إنفلونزا الخنازير في سورية..انتشار المرض في مناطق المعارضة والنظام

إنفلونزا الخنازير في سورية..انتشار المرض في مناطق المعارضة والنظام

09 فبراير 2016
إنفلونزا الخنازير يهدد حياة أطفال سورية (فرانس برس)
+ الخط -

تشكو المدرسة السورية بيروين من ارتفاع نسبة تغيّب الطلاب في مدرستها بالقامشلي (تقع شمال شرق سورية)، إلى 50 بالمائة، إذ يخشى الأهالي إرسال أبنائهم إلى المدرسة، بعد تداول أخبار حول وفاة 20 شخصاً في المدينة بسبب الإصابة بإنفلونزا الخنازير H1N1.

تؤكد بيروين أن المدرسة اتخذت إجراء وقائياً، بمنع مداومة أي طفل مصاب بالإنفلونزا بشكل عام، حتى يشفى تماماً، إذ لا يمكن التأكد من إصابته بهذه الإنفلونزا الخطيرة أو عدم إصابته في ظل غياب الإمكانات الطبية.

تقول بيروين لـ"العربي الجديد": "بات الناس يخشون على أطفالهم من القدوم إلى المدرسة والتقاط العدوى المميتة، لدينا أعداد كبيرة من الطلاب، لا يمكن ضمان عدم انتقال العدوى، إذ يقال إن أكثر من 20 شخصاً مات بسبب بهذه الإنفلونزا".

اقرأ أيضاً: الدواء في زمن الحرب: التصدير مستمر وشحٌ في سورية

شائعات خاطئة حول أسباب الإصابة بالمرض

مع ارتفاع أعداد الوفيات بإنفلونزا الخنازير في العديد من المدن السورية، تزايدت معها المخاوف والإشاعات، وبالرغم من حلول الفصل الدراسي الثاني، إلا أن أعداد الطلاب الملتحقين بمدارس حلب وإدلب والحسكة والقامشلي ودرعا قلت بشكل كبير، بسبب الخوف من العدوى، وفق ما رصده معدا التحقيق.

وكانت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري قد أعلنت أن عدد الوفيات جراء الإصابة بمرض إنفلونزا الخنازير بلغ نحو 40 حالة وأن هناك أكثر من 185 إصابة تم تشخيصها، فيما امتنعت بعض المشافي التابعة لوزارة التعليم العالي في دمشق عن تزويد الوزارة بأي إحصاءات.

وتنتشر التحذيرات من المرض عبر مختلف وسائل التواصل في سورية، إذ قام عدد من الناشطين بتحذير السكان من مرض إنفلونزا الخنازير، وخطره، عبر مآذن المساجد في عدد من بلدات محافظة درعا، بعد أن صار حديث الجميع كما يقول، عبد الله السيد (اسم مستعار)، لأحد أهالي محافظة درعا، والذي قال لـ"العربي الجديد": "عندما أعلنت المساجد عن انتشار الإنفلونزا امتنعنا عن شراء أية مواد غذائية مجهولة المصدر، وامتنعنا عن أخذ مساعدات من المنظمات الدولية، خوفا من أن تكون سببا في نقل المرض، إذ يسود اعتقاد وشائعات بين أهالي درعا أن المرض ينتقل عبر أغذية ملوثة بالفيروس".

ويرى تاجر المواد الغذائية في درعا، رامي أحمد، أن انتشار المرض في المناطق الموالية للنظام يرجع إلى غياب الرقابة الصحية على أسباب انتشار المرض الذي يقول عليه الأطباء سهل الانتقال بين البشر، مضيفاً أن "المساعدات الإنسانية الغذائية هي ما شك به الكثير من أطباء محافظة درعا، إذ حذروا السكان من تناول أي من المساعدات المقدمة لهم، خوفاً من تلوثها بفيروس إنفلونزا الخنازير، محذرين من أن نقل الفيروس يتم عن طريق ملامسة أشياء المصاب أو التعرض للرذاذ أثناء العطاس والسعال، إلا أن الحالة الصحية باتت صعبة المتابعة مع الحالة الأمنية الصعبة، وهروب عدد كبير من الأطباء والممرضين بسبب الاعتقالات العشوائية".

لكن الطبيب عمار خالد (اسم مستعار لطبيب يعمل في الغوطة الشرقية)، رفض بقوة الشائعات المنتشرة بين أهالي درعا وعدد من المناطق السورية، بالحذر من انتقال الفيروس عبر الغذاء، واصفا إياها بالخاطئة وغير المتوافقة مع المعايير الطبية، إذ ينتقل الفيروس المعدي بواسطة الرذاذ المنتشر في الهواء عند التنفس أو السعال أو العطس، "لكن بعضهم ربط بينه وبين المساعدات المقدمة للأهالي وسط شائعات راجت وربطت بين إنفلونزا الخنازير وتدخل الإيرانيين والروس في سورية، وهذه أمور غير واقعة ولا أساس طبي لها"، كما يؤكد في تصريحات لـ"العربي الجديد".

