اعتقال سيرغي فورغال: المعارضة "المدجَّنة" في مرمى الكرملين

اعتقال سيرغي فورغال: المعارضة "المدجَّنة" في مرمى الكرملين

سامر إلياس

avata
سامر إلياس
17 يوليو 2020
+ الخط -

في مؤشرٍ إلى تغيّرات جذرية من المتوقع أن تطرأ على السياسة الداخلية في روسيا، على خلفية التعديلات الدستورية الأخيرة، وكذلك انهيار شعبية حزب "روسيا الموحدة" المدعوم من الكرملين، يسعى الأخير إلى تجنب تكرار تجربة العامين 2018 و2019، حين خسرت السلطة في الانتخابات المحلية، وذلك قبل نحو شهرين من انتخابات مشابهة سيشهدها 20 إقليماً روسياً لاختيار حكام المقاطعات والبرلمانات المحلية. وبعد أيام على انتهاء التصويت على التعديلات الدستورية التي حدّد فيها الكرملين طبيعة الدولة الروسية التي يسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى إرسائها، تكشف طريقة اعتقال حاكم إقليم خاباروفسك (أقصى الشرق الروسي)، سيرغي فورغال، والحجج التي سيقت لتبرير الاعتقال، عن تبدل في قواعد اللعبة بين السلطة والأحزاب المعارضة، حتى تلك التي تُعتبر من المعارضة النظامية "المدجَّنة". 
وفجّر اعتقال فورغال (50 عاماً) واقتياده للمحاكمة في موسكو، قبل أسبوع، احتجاجات عارمة لم يشهدها الإقليم من قبل، حتى ولو أنه معروف بمزاج أهله الاحتجاجي. وخرج أكثر من 30 ألف مواطن يوم السبت الماضي، في عاصمة الإقليم، مدينة خاباروفسك، لدعم "الحاكم الشعبي"، ورفعوا شعارات ضد موسكو وبوتين، كما تظاهر المئات في عدد من المدن الأصغر.


يخشى النظام الروسي تكرار تجربة العامين 2018 و2019، حين خسر حزب "روسيا الموحدة" في الانتخابات المحلية

ووجهت السلطات اتهامات لفورغال بالقتل تعود إلى العام 2005 (اتهامات بتنظيم قتل عدد من رجال الأعمال)، ما أثار تساؤلات حول أسباب ودوافع الاعتقال، خصوصاً أن المتهم كان انتخب وعمل في البرلمان المحلي لمدة سنتين، وبعدها نجح في انتخابات الدوما (البرلمان الروسي) عن مقاطعته في الأعوام 2007 و2011 و2016، وترأس عمل لجنة الصحة في الدوما في العامين 2015 و2016. وانتخب فورغال حاكماً لمنطقته عام 2018.

وينتمي فورغال إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، المحسوب على أحزاب المعارضة التي تحظى قياداتها بعلاقة مميزة مع الكرملين، إلى جانب الحزب الشيوعي و"روسيا العادلة"، وشكّل انتخابه بنحو 70 في المائة من الأصوات على حساب منافسه من حزب "روسيا الموحدة" في خريف 2018 نكسة كبيرة للكرملين، لكنه، بحسب معظم الخبراء، جاء نتيجة التصويت الاحتجاجي، بعد غضب المواطنين من إقرار قانون رفع السن التقاعدية.

رئيس الحزب الليبرالي فلاديمير جيرينوفسكي، اتهم السلطات بتدبير الاعتقال، لأن فورغال أثار غضب بعض الفاسدين من النخبة الحاكمة، الذين يفرضون على حكام المقاطعات إرسال مبالغ مالية لموسكو لتثبيت حكمهم. وفي خطاب عاصف أمام الدوما، لوّح فيه بتحركات احتجاجية، قال جيرينوفسكي: "سنشعل الثورة، ليس كما فعل البلاشفة وبوريس يلتسين. هناك جيل نشأ حديثاً لن يسامحكم وسيعاقبكم جميعاً على ما تقومون به في أرضنا، وتنغيص حياتنا وعدم السماح لنا بالعيش في شكل جيد بحرية ونعيم". وقلّل المسؤول الحزبي من قدرة الحرس الوطني والجيش على إنقاذ "أصحاب الأيدي القذرة والأفكار البذيئة"، وهدد بانسحاب نواب حزبه من مجلس الدوما "حتى يعرف العالم حقيقة ما يجري". لكن جيرينوفسكي نأى في وقت لاحق بنفسه عن الاحتجاجات المتواصلة في الإقليم.

ومنذ انتخابه حاكماً للإقليم، سعى فورغال إلى الابتعاد عن التجاذبات الحزبية، وحاول البقاء على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وحافظ على قواعد اللعبة بعدم توجيه انتقادات حادة للمركز في موسكو. كما رفض فورغال في العام 2019 تصدّر قائمة الحزب الليبرالي في الانتخابات المحلية، لكنه في المقابل لم يدعم قائمة "روسيا الموحدة"، ما تسبب حينها في خسارة الحزب الحاكم جميع مقاعده في البرلمان المحلي بعدما كان مسيطراً عليها بالكامل. ويبدو أن صنّاع السياسة الداخلية في الكرملين استشعروا الخطر من وجود حاكم إقليمي لا يعمل لصالح حزب السلطة، وتكرار التجربة في أماكن أخرى، فعمدوا إلى إزاحة الغبار عن ملفات حول ماضيه وارتباطه بعالم الجريمة في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي.

