الأسرى المرضى في سجون الاحتلال.. حكاية موت معلن

الأسرى المرضى في سجون الاحتلال.. حكاية موت معلن

23 ديسمبر 2014
1500 أسير يعانون المرض في سجون الاحتلال(فرانس برس)
+ الخط -

تسيل دموعها كلما ذكرت قصة ابنها حسن، الشهيد بسبب الإهمال الطبي المتعمد في سجون الاحتلال الاسرائيلي، في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي اعتقل الشهيد حسن الترابي -21 عاما- على يد الاحتلال الإسرائيلي، مكث حسن تسعة أشهر داخل المعتقل مصابا بسرطان الدم.

بصوت خافت حزين بدأت أم حسن تروي لـ"العربي الجديد" ما حصل مع ابنها الشهيد قائلة: "لم تشفع لحسن مناشدتنا بالإفراج عنه بسبب حاجته للعلاج، بعد خمسة أشهر من اعتقاله أصبح في وضع صحي غاية في الصعوبة، وعند عقد أول جلسة محاكمة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، طالبنا بالإفراج عنه لكن مصلحة السجون قالت لنا إنها تتابع وضعه الصحي وتجري له فحوصات شهرية، هذا الأمر تبين كذبه حين تدهور وضع حسن أكثر فأكثر بعد المحاكمة ثم استشهد".

"حالة حسن ليست فردية" هكذا تداخلت المحامية في وزارة الأسرى هبة مصالحة في الحديث، دأبت هبة على زيارة الأسير الشهيد حسن الترابي في مستشفى العفولة الإسرائيلي -شمال تل أبيب- تكشف هبة لـ "العربي الجديد" عن آخر الساعات في حياة الأسير حسن قبل استشهاده قائلة: "اشتكى حسن من أوجاع حادة في الرأس، وانتفاخ في البطن، وبدأ يتقيأ كميات كبيرة من الدم توجه بعدها إلى عيادة السجن، هناك لم يعطوه غير دواء "أكامول" مسكن بسيط للأوجاع".

وتتابع هبة مصالحة شهادتها نقلا عن طبيب الشهيد حسن في السجن، "وصل حسن إلى المستشفى في وضع يرثى له أصلا، تم اكتشاف انفجار بالأوعية الدموية في المريء لديه، ما تسبب في حصول ضغط عال في البطن أدى إلى تضخم في الكبد والطحال وباقي الأعضاء التي لم تعد تعمل كما يجب".

صرخات من وراء القضبان

الأسير خالد عبد الرحمن شبانة 36 عاماً، والمحكوم مدى الحياة، قضى 14 عاماً في سجون الاحتلال، على خلفية عمليات فدائية ضد الاحتلال، يروي لـ "العربي الجديد" من داخل معاناة سجن نفحة -جنوب النقب- معاناة الأسرى من الإهمال الطبي الذي يتعرضون له، ويؤكد أن الاحتلال تعمد قتل بعض السجناء، ونجح في بعض الحالات، مثل الأسير شادي السعايدة، الذي استشهد في 2008 بعد أن بدأ يعاني من دوران في الرأس، وقتها قال طبيبه إنه أعطي "إبرة" بالخطأ، نحن متأكدون أنها ليست خطأ، لاحتلال تعمد قتله، خاصة أنه محكوم 5 مؤبدات على خلفية عملية "عين عريك الفدائية" التي نجح خلالها في الإجهاز على 5 جنود إسرائيليين.

ويتذكر الأسير خالد رفيقه في السجن الشهيد وليد عمرو الذي استشهد في 25 فبراير/شباط 2003 نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرض له، وعدم إعطائه العلاج المناسب، إذ كان يعاني من أزمة صدرية حادة، ولم توفر له مصلحة السجون العلاج المناسب، "تركوه حتى استشهد إثر نوبة قلبية حادة عن عمر 38 عاماً" يقول خالد موضحا لـ"العربي الجديد" إن: الظروف الصحية التي نعاني منها سيئة للغاية، الغرف غير مؤهلة فلا تهوية ولا طعام ولا علاج، ووصل عددنا لأكثر من 500 أسير داخل نفحة ومعظمنا محكوميته عالية".