وبحسب الطبيب خالد، فإن أعراض إنفلونزا الخنازير تختلف عن أعراض الإنفلونزا المعروفة، إذ تظهر أعراض الرشح العادية مع ارتفاع في درجة الحرارة ورعشة تصحبها كحة وألم في الحلق مع آلام في جميع أنحاء الجسم وصداع وضعف أو وهن عام. ويصاب بعض الأشخاص بإسهال وقيء، لكن الطبيب خالد حذر من أن هذه الأعراض عامة، ويمكن أن تكون بسبب أي من الأمراض الأخرى، قائلاً "حتى يشخص الطبيب الإصابة بإنفلونزا الخنازير يجب إجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية التي يتم عن طريقها تأكيد الإصابة بالمرض من عدمه".

اقرأ أيضاً: لقاح أطفال سورية.. جرعة الموت

المرض منتشر في مناطق النظام والمعارضة

تبلغ تكلفة تحليل إنفلونزا الخنازير نحو 6 آلاف ليرة سورية (15 دولاراً أميركياً)، فيما تبلغ تكلفة اللقاح نحو 4 آلاف ليرة سورية (10 دولارات)، وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة الصحة السورية، والتي تملك مخبراً واحداً في دمشق تتم فيه التحاليل لهذا المرض، ما يجبر الأطباء في كافة المحافظات السورية على إرسال العينات إلى دمشق، وانتظار نتيجة التحليل الذي يستغرق بضعة أيام.

وتصل نسبة المصابين بالفيروس في مراحله المتقدمة إلى نحو 22% ممن يراجعون المؤسسات الصحية السورية للاشتباه في إصابتهم بالمرض، وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة، والتي أكدت أن 5% منهم فقط أظهرت نتائجهم أنه يمكن إنقاذهم ولم يتطور معهم الفيروس إلى إنفلونزا الخنازير.

ولم يقتصر انتشار المرض في المناطق الموالية للنظام، إذ لفت عمار محمد، طبيب في مشافي الغوطة الشرقية، إلى تسجيل حالات إنفلونزا شديدة توفي على إثرها نحو 10 أشخاص بينهم نساء وأطفال، ولم يتمكن الطاقم الطبي من تحديد نوعية الإنفلونزا، نتيجة الحصار الشديد ونقص الأدوية، ما يؤدي إلى موت المريض، قائلا لـ"العربي الجديد": "منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات وقوات النظام والمليشيات الداعمة لها تضرب حصاراً خانقاً تمنع من خلاله إدخال الأدوية واللقاحات إلى الغوطة الشرقية".

ومع اعتراف حكومة النظام السوري بأن نسبة الوفيات في مشافيها عالية مقارنة بالنسبة العالمية، والتي تصل إلى نحو 2% من بين المصابين بالمرض إذا كانت الجائحة شديدة، إلا أن هذه البيانات لا يمكن تعميمها على سكان سورية، إذ إن تقييم هذا الأمر يعود إلى وزارة الصحة الحكومية إذا كانت الجائحة في البلاد شديدة أم ما زالت ضمن حدودها الطبيعية، فيما يغيب دور الوزارة عن مناطق كثيرة من البلاد.

وشككت مصادر في وزارة الصحة التابعة للنظام بأرقام الوزارة الرسمية، داعية إلى محاولة السيطرة على الحالات المرضية في كافة المناطق، لا سيما المنطقة الشرقية والشمالية.

ورصدت الحالة الأولى لإنفلونزا الخنازير في سورية في شهر كانون الثاني/ يناير لعام 2009، إذ تبينت إصابة مرافق لامرأة ثلاثينية قادمة من أستراليا تمت معالجتها في سورية، وظهر مجدداً في عام 2014، إذ أعلنت وزارة الصحة السورية عن إصابة 39 حالة والاشتباه في 117 حالة أخرى، ومؤخراً وثقت أولى حالات المرض في مدينة اللاذقية بعد وفاة الطبيب طوني سابا، البالغ من العمر 26 عاماً والعامل في مشفى تشرين العسكري، وبعدها تم الإعلان عن نبأ وفاة 6 مدنيين في مشافي حلب الخاضعة لسيطرة قوات النظام، في حين سجلت مشفى أطمة بريف إدلب الشمالي 3 حالات وفاة لأطفال سوريين، أصيبوا بالمرض.

