الانتخابات البلدية اللبنانية: المجتمع المدني يتمدد شمالاً

الانتخابات البلدية اللبنانية: المجتمع المدني يتمدد شمالاً

28 مايو 2016
تحالف انتخابي بين فرنجية ومعوض في زغرتا(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -


يميل معظم اللبنانيين إلى الدمج التلقائي بين منطقة زغرتا وآل فرنجية. لا يتعلّق الأمر بالموقف من سياسيي هذه العائلة. لكن مدينة زغرتا التصقت بآل فرنجية، وبنسبة أقل بآل معوض. هكذا بدا وكأن الإقطاع اختزل منطقة كاملة، أو صادرها. في هذه الجولة من الانتخابات البلديّة، قرر آل فرنجيّة وآل معوّض التحالف. إنها المحطة الانتخابيّة الأولى التي يقودها طوني فرنجية، نجل رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيّة. لا يُفترض بالمحطة الأولى أن تكون صعبة له. كان الظرف السياسي مناسباً. تحالف التيار الوطني الحرّ مع القوات اللبنانيّة، أشعر خصمه السياسي ميشال معوّض بالخطر أيضاً. تشرذم العائلات في وجه تحالف الأحزاب، قد يصبّ لصالح الأحزاب. لا يرغب طوني فرنجية وميشال معوّض بذلك، خصوصاً أنهما يرثان سلطة العائلة. نُظّم الاختلاف، ونجم عن ذلك تحالف انتخابي في هذه الجولة من الانتخابات البلديّة. في مواجهتهما، ترشّح بعض "الفدائيين"، أو "المجانين والانتحاريين" كما تقول مارينا عريجي لـ"العربي الجديد"، وهي واحدة من المرشحين المغامرين إن صح التعبير.
قرر 17 مرشحاً خوض الانتخابات البلدية تحت اسم "لائحة الإنماء". وضعت اللائحة برنامجها الانتخابي بين الناس منذ نحو شهرين كما تؤكّد عريجي، واعتمدت على التواصل المباشر مع ناخبي زغرتا، الذين يصل عددهم إلى نحو 22600 ناخب وناخبة، وقد انتخب منهم نحو 9000 في الانتخابات الأخيرة عام 2010، التي تنافست فيها لائحة مدعومة من فرنجية وأخرى من معوّض، وكانت النتيجة لصالح فرنجية.
لم يتوقّع ثنائي فرنجية-معوّض، أن تتشكّل في وجههما لائحة بهذا المستوى. لكل مرشّح فيها كفاءاته وميزاته، من أصحاب الشهادات العليا إلى ممثلي النقابات العماليّة والأحياء الشعبية، "وهذا الأمر دفع لائحة السلطة إلى ضم بعض الكفاءات إلى لائحتهم، لكن المشكلة الأبرز مع الأخيرة أنها قامت على مبدأ المحاصصة السياسيّة وليس التجانس بين فريق العمل"، تقول عريجي.
تضمّ لائحة الثنائي فرنجية ــ معوّض، وقد سُميت لائحة "معاً لزغرتا وإهدن"، زوجة ميشال معوض، ماريال ميشال معوض، ووالدة طوني فرنجية، مريان رياض سركيس، والأب بول بدوي مرقص الدويهي. وهو ما يُشير إلى مستوى المنافسة الانتخابيّة. كما تُشير عريجي إلى ترشّح عدد من أبناء أعضاءٍ في المجلس البلدي السابق، وذلك في "وراثة سياسيّة على مستوى البلديّة، كما هو الحال على المستوى السياسي". تعتبر عريجي أن قدرة "لائحة الإنماء" على النجاح تكمن في كون أعضائها مستقلين وغير مرتبطين بمصالح خاصة.
أما رئيس اللائحة المدعومة من فرنجية ومعوض، سيزار باسيم، فلفت خلال الإعلان عن اللائحة إلى أن "الاتفاق على إنشاء مجلس بلدي توافقي يشمل أعضاء من مختلف مكونات النسيج الزغرتاوي الاجتماعي والمدني والسياسي ويكون للنساء والشباب والأخصائيين حصة وازنة فيه مع احترام الخصوصية الزغرتاوية وتياراتها وفعالياتها وقياداتها ومجتمعها المدني وبالتنسيق التام معها، يوجب علينا جميعاً العمل سويّاً لإنجاح هذه المهمة، وعدم تفويت هذه الفرصة التي تصبّ في مصلحة منطقتنا".


