ارتدادات البيان الوزاري العربي: تصعيد ووساطات

ارتدادات البيان الوزاري العربي: تصعيد ووساطات

21 نوفمبر 2017
اعتصام في صنعاء للمطالبة بوقف الحرب (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
صحيح أن بيان وزراء خارجية الدول العربية، الصادر مساء الأحد من القاهرة، خلا من بنود كانت الرياض ترغب بأن تكون تصعيدية أكثر ضد إيران و"أداوتها العربية"، حزب الله والحوثيين خصوصاً، إلا أن مرحلة ما بعد بيان البنود الـ14، مثلما ظهرت ملامحها أمس الاثنين، تنوعت بين التصعيد المتبادل من المحورين السعودي والإيراني، من خلال حلفائهما، من جهة، ومحاولة أطراف التوسط بين المحورين أو التهدئة ولو كانت مؤقتة، مثلما تحاول مصر أن تفعل وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، من جهة ثانية.


وبدا التصعيد المتبادل من نوعية ردّ وزارة الخارجية الإيرانية على بيان الوزراء العرب، ثم في رد مملكة البحرين على الردّ، بموازاة تصعيد آخر ترجمه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكلام مشابه صدر عن جماعة الحوثيين في اليمن، بما أن معظم البنود الـ14 لبيان القاهرة تناول الحوثيين وحزب الله و"أفعالهما الإرهابية". وبين هذا وذاك، يتجه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بدءاً من يوم غد، إلى ترجمة موقعه السياسي الجديد كرئيس حكومة مستقيل عبر قيادة الأحزاب التي تعارض سلاح حزب الله وأدواره الإقليمية، بينما طالبت المعارضة السورية بتشكيل تحالف دولي ضد "الإرهاب الإيراني" في المنطقة.

وانتقدت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس الاثنين، بشدة، بيان مجلس وزراء الخارجية العرب. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، عن المتحدث باسم الخارجية، بهرام قاسمي، قوله إنّ "تسوية مشاكل المنطقة الراهنة لا تتم من خلال إصدار بيانات تفتقر للأهمية". واعتبر قاسمي أن بيان الجامعة العربية "مليء بالأكاذيب"، لافتاً إلى أن سياسات بلاده تعتمد على "إقامة العلاقات الطيبة مع دول المنطقة". كما أشار إلى أن بلاده "تدعو السعودية لإنهاء سياسة الضغط على إخوتها العرب في لبنان وقطر وجميع دول المنطقة".

وفي بيروت، شاء نصر الله رفع وتيرة التحدي، بداية عبر التحدث بإسهاب عن "إنجازات" حزبه في سورية وبإشادات مطولة بإيران وبقادتها العسكريين المتهمين بقيادة المليشيات الحليفة لإيران في الدول العربية، خصوصاً قائد قوة القدس، قاسم سليماني. وبدأ نصر الله يهيئ الأجواء لعودة مقاتلي حزبه من سورية، مع إصراره على أن هذا القرار، إن اتخذ بالفعل، فلن يكون مرتبطاً لا بقرارات وزراء الخارجية العرب، ولا بأي ضغط آخر بل متصلاً بأن "المهمة في سورية انتهت مع انتهاء داعش كتنظيم"، على حد تعبيره. وفي إطار تحياته للأطراف التي قال إن الفضل يعود إليها في إنهاء "داعش"، ذكر نصر الله، ربما للمرة الأولى، "القوات الروسية". واعتبر نصر الله أن تصنيف حزبه كإرهابي في بيان الوزراء العرب، هو "قرار طبيعي وليس بجديد"، واضعاً ذلك في خانة دعم الطرف المقابل لتنظيم "داعش"، كما توقع وضع دول على لائحة الإرهاب، مستذكراً تصنيف قطر من قبل دول الحصار الأربع. وسخر نصر الله من الاتهامات الموجهة لحزبه لناحية "توزيع أسلحة متطورة في المنطقة". وجدد نصر الله القول، رسمياً، إن حزب الله لم يرسل أي سلاح لا إلى اليمن ولا إلى البحرين ولا إلى الكويت ولا حتى إلى العراق، حاصراً المساهمة بنقل صواريخ وسلاح إلى قطاع غزة وإلى سورية.

ومن صنعاء، أعلن الحوثيون في تصريح منسوب للحكومة التي ألفتها الجماعة وحلفاؤها، استنكارهم الشديد لمخرجات الاجتماع الوزاري العربي، حول إدانة وصول الصاروخ الذي انطلق من اليمن باتجاه السعودية والتدخلات الإيرانية في المنطقة. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية بنسختها التي يديرها الحوثيون، عن مصدر مسؤول في حكومة الانقلابيين قوله "إن الجامعة العربية ومؤسساتها تحولت للأسف الشديد إلى أداة بيد المال السعودي بل وإحدى أدواته لمواجهة كل من يعارض سياسة النظام السعودي ودوره التخريبي في المنطقة"، مؤكداً على حق اليمن في "استخدام ما لديه من أسلحة لردع العدوان".


كلام ردّ عليه وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة على موقع "تويتر" جاء فيها: "فقط إيران وأعوان إيران الذين يصرخون ويولولون ضد قرار الجامعة العربية. لن يضرنا نباحهم، فنحن على الدرب ماضون، وبالدفاع عن أمتنا ملتزمون". وكانت كلمة الوزير البحريني في اجتماع القاهرة الأكثر حدة ضد إيران والمليشيات المحسوبة عليها في الدول العربية. ورغم تفادي البيان الختامي الإشارة إلى العراق من ضمن الدول الواقعة تحت سيطرة إيران ومليشياتها، بحسب أدبيات محور السعودية، إلا أن ذلك لم يمنع وفد العراق، الذي تغيب عن رئاسته وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، من تسجيل اعتراض بغداد على عدد من الفقرات في البيان الختامي.

على صعيد آخر، دعا الائتلاف السوري المعارض، أمس الاثنين، الدول العربية إلى تشكيل تحالف لوقف "إرهاب إيران"، وحثها على اتخاذ "القرارات اللازمة"، عبر مجلس الأمن الدولي، لوقف "التدخلات الإيرانية المرفوضة". وقال رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف، أحمد رمضان، في تصريحات لوكالة "الأناضول": "نشجع قيام تحالف عربي يشكل نواة لتحالف دولي يتصدى لخطط إيران وإرهابها، ونحتاج إلى منع استغلال إيران للخلافات البينية العربية، والتي تحاول أن تكسب نقاطاً من خلالها". وأضاف أن "الائتلاف يرحب بصدور موقف عربي موحد بشأن التدخلات الإيرانية المرفوضة، ومحاولات طهران إثارة الفوضى والإرهاب في المنطقة". وكان بيان وزراء الخارجية العرب قد تجاهل بالكامل ذكر القضية السورية في إطار ساحات التدخل الإيراني، رغم أنها الساحة الأكثر وضوحاً في هذا المجال، والأكثر دموية. واقتصر البيان العربي على التدخل الإيراني في لبنان واليمن والبحرين. ولم تعد السعودية توحي بأي موقف مؤيد للثورة السورية، لا بل تتخذ موقفاً مشابهاً للرؤية الروسية، الحليفة لإيران بدورها، وهو ما يجعل السعودية، حالياً على الأقل، صامتة عن التدخل الإيراني المباشر أو من خلال حزب الله والمليشيات متعددة الجنسيات في الحرب السورية وفي إبقاء نظام بشار الأسد وقتل معارضيه.