احتجاجات أميركا: 100 يوم غيّرت شكل التظاهر

احتجاجات أميركا: 100 يوم غيّرت شكل التظاهر

07 سبتمبر 2020
شهدت بورتلاند احتجاجات ليلية لما يزيد عن ثلاثة أشهر (جون رودوف/الأناضول)
+ الخط -

على بعد أقل من شهرين على موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تتوالى الفضائح التي تستهدف الرئيس دونالد ترامب وتصبّ في غير مصلحته، بينما تحاصره التظاهرات ضدّ العنصرية التي انقضت، السبت الماضي، مائة يوم على انطلاقها في مختلف أنحاء البلاد. وفيما يُتهم الرئيس نفسه بالعنصرية، يأتي ما ذكره محامي ترامب الشخصي السابق مايكل كوهين ليصب الزيت على النار، إذ قال في كتاب جديد ينتظر صدوره قريباً إنّ رئيس أميركا الحالي يحتقر الزعماء السود والأقليات.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أول من أمس السبت، أنّ مايكل كوهين، زعم في كتاب جديد أن ترامب أدلى بتصريحات مهينة بحق الزعماء العالميين السود، ومنهم رئيس جنوب أفريقيا الأسبق نلسون مانديلا، وكذلك بشأن الأقليات في الولايات المتحدة بشكل عام.
وعمل كوهين مع ترامب لسنوات قبل أن ينقلب عليه، مثلما ظهر في شهادته أمام الكونغرس العام الماضي قبل مساءلة ترامب. ويقضي كوهين الآن عقوبة بالسجن ثلاث سنوات لإدلائه بتصريحات كاذبة أمام الكونغرس، واتهامات أخرى.
وفي كتاب من المقرر نشره الأسبوع الحالي، زعم كوهين أنّ ترامب وصف مانديلا بأنه زعيم ضعيف، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" التي ذكرت أنها حصلت على نسخة من الكتاب. وبحسب الصحيفة، كتب كوهين أنه عقب وفاة مانديلا عام 2013 تحدث ترامب بألفاظ بذيئة عنه ووصفه بأنه "لم يكن زعيماً". كذلك زعم كوهين أن ترامب قال "أخبرني عن دولة واحدة يديرها شخص أسود ليست خربة. جميعها مراحيض...".
وردّت المتحدثة باسم البيت الأبيض كيلي ميكانني بالتشكيك في مصداقية كوهين. وقالت ميكانني في بيان: "مايكل كوهين محامٍ مجرم ومشطوب من جدول المحامين وكذب على الكونغرس. لقد فقد مصداقيته تماماً، ولا غرابة في أن نرى محاولته الأخيرة للاستفادة من الأكاذيب". وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ كوهين زعم أنّ ترامب ينبذ الأقليات، وأنه قال خلال حملته الرئاسية لعام 2016 إنه لن يفوز بأصوات الأميركيين من أصول لاتينية. ونقل كوهين عن ترامب قوله "مثل السود... هم أغبياء جداً بدرجة لا تسمح لهم بالتصويت لترامب".

كوهين يتحدث في كتاب عن احتقار ترامب للزعماء السود والأقليات

وفيما يصب ما كشفه كوهين في مصلحة منافس ترامب في الانتخابات، المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي يحاول بدوره استمالة الغاضبين من السود بوجه ترامب المتهم بتأجيج التوترات العرقية، فإنّ الفضيحة الجديدة قد تؤجج الشارع بشكل أكبر، علماً بأنّ الاحتجاجات على عنصرية الشرطة ووحشيتها تجتاح الولايات المتحدة منذ مقتل الأميركي جورج فلويد في مايو/ أيار الماضي. وفلويد رجل أسود توفي بعد أن جثم شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا بركبته على رقبته لقرابة تسع دقائق.
ومساء أول من أمس السبت، قالت الشرطة إنّ محتجين في مدينة بورتلاند الأميركية رشقوا أفرادها بقنابل حارقة، ما أسفر عن إصابة شخص على الأقل، وذلك في اليوم المائة للتظاهرات في المدينة الواقعة في ولاية أوريغون، احتجاجاً على عنصرية الشرطة ووحشيتها.
وتحدثت الشرطة عن سلوك المحتجين "الصاخب والعنيف" في شارع ستارك جنوب شرق المدينة. وأضافت في تغريدات على "تويتر": "جرى إلقاء قنابل حارقة على الضباط، ما أسفر عن إصابة أحد السكان على الأقل". كذلك أعادت الشرطة نشر تسجيل فيديو بثه مراسل لصحيفة "نيويورك تايمز" يظهر إلقاء القنابل الحارقة وأحد المحتجين وهو يركض والنيران مشتعلة في ساقيه.

وشهدت بورتلاند احتجاجات ليلية لما يزيد عن ثلاثة أشهر وتحولت بعض هذه الاحتجاجات أحياناً إلى اشتباكات بين المتظاهرين وأفراد الشرطة وكذلك بين مجموعات من اليمين وأخرى من اليسار. وقالت الشرطة إنها نفذت عمليات اعتقال من دون الإفصاح عن عدد من احتجزتهم. وذكرت الشرطة في بيان بالبريد الإلكتروني رداً على أسئلة من وكالة "رويترز" عن حجم الحشد والاعتقالات: "كان هناك مئات في بداية (تظاهرات مساء السبت). هناك اعتقالات تمت، نعم".
وكانت قد أثارت وفاة فلويد احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، لكن في بورتلاند، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 650 ألف نسمة وأكثر من 70 في المائة منها من البيض، ظلّ المحتجون في الشوارع كل ليلة تقريباً، مطالبين بالعدالة العرقية ومساءلة الشرطة.
إلى ذلك، وفيما يواصل ترامب شيطنة الحركة المناهضة للعنصرية، حتى بلغ به الأمر أخيراً إلى حد وصف التظاهرات ضد عنف الشرطة في مدينة كينوشا "بالإرهاب الداخلي"، يبدو أنّ المحتجين غير آبهين بأي اتهامات، لا بل طوروا مهاراتهم في المواجهات التي تندلع مع الشرطة. وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه بعد 100 يوم من الاحتجاجات، تلاشت الحدود بين المدن والولايات، إذ بات المتظاهرون يتبادلون التكتيكات والاستراتيجيات ويتنقلون من تظاهرة إلى أخرى.