ويرى المعارض أليكسي نافالني، أن إزاحة فورغال تعود إلى أسباب عدة، أهمها نسبة المشاركة المنخفضة في التصويت على التعديلات الدستورية بخاباروفسك، والتي لم تتجاوز في الإقليم 44 في المائة. لكن الأهم، بحسب فيديو نشره المعارض البارز على منصة "يوتيوب"، يعود إلى أن شعبية فورغال فاقت شعبية الرئيس فلاديمير بوتين في الإقليم، وهو ما لا يمكن السماح به، ما دفع إلى ترتيب ملفات الاعتقال، بحسب نافالني. ويستبعد المعارض الليبرالي أن تسهم الخطوة في رفع رصيد "روسيا الموحدة" في الانتخابات المقبلة، نظراً لنجاح استخدام سلاح "التصويت الذكي" بإبعاد المقربين من السلطة، حتى حين عمدوا إلى التنصل من حزبهم، والترشح في شكل مستقل أو ضمن قوائم تخفي انتماءاتهم الحقيقية.


قد تكون نسبة المشاركة المنخفضة في التصويت على التعديلات الدستورية بخاباروفسك، من أسباب الاعتقال

وأثناء توليه منصبه، أغضب فورغال بعض النخب الاقتصادية العاملة في الإقليم، فقد فرض على المستثمرين في الغابات بتجارة الخشب تصليح الطرق التي قد يتسببون في إتلافها، كما فرض على كبريات شركات صيد السمك دفع ضرائب للحكومة المحلية عن الصيد في الشواطئ القريبة المحاذية لمصبات الأنهار في المحيط الهادئ من أراضي الإقليم. ومع ارتفاع شعبية فورغال بين المواطنين، بدأت الماكينة الإعلامية المدعومة من "روسيا الموحدة" والنخب الاقتصادية المتضررة بالترويج لارتفاع المزاج الانفصالي في الإقليم، وأن الأوضاع على حافة التمرد، لتعجيل تدخل موسكو وإزاحته، حتى لا تفقد السلطات سيطرتها بالكامل هناك.

ومن الواضح أن مصير فورغال، الذي بات محسوماً رغم الاحتجاجات الشعبية الداعمة له، يرسل إشارات لا لبس فيها لجميع المرشحين من خارج "روسيا الموحدة"، بضرورة الامتثال مباشرة لتعليمات الكرملين في إدارة شؤون مقاطعاتهم في حال الفوز. كما يطلق الاعتقال تحذيراً ضمنياً إلى الأحزاب "المدجنة" قبل عام من انتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، التي يرجح أن يقدم موعدها إلى ربيع 2021 بدلاً من الخريف، بأن استراتيجية جديدة للتعامل معها بدأت ترسم في أروقة الكرملين، قد تنسف التوازنات القائمة، في حال عدم الالتزام بالتفاهمات الضمنية لضمان قيادة الكرملين و"روسيا الموحدة" البلاد. غير ذلك، فإن السلطات قادرة على تفريخ عدد من الأحزاب المنافسة وفرضها على جماهير الحزبين الشيوعي والليبرالي الديمقراطي، من اليساريين والقوميين الشعبوين، خلال الانتخابات المقبلة، أو إنشاء حزب احتياطي جديد للسلطة لدعم "روسيا الموحدة" فاقد الشعبية، بديلاً عن "روسيا العادلة"، في تكرار لتجارب سابقة لجأت إليها السلطات في عهدي يلتسين وبوتين.

وفي حين يرى معارضون أن حملة الاعتقالات بحق الصحافيين والمعارضين تعيد البلاد إلى الحقبة الستالينية، يبدو أن صناع السياسة الداخلية في الكرملين انتقلوا إلى إشهار ورقة التاريخ لإزاحة بعض المعارضين المعتدلين، وتذكير الراغبين بالخوض في السياسة بأهم قاعدة للحكم القيصري على مدى قرون، والمنطلقة من أن "القيصر جيد دائماً، لكن الحاشية في الأقاليم قد تكون جيدة أو سيئة".

ذات صلة

الصورة

سياسة

قُتل 40 شخصاً على الأقل، وجُرح العشرات، في إطلاق نار أعقبه اندلاع حريق، مساء اليوم الجمعة، في صالة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو.
الصورة
قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف-ألكسي بافليشاك/رويترز

سياسة

ظهر قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف، الذي أعلن الجيش الأوكراني، أمس الاثنين، أنه قتله الأسبوع الماضي، وذلك في صور وزّعتها وزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء.
الصورة

سياسة

نشرت وكالة "أسوشييتد برس" تقريراً اليوم الجمعة، كشفت فيه تفاصيل تعرّض معارضي الكرملين على مرّ السنوات السابقة لهجمات وعمليات قتل، كان آخرها مقتل زعيم مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين الأربعاء.
الصورة

سياسة

بعد مرور نحو 24 ساعة على مقتل مؤسس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين، مساء أمس الأربعاء، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن صمته، واصفاً الواقعة بأنها مأساة، لكن خبراء ومحللين يرون أن بوتين متورط في عملية اغتيال رئيس المجموعة.

المساهمون