نحن بشر ولسنا أرقاما

لا يختلف حال خالد كثيراً عن رفيقه الأسير سامر عواد 36 عاماً، في سجن عسقلان، والمحكوم 30 عاماً، يعاني خالد من فشل في الكلية اليسرى يوجب أن يحصل على حقنة أسبوعيا، ومع هذا فإن سامر يؤكد لـ "العربي الجديد" من داخل محبسه أن "مصلحة السجون لا تعطيني الحقن المخصصة أسبوعيا، وتستبدلها بمسكنات أخرى، وإذا اشتد علي الألم تعطيني حقنة أو اثنتين في الشهر".

يواصل عواد حديثه، ويقول: "نحن لسنا أرقاما، الجميع يتعامل معنا هكذا، نحن لسنا بحاجة إلى دروع شكر وتهنئة، بل نريد وقفة حقيقية جادة معنا ومع قضيتنا، قضيتنا ليست راتبا شهريا لنا ولذوينا، فأنا معتقل منذ 16 عاماً لم يقم أحد بزيارة عائلتي، هناك أكثر من 17 أسيرا معي في المعتقل، يعانون من أمراض مزمنة، ولا أحد يهتم لأمرهم وهم في حاجة للمساعدة، فماذا ستفيدنا الشعارات والخطابات عندما تزهق أرواحنا؟".

سنواصل..

الأسير محمود عمرو محكوم بالمؤبد على خلفية إطلاق نار على دورية إسرائيلية، يعاني هو الآخر من مشاكل صحية متعددة، ويؤكد من داخل سجن النقب لـ "العربي الجديد" أنه يخفي ورفاقه في المعتقل معاناتهم عن ذويهم، ويتابع: "تبين بعد فترة طويلة من المعاناة أن لدي ورما في الأمعاء ويجب استئصال 65 سم منها، في البداية كانوا يحضرون لي المسكنات ويقولون إن لدي التهابات، حتى ازدادت حالتي سوءا وتبين أن لدي ورما وبحاجة لاستئصال، ومع هذا فما زالت سلطات الاحتلال تماطل ولا تعطيني العلاج اللازم، ولم أخبر أحدا من عائلتي خشية عليهم وخاصة على أمي التي لا تحتمل صحتها النبأ، ولكن يجب أن يرى العالم بشاعة الاحتلال وجرائمه بحقنا لذلك سننقل الحقيقة ولو فقدنا أرواحنا".

من سجن نفحة أفاد الأسير جمعة الصباح والمحكوم بـ 27 عاما أنه يعاني منذ فترة طويلة من التهاب في الأذن اليسرى ولم يتم علاجه، مشيراً إلى أن الأدوية التي يأخذها لم تؤد إلى نتيجة وأن الآلام انتقلت إلى الأذن اليمنى ويخشى من تفاقم وضعه الصحي.

حال جمعة يشبه حال رفيقه سامر عواد والمحكوم 17 عاما حيث أكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه يعاني من وجود جرثومة في الكبد وحصوة في المعدة، وأن الفحوصات التي أجريت له أفادت بوجود تعفن في الكبد لديه، وأن الأطباء قرروا إجراء ثلاث عمليات جراحية له، بعد تدهور حالته الصحية ونقله إلى مستشفى "آساف هروفيه" وتم إعطاؤه أدوية للمعدة، تسببت له بحالة من الهزال والنعاس الدائم ولم تجر له العملية حتى هذه اللحظة".

توثق مؤسسة الضمير الحقوقية الفلسطينية من خلال زيارات محاميها إلى الأسرى 120 حالة مرضية في صفوف الأسرى، يتضح من خلال شهادات الأسرى وتقاريرهم الطبية، أن تدهور حالتهم الصحية مرده عدم احترام مصلحة السجون الإسرائيلية حقوق الأسرى الطبية، وفي مقدمتها حقهم في إجراء الفحوصات الطبية والشهرية والسنوية.

تدهور مستمر

وثق الباحث الحقوقي في مؤسسة الضمير أيمن كراجة في عام 2012 ارتفاع عدد شهداء الإهمال الطبي إلى 51 أسيرا قضوا داخل السجون الإسرائيلية، وكشف كراجة لـ"العربي الجديد" عن وجود ما يزيد على 700 حالة مرضية في صفوف الأسرى، بينهم 120 أسيرا بحاجة إلى عمليات ضرورية وعاجلة، و85 أسيرا يعانون من إعاقات مختلفة، جسدية وذهنية ونفسية، و116 آخرون يقيمون بشكل دائم في سجن الرملة، و16 أسيرا مصابون بالسرطان ولا تقدم لجميعهم العلاجات اللازمة، وهذا ما يجعل صحتهم في تراجع مستمر".

