انتخابات طرابلس البلدية: القوى السياسية تتّحد لتحجيم "الزعامة الجديدة"

انتخابات طرابلس البلدية: القوى السياسية تتّحد لتحجيم "الزعامة الجديدة"

27 مايو 2016
تعدّ المناطق الطرابلسية الأكثر فقراً في لبنان(حسين بيضون)
+ الخط -
يستقبلك حاجز قوى الأمن الداخلي عند مدخل طرابلس (شمال لبنان)، فتظنّ لوهلة أن الدولة تعامل طرابلس كبقية المدن اللبنانية، ما دامت تساوي في ما بينها عبر إحاطتها الحواجزَ، لكن سرعان ما يلاحظ الزائر أن مسيرة "الإنماء والإعمار" تفقد زخمها مع طول المسافات من خلال مشاهد الحرمان المزمن الذي تعاني منه العاصمة الثانية للبنان.

خلال الانتظار على الحاجز، يمكن لك أن تتلفّت بكل الاتجاهات. يميناً، ترى مجموعة من الهنغارات المتهالكة، يتدلّى من سقف بعضها حبال من معدات التحميل. هناك كانت معامل "غندور". عمل آلاف الطرابلسيين (أبناء الشمال عموماً) في هذه المعامل حتى سبعينيات القرن الماضي إلى أن غيّرت الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) كثيراً من معالم البلد. يساراً، توجد معامل أخرى. كانت طرابلس، مثل أي مدينة، متنوعة اقتصادياً. تجارة مزدهرة في الأسواق القديمة، أحياء سكنيّة متفاوتة طبقياً، في ظلّ حيّز أساسي للطبقة الوسطى في وسطها، وزنّار من المصانع والأراضي الزراعية يحيط بها. كانت بساتين الليمون تمتد قبل عمليات "الضمّ والفرز" إلى شاطئ البحر. لكنها تحوّلت اليوم إلى منطقة عقارية باهظة الثمن. أما بساتين الزيتون التي احتلت سابقاً منطقة أبو سمرا، تحوّلت اليوم إلى منطقة شعبيّة، وأخذت طابعاً إسلامياً.

لا تُختصر التحوّلات التي طاولت المدينة بـ"أبو سمرا" و"الضم والفرز". منطقة التبانة التي كانت مسرحاً لاشتباكات على مدى سنوات مع منطقة جبل محسن، وهي اشتباكات أخذت طابعاً سنياً ــ علويّاً، كانت من أغنى مناطق طرابلس. سُمّيت سابقاً، بـ"باب الذهب"، أو "سوق القمح"، وكانت من المناطق المزدهرة حتى بداية الحرب الأهلية. تُعتبر أقلام باب التبانة الانتخابية من أكبر مراكز طرابلس، وتُعدّ هي من أفقر المناطق. فإلى جوار نهر أبو علي، الذي يكاد يشبه المجارير المفتوحة بسبب رمي النفايات، يعيش مواطنون تحت خط الفقر. ورد في دراسة "دليل الحرمان الحضري"، التي أعدها المستشار الإقليمي في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، أديب نعمة أنّ "المناطق الأشد حرماناً هي التبانة ــ السويقة إذ تبلغ نسبة الأسر المحرومة 87 في المائة". يقابل هذا الرقم وجود عدد لا بأس به من المتموّلين اللبنانيين في طرابلس، لكنه لم يُترجم في الدورة الاقتصادية.

سارت طرابلس في السنوات الماضية على إيقاع الثورة السورية. برزت الحالة الإسلامية فيها مع صعودها في سورية. ذهب العشرات من أبناء المدينة للقتال إلى جانب المعارضة المسلحة السورية. نُعي بعضهم قتيلاً من دون عودة جثمانه بسبب دفنه في سورية أو لأنه كان انتحارياً فجّر نفسه. انتقلت الاشتباكات إلى داخل أحياء المدينة القديمة، خصوصاً عندما حاول عدد من المنتمين إلى "داعش" السيطرة على هذه الأحياء. اليوم، يُنظر لطرابلس على أنها ستكون من أبرز المعابر لإعادة إعمار سورية. فحمص (وسط سورية) على بُعد رمية حجر، كما يُقال.