وإذا كانت المعركة في زغرتا بهذا الوضوح السياسي، لجهة مواجهة المستقلين للعائلات الإقطاعيّة التقليديّة، فإن معركة المجتمع المدني في بشري (أقصى الشمال الشرقي) ليست بهذه الحدّة. يقول رئيس لائحة "بشري موطن قلبي" جو خليفة لـ"العربي الجديد"، إن المعركة ليست سياسيّة، بل إنمائيّة. يلفت خليفة إلى أن لائحة "بشري موطن قلبي"، تُعدّ صورة عن نسيج المجتمع في بشري، "فنحن شباب وصبايا يرغبون في العمل لإنماء بلدتهم". ويؤكّد خليفة رفض أعضاء اللائحة أي تمويل من أي أحد. ويُحدد مشروع لائحته الانتخابيّة بإعطاء الأولوية لإنماء البشر كالحجر، عبر دعم المزارعين وتسويق المنتجات.
ويُشير خليفة إلى أن أكثر من نصف أهالي بشري مغتربون أو نازحون. وعند سؤاله عن توقعاته بالنسبة للنتيجة، يقول إن حسابات "الربح والخسارة ليست في قاموسنا، نحن أكدنا أن بشري متنوعة، وهذا غنى لها، وللمصطادين في الماء العكر الذين ينتظرون الرقم الذي ستحصل عليه اللائحة المدعومة من القوات اللبنانيّة، لقياس شعبية سمير جعجع، فإنه في حال الخطر جميعنا قوات لبنانية".
يُقرّ رئيس اللائحة المنافسة، أي لائحة "الإنماء والوفاء لبشري"، فرادي كيروز، المدعومة من القوات اللبنانيّة، بأن أولوية "القوات" في المرحلة السابقة كانت خوض المعركة السياسيّة في بشري والفوز بها، وأن هذا كان على صالح الإنماء. لذلك، يُشير كيروز في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن أولوية لائحته العمل على إنماء بشري. هكذا، يبدو أن حالة الاعتراض المدنيّة على الأحزاب وصلت إلى شمال لبنان أيضاً، بعدما برزت في الجولات الانتخابيّة الثلاث الماضية في بيروت وجبل لبنان والبقاع وبعلبك-الهرمل وجنوب لبنان.
تبدو المعارك في بقية أقضية محافظتي لبنان الشمالي وعكار (البترون، الكورة، بشري، زغرتا، المنية، الضنية، عكار) صراعات ذات طابع عائلي، في معظمها. تشذّ بلدات قليلة عن هذه القاعدة. معظم البلدات التي خرجت عن هذه القاعدة، مسيحيّة، حيث تظهر بوضوح المواجهة ما بين الثنائي المسيحي (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ) من جهة، وتيار المردة وحزب الكتائب والشخصيات المسيحيّة المستقلة من جهة ثانية. تنورين واحدة من هذه البلدات، إذ يخوض الوزير بطرس حرب (وهو من البلدة) وحزب الكتائب معركة في وجه تحالف القوات اللبنانيّة والتيار الوطني الحرّ، ويُمكن وضع هذه المعركة في سياق محاولة الشخصيات المسيحيّة المستقلة مواجهة تحالف "التيار" و"القوات". وفي بعض قرى قضاء البترون يبرز الخلاف بين تيّار المردة والتيار الوطني الحرّ.
وتخوض بلدة القبيات في قضاء عكار معركة مشابهة لمعركة البترون. إذ يدعم التيار الوطني والقوات اللبنانيّة لائحة في مواجهة أخرى مدعومة من النائب هادي حبيش، وهو عضو في كتلة المستقبل، والنائب السابق مخايل الضاهر. وقد أدى تحالف "الثنائي المسيحي" إلى التصالح بين حبيش والضاهر. وتُعد هذه المعركة أساسيّة لجهة تحديد الأحجام السياسيّة قبل الانتخابات النيابيّة التي يُفترض أن تجري بعد نحو سنة، أو ربما قبل ذلك في حال جرى تقصير ولاية المجلس النيابية الممددة أصلاً. إذ يُحاول "الثنائي المسيحي" تثبيت أقدامه وتحالفه، وتأكيد نجاحه وتفوقه على جميع خصومه، فيما تُحاول الشخصيات المسيحيّة المستقلّة الحفاظ على وجودها السياسي.
لا تخرج المعارك الانتخابية في قضاء الكورة عن هذه القاعدة، إلا في بعض البلدات التي تبدو فيها المعركة بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة من جهة، مقابل القوات اللبنانيّة والتيار الوطني الحرّ، ومن أبرز البلدات التي تخوض هذا النوع من التنافس، أميون وكوسبا وكفرعقا. كما يوجد في عدد من بلدات القضاء مرشحون للحزب الشيوعي واليسار.
أما في قضاءي المنية-الضنية وعكار، فتبدو المعركة عائليّة بامتياز خصوصاً مع قرار تيار المستقبل الانسحاب من المعارك في حال فشل التوافق بين العائلات، وهو ما حصل فعلاً. وبالتالي تُخاض الانتخابات من منطلقات عائليّة. ففي أغلب مناطق عكار والمنية والضنية، لا تزال التركيبة العائليّة قوية. لكن ذلك لا يمنع محاولة بعض الشخصيات السياسيّة المعارضة لتيار المستقبل أو مسؤولين في التيار، الفوز بمجلس بلدية وذلك في سياق تأكيد الأحجام والتحضير للمعركة النيابية المقبلة. ونتيجة للغياب السياسي، أو التغيّب المقصود، خوفاً من الانكسار على أعتاب العائلات، برز بعض المتمولين في محاولة للفوز ببلديّة هنا أو هناك. لعل ما يحصل في بلدة رحبة العكاريّة، أكبر بلدة أرثوذكسية في لبنان، نموذج لذلك. إذ تتنافس لائحة يدعمها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، والمتمول الكبير عصام فارس، مع لائحة أخرى، يرأسها متموّل مغترب في أفريقيا، ومدعوم من الحزب الشيوعي اللبناني اسمه فادي بربر.