أعترف.. كنت مريداً لعلي جمعة! [2 /2]

أعترف.. كنت مريداً لعلي جمعة! [2 /2]

19 ديسمبر 2015
مفتي مذبحة رابعة (Getty)
+ الخط -
25 يناير.. بداية السقوط
انطلقت ثورة يناير وكان أبرز ما فيها تلك العِمم البيضاء التي نزلت إلى ميدان التحرير لتشارك الثوار ثورتهم ضد الفساد، كنت أسير في الميدان متمنيا أن أرى "جمعة" بين هؤلاء الأزاهرة العظام ومنهم الشهيد عماد عفت، رحمه الله، لكنني لم أره، ولأيام طويلة منذ أن اندلعت الثورة، وذات مساء أخبرني صديق أن جمعة قد ألقى تصريحا صحافيا بالأمس، بحثت عن التصريح بشوق، لكنني لم أصدق ما رأته عيناي إلا عندما سمعته بأذني "الخروج على مبارك حرام والثورة فتنة لعن الله من أيقظها"! أصابتني دهشة جعلتنى أجلس مصدوما على أقرب رصيف قابلني، أهذا علي جمعة حقا، أم مخبر في أمن الدولة خرج يقرأ من ورقة كتبت له!.


أصبحت كلما تجولت في الميدان أسمع همسا هنا وهناك وأصوات تصب اللعنات على "مفتي السلطة" الذي جعل الثوار"خوارج على الحاكم"، لم أستطع أن أفتح فمي بكلمة وأنا الذي خضت المعركة تلو الأخرى دفاعا عن الرجل في أكثر من موقعة، بل كدت أخسر بعض الأصدقاء في دفاعي عنه، كنت كمن سقط درعه في ميدان المعركة واستسلم لضربات السيوف.

ترميم الصنم
جرف تيار الثورة في طريقه كل تلك القمامة التي جمعها مبارك طيلة سنوات حكمه الثلاثين، كان جمعة من هؤلاء الذين سقطوا من أعين الكثيرين بتصريحاته الجدلية أثناء الثورة، وكنت واحدا منهم، لكن ظل بداخلي شعور بحنين ما إلى ذلك "الأزهري الأول" الذي طالما قبلت يده، وأنا أرى فيه قبسا من نور الأولين وقتها، حنين جعلني مع أول تصريح خرج فيه جمعة منافقا للثورة والثوار بعد رحيل مبارك ألتمس له العذر، وأجد قدمي مرة ثانية تحملني هذه المره للمسجد الذي بناه جمعة في الحي المتميز خلف قصره المنيف في مدينة السادس من أكتوبر.

جلست في احتفال بالمولد النبوي أتفحص وجه جمعة علني أجد إجابات شافية عن تلك الأسئلة الحائرة في رأسي.. من أنت؟ كنت كمن يرمم صنما ما بداخلي شيدته للرجل طيلة عقد من الزمان، كنت أفتخر فيه أنني "تلميذ" لهذا الشيخ، وكم هي المرات الذي أخذت فيها الأصدقاء والأقرباء وحتى أطفالي وزوجتي، التي لم تكن ترتاح له لكنها كانت تجاريني، أخذتهم إلى مجلسه، لكن ذلك الصنم المرمم لم يدم طويلا.

30 يونيو .. في أحضان السلطة
منذ اللحظات الأولى لاندلاع مظاهرات الـ 30 من يونيو، لم يكن يراودني شك في أن جمعة سيقف مع الدولة العميقة التي هو جزء منها ولا شك، أبدع الرجل هذه المرة وهو يكيل المدح لـ 30 يونيو في إحدى مداخلاته التلفزيونية: "من يعارض ثورة 30 يونيو خارجي، لأن الشعب كله أجمع على خلع مرسي والجيش معه، وأضاف جمعة سهما مسموما باستشهاده بحديث (إذا كنتم جميعا على رجل وجاء من يريد أن يفرقكم فاقتلوه كائنا من كان)! كنت من القلائل الذين أدركوا خطورة ما يقوله الرجل إن وصل إلى صناع القرار ومن يمسك بالزناد في الشوارع، شعرت بأن جمعة قد تحول هذه المرة لحربة في يد السلطة تضرب بها معارضيها باسم الدين، لكنه ربما لم يحن وقت استخدامها بعد.