تخوض طرابلس التي تعاني 77 في المائة من أسرها حرماناً اقتصادياً بحسب دراسة "إسكوا"، الانتخابات البلدية، بعد غد الأحد، في رابع جولة انتخابية وهي الأخيرة على الصعيد الوطني، إذ تتنافس أربع لوائح على 24 مقعداً بلدياً. طرابلس هي المدينة الثانية في لبنان إلى جانب بيروت، ويبلغ عدد مقاعد مجلسها البلدي 24 عضواً، بما أن الناخبين فيها يلامس عددهم النصف مليون. لكنها تمتاز بأن لبلديتها هامش سلطات أكبر من بيروت، بحسب ما يؤكّد عضو المجلس البلدي الحالي، خالد صبح لـ"العربي الجديد". لكن هذه الصلاحيات ليست كافية لتفعيل معرض رشيد كرامي، وتطوير المرفأ، وإعادة تشغيل مصفاة النفط، وترجمة كل ما كُتب عن "المنطقة الاقتصادية الحرّة على الأرض".

تجتمع أحزاب السلطة ومعظم القوى السياسية في طرابلس في لائحة ائتلافيّة واحدة، في تكرار لتجربة المجلس البلدي القديم. يتحالف تيّار المستقبل (بزعامة النائب سعد الحريري) مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق، نجيب ميقاتي، ووزير المال السابق، محمد الصفدي، والنائب محمد كبارة، والوزير السابق فيصل كرامي، والجماعة الإسلامية، وجمعية المشاريع الخيرية، إضافة إلى إرضاء تيار المردة (بزعامة النائب سليمان فرنجية)، والنائب روبير فاضل، ورجال الدين المقربين من حزب الله، بحسب ما تقول مصادر اللائحة.

تواجه هذه اللائحة مشكلة أساسية في طرابلس، وهي أنها نسخة عن التوافق السياسي الذي أتى بالمجلس البلدي السابق الذي فشل على مدى السنوات الست الماضية. حاول ميقاتي، وهو العرّاب الأول للائحة "لطرابلس"، التخلّص من عبء المجلس البلدي السابق، فأعلن أنه يرفض تبني أي مرشح من المجلس السابق. لكن مقربين من ميقاتي يقولونن إن سبب ذلك يعود لرغبته بالتخلص من أحد أعضاء المجلس البلدي، والمقصود هنا خالد صبح. لكن هذا الأمر، أدى إلى عدم القدرة على استيعاب ترشيح عربي عكاوي، نجل خليل عكاوي، وهو من أبرز قيادات التبانة الشعبيين اليساريين، اغتيل في ثمانينيات القرن الماضي على يد مليشيات مدعومة من النظام السوري. بذلك، بقيت هذه اللائحة من دون أي مرشّح من "التبانة"، الخزان الانتخابي في طرابلس.

كما أن من مشاكل هذه اللائحة، هي حقيقة حصول اشتباكات على مدى أكثر من 5 سنوات بسبب خلافات تيار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي، أو بين تيار المستقبل وحزب الله (والحزب العربي الديمقراطي ذي الغالبية العلوية بالوكالة). لذلك يرى خصوم هذه اللائحة أنها تهدف إلى الاستفادة الماليّة من مرحلة إعادة إعمار سورية، وأنها لن تنجح بسبب الخلافات بين أعضائها نتيجة اختلافاتهم السياسية. ومن أبرز ما توافقت عليه هذه اللائحة، التي يرأسها عزام عويضة (التابع لميقاتي) هو إقرار مشروع المرآب في داخل طرابلس على أنقاض منطقة أثرية، وهو المشروع الذي انتفض الطرابلسيون ضدّه ورفضوا تنفيذه منذ أشهر.




