إن التقينا مجدداً!

إن التقينا مجدداً!

28 اغسطس 2018
+ الخط -
أنا من مدينة نقلت إليها عاصمة الدولة برمتها، لقد حدث هذا الشيء بعد أن أقنعت ملكة الدولة حينها ''أروى'' زوجها بحيلة لتسكن وسط قلوب أبنائها، طلبت حينها الملكة من زوجها المكرم أن يجمع من ناس عاصمتهم الأولى ''صنعاء'' لمقابلتهم، فجاء منهم حينها من يحمل السيف والرمح.

كان طلبها الثاني من المكرم أن يدعوا أهل هذه المدينة لمقابلتهم، أقبل الناس بقلوبهم وسلاحهم كل قد وضع في منزله يحملون الهدايا من السمن والعسل والكباش، فأقبلت الملكة بمقولتها الشهيرة: ''العيش بين هؤلاء أصلح''.

انطلقت من مدينة ''إب'' الأقدام لتبني دولتها على مدينة جبلة، ومن حصن التعكر انتصر أبناؤها بتلك المعارك، كان منها دحرهم لـ''النجاحيان'' ليطاردوهم حتى الجند، ونجا منها أبو الفتوح النجاحيان بأعجوبة، لتسير الدولة جيش جرار للسيطرة على عاصمة النجاحيين أنفسهم، ذلك الحصن الذي لم يتبق منه شيء ظاهر على سطح الأرض.

مدينتي ليست مليئة بالآثار، هي مليئة ببقايا الآلام.. بالأمس بينما أقف أمام النافذة وكانت مدينتي تحتفي بقطرات المطر سمعت حينها مزحة من أحدهم أن المطر لربما لن يعود هذا الموسم، كانت مزحة ثقيلة حينها. كيف له فقط؟ وهو لا يستطيع حتى أن ينسى ملامح وجه هذه المدينة وبقوة العظيم الذي إذا نودي أجاب.


كانت تهطل بكل هدوء على النافذة، لقد هيأت حينها المدينة نفسها لهذا ورتبت حالها للاستقبال، وهي تلملم كل ما سقط من قيعانها، كنت أقف بمساحة الدفء حولي لا أفكر سوى في تلك النجوم المضيئة أمامي التي من كثرة نظراتي نحوها صارت تسأل... لعلي أعرفك! تهمس من وراء تلك المرآة المثقوبة إلى السماء.

حسناً فأي شرود سيفي للرد على ذلك وقد أصبح يجرحنا ذلك الظلام بحنينا. شمعة تسيل بأوجاعها على أيدينا ولا يزال في بلدك من فطم من حليبها وها هم يرضعون دماء جراحها.

على هذه الأرض لم تشف تلك الأجساد من ظلام الليالي التي تعايشها حتى تلك الأضواء أصبحت تلتفت سريعاً عند حنينها للظلام. أرواح توشك أن تفر إلى هناك وما يمنعها غير أنها ليست مسجلة على قائمة العابرين الليلة!

يشتعل الغيم وأنا ما زلت أقف أمام النافذة، تصافح تلك القطرات وجه المدينة بقبلات حارة وسحب تكاد تحتضنها، لقد فتحت نوافذ تفكيري حتى بدأت أحس بالصقيع خارجاً الذي كان لتلك النجوم بين لحظة وأخرى ينكزني: قل لها.. قل لها..

لا شيء غير هل أنتِ هنا منذ أن بدء الخلق؟ وهل هذا الهدوء الآن نواح ليلك؟ عليك أن تتكلمي فأنا أكرة النحيب أمامي هكذا!

لنحاول مجدداً..
الوجع يا عزيزتي على هذه الأرض يقطر.. يقطر كالمطر وقلوبنا هي طينها كلما مررت من هناك جرتك إلى الأسفل لتمر الحياة فيها بمخيلتك سريعاً مستغنية عن القوانين الفيزيائية. بسرعة المركبات الفضائية لكن ليست الضوئية منها التي لو تعدتها قليلاً لتوقف الزمن بل لانقلب رأساً على عقب!

زمننا هذا فظ؟.. الحزن أكثر مكراً؟.. ألخص لك الأمر بأنني قد أرى في لحظات ذلك. لكن لا تنس أن تدحرج كل هذة الفظاظة بقدميك.. اركلها يا أخي..
7EDE1D51-DFDE-4D57-A66B-C7061E33C9DB
أشرف الحميدي

طالب جامعي يمني... يدرس طب الأسنان وله كتابات متفرقة.