اضرب في المليان!
كان ما كان وسفكت دماء المصريين أمام الحرس الجمهوري، أصبح هناك "استحلال" للدم علني هذه المرة في ميادين القاهرة، كان عدد الشهداء هائلا وطريقة قتلهم بشعة، بها أكبر قدر من الغدر والرغبة في القتل وإسالة الدماء، سيطر الذهول والصدمة على الجميع من أين أتت تلك الجرأة في الخوض في دماء المصريين، كنت نائما في منزلي في صبيحة يوم الحرس الجمهوري، فأيقظني اتصال من صديق يخبرني بالمذبحة، وأذكر أنني انهرت وأنا أفتح الفيسبوك وأرى صور الشهداء وحجم الإصابات، وأخذت أردد "إزاي .. ليه ؟ لكنّ فيديو قصيرا مسربا من داخل هيئة الشؤون المعنوية لجمعة، أجاب عن كل تلك الأسئلة وأزاح الدهشة جانبا، اضرب في المليان!

شاهدت بنفسي هذه المرة وجها جديدا لجمعة لم أره مطلقا من قبل، وجها شيطانيا وقف يخطب مستخدما ألفاظا عامية منحطة تدعو الضباط والعساكر لقتل إخوانهم في الوطن بدلا من حمايتهم، "ناس نتنة ريحتهم وحشة.. طوبى لمن قتلهم وقتلوه.. اضرب في المليان".. وكانت أول مرة في حياتي منذ عرفت الرجل أكيل له السباب واللعنات.

ولجمعة من دم رابعة نصيب
كمريد لـ"الشيخ" اهتممت يوما برؤيا رأيتها ولم تمح من ذاكرتي لجمعة، وأذكر أنني قصصتها على من أثق في دينهم ونصيحتهم فكان تأويل الرجل صادما لي خاصة أنها جاءت قبل سنوات السقوط لعلي جمعة، قال لي الرجل نصا مؤولا للرؤيا: "سترى من علي جمعة ما يميت حبك له في قلبك"! استنكرت وقلت ربما لأن الرجل لا يحب جمعة أوّلها كذلك، مرت الأيام سريعا واستدعيت ذلك التأويل وأنا أبكي شهداء رابعة، نعم مات حب الرجل في قلبي منذ مذبحة الحرس الجمهوري، لكنه وُئد يوم رابعة، فصرت كلما رأيت وجهه أرى الدماء كأنما تنضح من يده وتلطخ عمته.

"أكد ضابط قناص في وزارة الداخلية أن الدكتور علي جمعة - مفتي الجمهورية السابق - زارهم في المعسكر، وأفتى لهم بوجوب قتال الإخوان باعتبارهم "خوارج"، وأن قتل الإخوان أفضل من قتال اليهود.

وأكد الضابط أنه "أخذ بفتوى علي جمعة، وقتل 80 شخصا من الإخوان"، موضحا أنه شعر بالذنب، فذهب لأحد شيوخ الأزهر وأخبره أنه لا ينام، فاتصل بجمعة ليتأكد من فتواه، فقال له "هات الضابط أبوس دماغه على اللي عمله".

انتشر هذ الخبر على شبكات التواصل الاجتماعي ولم ينكره أحد، فالشواهد كثيرة على أن جمعة هو مفتي مذبحة رابعة بلا شك.

توبة المريد من اتباع العبيد
علمتني تلك التجربة درسا قاسيا، سقطت فيه أقنعة كثيرة، وسقطت معها قناعات أكثر، فلم أعد أعطى ثقتي المطلقة لأي "عِمّة" مهما كان تاريخها أو حاضرها، ولم أعد أنحني لأقبل أي يد إلا يد والدي، أعلنت توبتي من اتباع البشر والاقتصار على أن أكون مريدا لله فقط، فلا تؤمن الفتنة على الحي.

اقرأ أيضاً: كنت مريداً لعلي جمعة [1 /2]

(مصر)

المساهمون