراقات، بسبب مشاكل الهجرة، والاقتصاد، والتعصب وغياب الحلول لها.

العنصر الثاني الذي كان له وزن كبير في استحقاق الدورة الأولى، كان حجم العزوف عن التصويت، وعدم إدلاء الفرنسيين بأصواتهم، وقد وصلت نسبة الامتناع عن التصويت إلى 36 في المئة، في إشارة واضحة إلى عدم رضا عام عن سياسة الرئيس فرنسوا هولاند وفريقه. 

وفي قراءة لنتائج الدورة الأولى، اعترف الرئيس الفرنسي، في اجتماع حكومته المرجح أن يكون الأخير لها، بأنه "سمع رسالة الفرنسيين جيداً وبوضوح"، مضيفاً أن هذا الأمر يتطلب "استخلاص العبر". ولعل ما عقّد الأمور، الإعلان عن ارتفاع نسبة البطالة، الأمر الذي وضع اليسار في وضع حرج. 

ووسط هذه الأجواء، ارتفعت النبرة الإعلامية بين المرشحين، وهو ما حصل في المناظرة التلفزيونية بين مرشحة اليمين الديغولي (الاتحاد من أجل حركة شعبية) ناتالي كوسيسكو موريزيه، ومرشحة اليسار آن هيدالغو، إذ تبقى المنافسة على أشدها على بلدية باريس، فيما لم يكن من المتوقع في الدورة الأولى أن تنال المرشحة الديغولية العدد الكبير الذي حصدته من الأصوات. 

كما أثار استغناء المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو، والتي كانت تشغل منصب مساعدة عمدة باريس، برتران دولانوييه، عن ثلاثة من مستشاريها من أصول مغاربية في مقابل تحالفها مع "حزب الخضر"، تساؤلات واستياء داخل الجاليات العربية.

وفي مرسيليا جنوب البلاد، قرأ الحزب الاشتراكي بوضوح رسالة الناخبين، مع تقدم المرشح الديغولي جان كلود غودان، وخصوصاً أن اليسار في هذه المدينة كان قد حاز على المرتبة الثالثة، خلف مرشح حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف.

إلا أن الحزب الاشتراكي، وعلى الرغم من الخسارة التي مُني بها في مدن عدة، فهو لا يزال يعول كثيراً على الفوز في الدائرتين الثانية عشرة، والرابعة عشرة في باريس.

من جهتهم، يتطلع مسؤولون في حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، إلى الحصول على فوز ساحق في الدورة الثانية. وتتحدث الصحافة الفرنسية عن احتمالات قلب اليمين للمعادلة وكسب الأصوات. وقد فازت شخصيات يمينية من الدورة الأولى، مثل وزير الخارجية السابق آلان جوبيه في مدينة بوردو. أما رئيس الحزب، جان فرانسوا كوبيه، فقد جزم بأن حزبه، لن ولم يَقُم بأية تحالفات مع "الجبهة الوطنية"، خلافاً لما تردد في إطار التحالفات التي يقيمها الحزب اليميني المتطرف مع أحزاب اليمين.

ومن المرحج أن تؤدي الدورة الثانية إلى تغيير حكومي، وتُطرح العديد من الأسماء لتسلم منصب رئاستها، من أبرزها وزير الخارجية الحالي، لوران فابيوس، ووزير الداخلية إمانويل فالس. 

هواجس عديدة تواجه هولاند في المرحلة المقبلة، فهل تبقى نسبة الامتناع عن التصويت على حالها في الدورة الثانية؟ وماذا سيحدث إذا حاز "الجبهة الوطنية" على نسبة أكبر؟ ماذا لو حقق الحزب الديغولي اختراقاً كبيراً؟ 

اعتادت فرنسا على المفاجآت الفرنسية، نظراً لخيار ومزاج الناخب الفرنسي الذي يختار دوماً التصويت لتسجيل موقف ومحاسبة مسؤوليه، لكنّ أخطر ما أفرزته السنوات الماضية والدورة الأولى للانتخابات الحالية، هو نزع صفة "التابو" عن "الجبهة الوطنية"، فهذا الحزب الذي كان يُعتبَر أنه يشكّل "خطراً على الديمقراطية"، والذي كان مجرد التفكير بالتحالف معه محرماً بالنسبة لمعظم الأحزاب، بات رقماً صعباً في الدورات الانتخابية الأخيرة.