اقرأ أيضاً: مصر.. لقاحات الحصبة تصيب أطفالاً بالالتهاب الدماغي

مصاعب التشخيص والعلاج

منذ بداية ظهور عدوى إنفلونزا الخنازير في سورية، والتي أطلق عليها شعبياً اسم الإنفلونزا "المميتة"، واجهت الطواقم الطبية والمؤسسات الصحية العاملة في مناطق سيطرة المعارضة صعوبات في تحديد حجم المشكلة وتشخصيها وحتى علاجها، ويعود هذا إلى صعوبة وضعف التنسيق في ما بينها؛ بسبب تقطع أوصال هذه المناطق وتعدد الجهات المسؤولة عنها، ما تسبب بغياب إحصائية جامعة لعدد الإصابات بهذا النوع من الإنفلونزا، أو تحديد دقيق لحجم المشكلة، واكتفت بتقدير عدد الوفيات بها بالعشرات.

وحتى نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي لم تستطع أي جهة طبية في مناطق سيطرة المعارضة تحديد سلالة الإنفلونزا المنتشرة، لأنها لم تستطع إجراء الفحوصات المخبرية لأي من المرضى، كما يقول الطبيب عبد الله الحافي من ريف حلب، قبل أن يضيف "لتحديد نوع الإنفلونزا نحتاج إلى إجراء تحليل لسلالتها، بعد أخذ مسوحات بلعومية للمرضى. في الواقع آخر مخبر كان يجري هذا النوع من الفحوصات في مناطق المعارضة كان في مشفى الكندي في حلب ودمّر منذ سنوات، لذا لم يكن بوسعنا التأكد من أنها إنفلونزا الخنازير".

وفي 30 من كانون الثاني/ يناير الماضي أعلن مركز الإنذار والرصد المبكر التابع لوحدة التنسيق والدعم (وحدة مستقلة لا تتبع الحكومة السورية المؤقتة)، أنه تلقى أخيراً نتائج فحوصات مخبرية لـ 4 مرضى بالإنفلونزا من مدينتي حلب وإدلب، تم فحصها في مختبر تركي، وجاءت نتائج عينتين إيجابية، إذ حملت إحداهما فيروس من النمط (أتش 1 إن 1) والأخرى فيروس كورونا، وأخذت العينتان من مريضين من مدينة عفرين في ريف حلب، فيما جاءت نتيجة عينتين أخريين تم الحصول عليهما من محافظة إدلب سلبية.

ويواجه المرضى في مناطق سيطرة المعارضة صعوبات في الحصول على العلاج المضاد للفيروس المعروف بـ"تاميفلو"؛ بسبب عدم توفره وصعوبة الحصول عليه بسبب إغلاق الحدود، كما يقول محمد أحمد من عفرين، والذي أصيب شقيقه بإنفلونزا شديدة قال له الأطباء إنها إنفلونزا الخنازير في الغالب لكن الدواء لم يكن موجوداً في الصيدليات، يضيف محمد لـ"العربي الجديد": "حاول أحد أقاربنا الحصول عليه من تركيا وكان الأمر صعباً جداً لأنه لا يصرف بلا وصفة طبية، مع هذا لم يستطع إرساله لنا لأن الحدود مغلقة ولم يسمح له بإدخاله، بعد فترة دخل عدد محدود من الأدوية وأعطيت للمرضى في الحالات الخطرة، كان أخي قد تحسنت صحته حينها، لكن نحو 8 آخرين ماتوا بسببها خلال شهر واحد".

من جانبه يوضح الطبيب عبدالله الحافي، أن أبرز الإجراءات الطبية التي تقوم بها الكوادر الطبية هي "محاولة عزل المريض في حال توفرت أسرة في المشفى، أو عزله في منزله، واتخاذ إجراءات الوقاية بالنسبة للكادر الطبي كالتعقيم المستمر ووضع الكمامات، وإعطاء المريض الأدوية المضادة للالتهاب والسيرومات، فمعظم المرضى الذين يصلون إلى المشافي أو النقاط الطبية يكونون في حالة حرجة جداً، ويعانون من التهابات تنفسية وإنتانات حادة".

اقرأ أيضاً: الأسرى المرضى في سجون الاحتلال.. حكاية موت معلن

الجميع اتفق على التكتم حول المرض

ووفقا لما وثقه معدا التحقيق، فإن الجهات الطبية المسؤولة في جميع المناطق، واجهت حالة الخوف المتزايدة من فيروس إنفلوانزا الخنازير بالتكتم والتقليل من أهمية العدوى المنتشرة، وإلى حين نشر نتائج العينات المخبرية استمرت الجهات الطبية المسؤولة في مناطق المعارضة بإعلان عدم تأكيد وجود إصابات بالإنفلونزا، وهو ما فعلته أيضاً جهات طبية مسؤولة في مناطق سيطرة القوات الكردية في كل من عفرين والقامشلي، واستمر مسؤولو حكومة النظام بدورهم في نشر التطمينات حول المرض، بالرغم من تزايد أعداد الوفيات في مناطق سيطرة النظام، وهو ما عده ناشطون في العمل الإغاثي عاملا مساعدا على نشر الجهل حول العدوى وبالتالي انتشارها بشكل أوسع.