بحسب كراجة فإن عام 2012 شهد استشهاد أسيرين عقب الإفراج عنهما نتيجة تفاقم أوضاعهما الصحية داخل السجون، بسبب تعمد مصلحة السجون الإهمال الطبي بحقهما وهما الأسير الشهيد زكريا داوود 43 عاما، والأسير زهير لبادة الذي استشهد بعد أسبوع واحد من الإفراج عنه في 31 مايو/أيار لدواع طبية، بعد توغل المرض بكل أنحاء جسده، وفقده قدرته على الحركة.

ويتداخل الباحث القانوني في مؤسسة الضمير مراد جاد الله في الحديث مبينا لـ"العربي الجديد" أنه في عام 2013 استشهد أربعة أسرى معتقلين، منهم من قضى تحت التعذيب، ومنهم من فارق الحياة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد داخل السجن، أو بعد فترة وجيزة من الإفراج عنه نتيجة تدهور وضعه الصحي.

ويحدد جاد الله الحالات قائلا "في شهر أبريل/نيسان استشهد الأسير ميسرة أبو حمدية 64 عاما والمحكوم مدى الحياة، في مستشفى "سوروكا" حيث كان يعاني من سرطان في الحنجرة اكتشف قبل أسابيع من استشهاده، وكذلك الأسير أشرف أبو ذريع 27 عاما الذي استشهد في يناير/كانون الثاني بعد تدهور حالته الصحية وإصابته بفيروس في الرئة، وكان قد فقد قدرته على المشي في سنوات اعتقاله الأولى بسبب عدم تقديم العلاج له حيث كان يعاني من مرض ضمور العضلات، وعرفات جردات 30 عاما والذي استشهد في سجن مجدو بتاريخ 23 فبراير نتيجة تعرضه للتعذيب الشديد بعد 6 أيام من اعتقاله، وكذلك الحال بالنسبة للأسير حسن الترابي 21 عاما والذي استشهد بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني نتيجة إصابته بسرطان الدم، وتعمد مصلحة السجن عدم تقديم العلاج له".

إسرائيل تخرق 35 بنداً من الاتفاقات الدولية

يؤكد الباحث القانوني في مؤسسة الحق ناصر الريس أن مصلحة السجون الإسرائيلية تتنكر لحقوق الأسرى والمعتقلين في الرعاية الصحية والطبية، وخاصة المواد الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة وعلى رأسها المادة 91 والمادة 92 اللتان تنصان على وجوب توفير عيادة مناسبة يشرف عليها طبيب مؤهل في كل معتقل، وأن يحصل المعتقلون على ما يحتاجونه من رعاية صحية، وكذلك تركيب أي أجهزة طبية ضرورية للمحافظة على صحتهم بشكل مجاني.

ويتابع أن سلطات الاحتلال تلزم الأسير المريض بدفع جزء من نفقة تكاليف علاجه، الأمر الذي يؤكد مضي قوات مصلحة السجون في التنصل من التزاماتها باعتبارها "القوة الحاجزة" إزاء حقوق الأسرى الصحية والطبية والغذائية.

ويكمل الريس قائلا "اخترقت إسرائيل 35 بنداً من بنود الاتفاقيات الدولية التي تمنع التعذيب منذ لحظة اعتقال الأسرى حتى استجوابهم، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تتفنن في التحايل على القانون الدولي والإنساني لتحطيم الإنسان الأسير، وأنها استغلت جراح ومرض الأسرى لانتزاع الاعترافات منهم".

تخوفات من سقوط شهداء جدد

يحذر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع من سقوط المزيد من الشهداء في صفوف الأسرى المرضى في سجون الاحتلال بسبب أوضاعهم الصحية الصعبة، وتفاقم الأمراض في أجسادهم، وتعرضهم لإهمال مقصود من قبل إدارة وأطباء سجون الاحتلال.

يضيف قراقع لـ"العربي الجديد" أن عدد الأسرى المرضى وصل إلى 1500 حالة منها 80 حالة في وضع صحي خطير، بينهم مصابون بأمراض خبيثة، وشلل وإعاقة، إضافة إلى حالات مصابة بأمراض نفسية وعصبية، ولا تتلقى العلاجات اللازمة، وهؤلاء علينا جميعا التدخل لدى الجهات الحقوقية والإنسانية الدولية سريعا لوضع حد لمأساتهم.