لم تكن عملية تحرير الرهينتين الفرنسيتين ومعهما رهينتان، واحدة أميركية وأخرى كورية جنوبية، في دولة بوركينا فاسو، سهلة، على الإطلاق. هذا ما خرج من تصريحي رئيس الأركان الفرنسي، فرانسوا لوكوينتر، ووزيرة الجيوش، فلورنس بارلي، مساء أمس الجمعة.
وليس هذان المسؤولان وحدهما من تحدّثا عن العملية باعتبارها "إنجازاً"، إذ إن المكلّف السابق بالعلاقات الدولية في أركان البحرية، جان لويس فيشو، أكّد أيضاً، في تصريح لإذاعة "فرانس إنفو"، أن ما يجعل من العملية إنجازاً هو أنه "من أجل أن يتم التأكد من عدم المساس بالرهائن، توجَّه جنودُ النخبة إلى لقاء العدو، فحدث التحام، وفي هذا الالتحام، خسر الجنديان".
وأوضح أن "ما هو صعب تحقيقه، وجود الجنود في وضعية لم تكن متوقعة، في البداية".
وعدّد فيشو المراحل التي استغرقها الإعداد لبدء الهجوم، من نشر إمكانات من أجل معرفة مكان وجود الرهينتين، واكتشاف المكان، إلى التتبع والإعداد لعملية الإنقاذ، أي إيصال وسائل التدخل، مروراً بضع هذه الوسائل على مقربة من الخاطفين، وصولاً إلى وضع الإمكانات في المكان الملائم حتى تتم العملية في الوقت المناسب.
وبين أنّ من مهام "كوماندو هوبير"، الذي ينتمي إليه الجنديان، سيدريك دويباربون وألان بوتنسيلو، هو القتال تحت الماء، مستدركاً "لكن ما حدث في العملية الأخيرة تطلب القيام بعمليات إغارة والذهاب للبحث عن الرهائن وسط مختطفيهم واستخراجهم".
وكشف المكلّف السابق بالعلاقات الدولية في أركان البحرية أن الجنديين كانا معتادين على العمل في ظروف بالغة الخطورة، خاصة في الصحراء، على اعتبار أنها شهدت العديد من العمليات الخاصة.
وأضاف "لقد بدأ الأمر في أفغانستان ثم تواصل منذ خمس سنوات في منطقة الساحل. وكلاهما كان من أفراد الكوماندوس المعترف بمهاراتهم".
وبرر فيشو مقتلهما بكونهما "توجها للقاء العدو، بشكل مباشر، من دون فتح النار، بشكل مسبق، خلافا لما هو معتاد، حيث يتم إلقاء القنابل بشكل مكثف، من أجل التقليل من الخسائر، ثم يتم لاحقاً الذهاب لرؤية ما تبقى ممن هم في حالة الدفاع"، ولكن ما حدث هو النقيض.
وأوضح "تقررت مهاجمة أناس يتمتعون بصحة جيدة، عبر محاولة مفاجأتهم. وكانت مرحلة الاقتراب من 200 متر مكشوفة. تخيلوا، رجال يزحفون في الليل، ولا يوجد ما يمكن أن يحتموا خلفه، ولا يملكون سوى احتراسهم السمعي والبصري. ثم اقتربوا مسافة 10 أمتار من الملاجئ الأربعة. ولاحظوا أن أفراد العصابة موزعون بين هذه الملاجئ، فقرروا مهاجمتها جميعاً، من قبل أربع مجموعات. وسقطت إحدى المجموعات وجهاً لوجه أمام رجال متمرّسين. فحدث التحام، وخسروا".
ويبدو من خلال مختلف التصريحات أن نوعاً من الوحدة يلف الموقف الشعبي والرسمي الفرنسي، إذ لم يصدر ما يوحي بوجود خطأ ما كلَّف حياة جنديين من قوات النخبة الفرنسية، إلا أن بعض اللوم وجّه على الرهينتين، بسبب وجودهما في منطقة محفوفة بالمخاطر. وهو موقف وزيرة الجيوش، فلورنس بارلي، أمس، وموقف وزير الخارجية جان إيف لودريان، صباح اليوم السبت، الذي أسف، في تصريح لإذاعة "أوروبا1" على "المخاطر الجسيمة"، التي تحملها المسافران الفرنسيان.
وأوضح لودريان أن "المنطقة التي كان فيها مواطنانا تعتبر، منذ فترة ليست قصيرة، منطقة حمراء، أي منطقة لا يجب التوجه إليها، وحيث يتحمل المرء فيها مخاطر كبيرة".
وفي إشارة إلى الخسائر الفرنسية، شدد لودريان على وجوب اتخاذ الحيطة الكبرى "من أجل تجنب حدوث عمليات الخطف، ومن أجل تجنب تضحيات جنودنا".
إذن نوع من الإجماع على نجاح العملية التي أنقذت رهائن فرنسيين، وقد ساهمت مسارعة رئيس الأركان الفرنسي فرانسوا لوكوينتر إلى تقديم تفاصيل العملية، من دون أن يخفي مظاهر التأثر لفقدان اثنين من جنوده، في استيعاب الرواية الرسمية، التي لم تكشف بعد عن هوية المختطفين، وإن كانوا من تنظيم "داعش" أو من "القاعدة"، كما لم تكشف عن سبب قدرة اثنين من الخاطفين على الإفلات من قوات فرنسية كبيرة العدد.
واعترافاً من الرئيس إيمانويل ماكرون ومن القيادة العسكرية بهذا "الإنجاز الكبير" وبمدى تضحية الجنديين القتيلين، فإنه ستنظم مراسم تكريم رسمية للجنديين، في مُجمّع ليزانفاليد حيث يرقد نابليون بونابرت. وهذا التكريم يحظى بتأييد كلّ القوى السياسية الفرنسية وعموم الفرنسيين.