ينافس هذه اللائحة، أخرى دعمها وزير العدل المستقيل، اللواء أشرف ريفي. عمل ريفي على جمع أطرافٍ من المجتمع المدني الطرابلسي في لائحة واحدة تحت اسم "قرار طرابلس"، يرأسها رئيس البلدية الأسبق أحمد قمر الدين. عمل ريفي على تمثيل "التبانة" بمرشّح هو أحمد المرج، والأحياء الشعبية بآخر هو أحمد تامر. ويقول خصوم قمر الدين، إن تجربته في البلدية لم تكن ناجحة. ويعتمد ريفي في لائحته على التعاطف الشعبي معه في وجه "محاولة إلغائه سياسياً"، كما يقول مقربون منه، خصوصاً أنه يأتي من خارج العائلات السياسية التقليدية.

ويضيف هؤلاء أن ريفي يُمثّل مزاج الشارع الطرابلسي. وقد عمل على استغلال وجود مقربين من حزب الله على لائحة خصومه، فركّز خطابه على منع "حزب الله من السيطرة على طرابلس عبر بلديتها". ويعتمد ريفي الذي استقال من الحكومة على خلفية ما قال إنه "هيمنة حزب الله على قرار البلد"، على استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض الشركات لصالحه، وتشير إلى تقدم لائحته على حساب لائحة التوافق. وبحسب أحد هذه الاستطلاعات، أُجري في 10 مايو/أيار الحالي، فإنّ 38 في المائة من المستطلَعين أيدوا لائحة ريفي مقابل نحو 24 في المائة أيدوا لائحة التحالف، فيما لم يُقرّر 30 في المائة اختيارهم بعد. أحد العاملين في ماكينة ميقاتي يُقلّل من قيمة هذه الاستطلاعات، ويشير إلى أن بعض من يُجاهر بدعم ريفي، بات يعمل كمندوب في لائحة ميقاتي.

أما اللائحة الثالثة فهي غير مكتملة وسُميت "طرابلس عاصمة" برئاسة النائب السابق، مصباح الأحدب، الذي قال خلال إعلان اللائحة إن "المختلفين نفسهم، اليوم، اجتمعوا على محاصصة طرابلس من أجل توزيع مكاسبها، فهم دائماً كانوا يختلفون، واليوم تحاصصوا ولم يشرحوا لأهل طرابلس العاصمة كيف ومتى تم التوافق وعلى أي أسس قام، ولكن من الواضح جداً أنه من أجل الحفاظ على مصالحهم".

أما اللائحة الرابعة "طرابلس 2022"، نسبة إلى تاريخ انتهاء ولاية المجلس البلدي الذي سيُنتخب، وقد عرّفت عن نفسها بأنها "مجموعة شباب من مدينة طرابلس جمعتنا محبة المدينة، وإيماننا بمكانتها التاريخية، وشعورنا بالتهميش الممنهج الممارس عليها. التقينا وتوافقنا على النهوض بطرابلس إنمائياً، واجتماعياً، واقتصادياً مسخّرين طاقاتنا وتحصيلنا العلمي وكفاءاتنا المهنية في سبيل تحقيق هذا الهدف، وذلك من خلال طرح مشاريع وأفكار خلّاقة، تعانق الحداثة وتراعي هوية المدينة".

تخوض طرابلس انتخاباتها وقد طغت السياسة على الإنماء، خصوصاً لجهة رغبة مختلف القوى السياسية على وضع حدّ لحيثيّة ريفي المتزايدة، وهو الآتي من سلك الشرطة، الذي لطالما كان يُحسب من حصّة آل الحريري، ليبني زعامته على حساب الآخرين، وفقاً لهم. وتُعدّ هذه الانتخابات مؤشّراً للانتخابات النيابية، إذ يرغب هذا التحالف في وضع اللبنة الأساسيّة لتحالف قد يشق طريقه إلى النيابة. كما أن حصول لائحة ريفي على 38 في المائة من الأصوات، سيجعل منه رقماً صعباً في الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً أن خصومه يردّدون أنه يخوض معركته من دون تمويل، بينما تدفع ماكينات التحالف بين 200 و300 دولار أميركي للمندوب الواحد، وتُقدّر مصادر التحالف عدد المندوبين للائحتها بنحو عشرة آلاف فرد.


المساهمون