بات المتظاهرون يتبادلون التكتيكات والاستراتيجيات ويتنقلون من تظاهرة إلى أخرى

وتحدثت الصحيفة عن أنّ "المحتجين بعد مقتل جورج فلويد طوّروا لغة وثقافة مشتركة، وقد أصبحت التظاهرات نشاطاً من أنشطة الحياة اليومية في المدن في جميع أنحاء البلاد". وبسبب الغضب المتزايد من عنف الشرطة، طوّر المحتجون وسائل دفاع جديدة يقول خبراء إنها "قد تغيّر الاحتجاجات في البلاد إلى الأبد"، بحسب "واشنطن بوست".
وأضافت الصحيفة أنّ "التظاهرات أصبحت أكثر تصادمية"، لافتةً إلى تطوير وسائل للدفاع عن النفس، إذ "باتت هناك برامج تعليمية عبر الإنترنت حول كيفية صنع دروع في المنزل للحماية من الرصاص المطاطي وطلقات الفلفل اللاذعة وغيرها". وتابعت "ما كان يعتبر في يوم من الأيام علامات واضحة على إثارة الشغب، أصبح اليوم بمثابة دفاع عن النفس، ككسر الأشياء في الشوارع والاحتماء بها".
ومثلما فتحت "حركة الحقوق المدنية" في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أعين الأميركيين على العنصرية، وكما حوّلت حركة "احتلوا وول ستريت" عام 2011 اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية إلى حديث وطني، يقول خبراء، بحسب "واشنطن يوست"، إنّ احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" "ستشكل على الأرجح نظرة جديدة لجيل كامل، وستؤثر إلى الأبد على طريقة احتجاج الأميركيين".
وفيما تتحدّث الشرطة عن عنف المتظاهرين، تتوالى في المقابل الاتهامات لها بالعنف والعنصرية ضدّ المواطنين السود. وفي السياق، بدأت النائبة العامة لولاية نيويورك، ليتيشا جيمس، تشكيل هيئة محلفين كبرى أول من أمس السبت، للتحقيق في قضية دانيال برود، وهو رجل أسود يعاني من اضطرابات نفسية، توفي بعدما وضع ضباط شرطة في مدينة روتشستر شمال نيويورك غطاء على رأسه وثبتوه على رصيف لمنعه من الحركة في 23 مارس/ آذار الماضي.
وقالت جيمس "عانت عائلة برود وسكان روتشستر من ألم وحزن شديدين. سيتحرك مكتبي على الفور لتشكيل هيئة محلفين كبرى في إطار تحقيقنا الشامل في هذه المسألة". واندلعت احتجاجات في روتشستر التي يقطنها نحو 200 ألف نسمة بعدما نشرت عائلة برود تسجيل فيديو الأربعاء الماضي، التقطته كاميرا مثبتة في ملابس ضابط، لعملية اعتقال دانيال في مارس/آذار الماضي.

هيئة محلفين كبرى تحقق في قضية وفاة أميركي بعد توقيفه

وأظهرت اللقطات مجموعة من الضباط يغطون رأس برود، وهو يجثو عارياً ومكبلاً على قارعة الطريق. كذلك أظهر تسجيل الفيديو الضباط وهم يضعون وجه برود في الأرض، وأمكن سماع الرجل وهو يصرخ قائلاً "ارفعوا هذا عن وجهي!" و"أنتم تقتلونني!"، في إشارة إلى غطاء الرأس، بينما أمكن سماع الضباط يقولون "اهدأ" و"توقف عن البصق". وتوفي الرجل بعد الواقعة بأسبوع داخل مستشفى. وجرى إيقاف سبعة ضباط عن العمل يوم الخميس الماضي بسبب الواقعة. وخلص تقرير الطبيب الشرعي إلى أن الرجل قُتل نتيجة "مضاعفات اختناقه وهو مقيد"، مع عامل آخر مساعد وهو التسمم بعقار فينسيكليدين.
ودانيال برود هو من بين عدد من المواطنين الأميركيين من أصول أفريقية قُتلوا بسبب تجاوزات الشرطة التي أشعلت في الأشهر الأخيرة تظاهرات غاضبة في كافة أنحاء الولايات المتحدة.
وأمام هذه التجاوزات المتواصلة بحق السود، تحرّك مدعون فيدراليون سود من أجل جعل نظام العدالة الجنائية أكثر عدلاً في الولايات المتحدة. ووقع 32 مدعياً فيدرالياً في واشنطن مذكرة من 10 صفحات، وأرسلوها إلى المدعي العام الفدرالي في واشنطن، مايكل شيروين، تحدد التغييرات التي يقولون إنها ستساعد في ضمان اتخاذ المدعين العامين للقرارات الأكثر عدلاً، والخالية من التأثيرات والتحيّزات غير القانونية.
وكتب المدعون في المذكرة التي كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن فحواها، أنّ المقترحات ستؤدي إلى اتخاذ قرارات أفضل في بعض القضايا، وتساعد على تأمين الثقة وتحقيق نتائج أكثر عدالة في مدينة قالوا إنّ غالبية الضحايا والمشتبه فيهم والشهود فيها من السود.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)

المساهمون