أندرسن.. القبيح الذي جعل العالم أجمل

أندرسن.. القبيح الذي جعل العالم أجمل

02 ابريل 2014
تمثال أندرسن في "سنترال بارك" - نيويورك
+ الخط -
 
كان الكاتب الدانمركي هانس كريستيان اندرسن قبيحاً، باعترافه شخصياً، وكان هذا يؤلمه.

حين كتب "فرخ البط القبيح" كان يقصد نفسه، الطفل المنبوذ الذي كانه. ربما كتب هذه القصة بحساسية مفرطة لأنه أحبّ نهايتها، وأراد وهو يسطر تحوّل ذلك الفرخ إلى بجعة جميلة مواساة نفسه، قبل أن يقصد جمع أجمل القصص الشعبية الأوروبية وحفظها من الضياع، ومن دون أن يعرف أنه وضع لبنة أدب الأطفال العالمي، وأنه سيصبح ملهم الفنون الأخرى، من تأليف الأغاني والدراما إلى المسرح والسينما، وتحديداً فنّ الرسوم المتحركة.

بعد شتاء قاس طويل (نعرف كم يطول في الدول الاسكندنافية) وبعد تحمل الاهانات والتحقير والنبذ، أتى الربيع وتحول فرخ البط القبيح إلى ذكر بجعة تنادى الجميع لرؤية جماله وإنصافه.
حلم أندرسن أن يكون له مصير بطل تلك القصة الاسكندنافية الشعبية، وقد نالها، وإن بعد وفاته، لكن المهم انها تتجدد حتى اليوم في أشكال شتى، بينها الاحتفال السنوي العالمي بيوم مولده الذي يصادف اليوم، وتخصيص هذا اليوم ليكون "اليوم العالمي لكتاب الطفل"... ولن يكون آخرها النجاح الحالي الباهر لفيلم الرسوم المتحركة frozen المقتبس عن قصة أخرى كتبها أندرسن عام 1845 من وحي التراث الاسكندنافي هي "ملكة الثلج". حقّق الفيلم خلال أشهر عرضه الخمسة حول العالم أعلى الايرادات، وفق بيان أصدرته شركة ديزني لانتاج الأفلام أمس، أعلنت فيه أنّ إيرادات الفيلم هي الأعلى بين كلّ أفلامها لليوم، وهي تخطّت المليار دولار! وهي أيضاً ضمن أعلى 10 ايرادات في هوليوود.

أرقام مذهلة تعزّز نجاج الفيلم الذي حظي أيضاً بإعجاب النقاد، ونال جوائز عالمية عديدة بينها أوسكار أفضل أغنية فيلم رئيسية، وأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة وغولدن غلوب وبافتا وآني عن الفئة نفسها...

ليست هذه المرة الأولى التي تقتبس فيها ديزني حكايات أندرسن الاسكندنافية وقصص بيرو الفرنسية وقصص الأخوين غريم الألمانية مثل: بياض الثلج والأقزام السبعة، سندريلا، عروس البحر الصغيرة، الأميرة والضفدع، رابونزل، الخنازير الثلاثة والذئب، فرخ البط القبيح، الفرخ الخواف ... ومعها قصص من وحي "ألف ليلة وليلة" مثل "علاء الدين" ومن التراث الصيني مثل "مولان" وتراث الهنود الحمر مثل "بوكاهنتس"... حتى لكأن هذه الحكايات التي كانت نواة أدب الأطفال العالمي لا تزال منذ مئات السنين الى اليوم المنبع الأوفر والأغنى لسينما الأطفال وأحياناً الكبار، اذ سبق للسينما أن استلهمت هذه القصص نفسها في أفلام للبالغين منها: ريد رايدينغ هوود، الأخوان غريم، حكاية سندريلا...

نجاح فيلم "فروزن" يعدّ هدية رائعة لأندرسن في ذكرى مولده التاسعة بعد المئتين، ويبقى أن نلفت إلى أن الصياغة السينمائية الحديثة لقصة "ملكة الثلج" التي سبق أن قدّمت مرات عديدة مسرحاً ورقصاً ورسوماً متحركة، استغرقت سنوات باعتراف منتجي ديزني أنفسهم، الذين وجدوا صعوبة في تحويل القصة التي اقتبسها اندرسن من التراث إلى فيلم بشروط سينما اليوم، وفي محاولة لايجاد أبعاد طيبة في شخصية تلك الملكة الشريرة اضطر المؤلفون الى تغيير القصة جذرياً، ولكنهم رغم ذلك احتفظوا باسم أندرسن مستثمرين عبقريته وشهرته وأيضاً مكرّمين ذكراه.

سنة حلوة يا أندرسن... حلوة كمذاق اللحظات التي منحتها لأطفالنا ولنا ولفنّ التحريك القادر على ابهارنا كأنه آتٍ من عالم خيالي أزلي كدنا نيأس من وجوده. 

المساهمون