أطفال الحرب في اليمن

أطفال الحرب في اليمن

05 ابريل 2015
الحرب تسلب أطفال اليمن فرحتهم (همدان العليي)
+ الخط -
فجأة، وجدت ابتسام حميد، (12 عاماً)، نفسها في الشارع بين أكوام من الحجارة والتراب، بينما كسر أنفها وأصيبت بجروح كبيرة في شفتيها. من حولها كانت تسمع صراخاً وأنيناً، فيما حال الغبار الكثيف دون أن تدرك ما يحدث. نهضت بوهن، وعندما تبينت المشهد رأت حطام المنازل التي دمرتها غارة جوية في أوائل عمليات "عاصفة الحزم" على قاعدة الديلمي الجوية شمال العاصمة اليمنية، صنعاء، القريبة من منزل أهلها.

تقول لـ"العربي الجديد": "كنت عطشانة عندما استيقظت. الحجارة والتراب فوقي والدم ينزف من أنفي وشفتي". وعندما رأت حطام منزل أهلها ومنازل الجيران، بدأت بالصراخ. لتعلم بعدها من المسعفين أنّ والدها ووالدتها وشقيقاتها الأربع دفنوا في أنقاض المنزل.

حملها المسعفون بسيارة إلى مستشفى الروضة. تقول: "كنا ثلاثة في السيارة. على يميني رجل يصرخ من ألم في ظهره، وعلى يساري طفل نائم، والتراب يُغطي جسده". وتضيف في إشارة إلى أهلها: "لم يكن أحد منهم معي".

لكنّ العائلة المؤلفة من أب وأم حامل وخمس بنات وابن واحد، بقي منها إلى جانب ابتسام شقيقتها الكبرى المتزوجة التي لم تكن معهم، وشقيقها أسامة (13 عاماً). بدوره، وجد أسامة نفسه مرمياً في الشارع عندما استيقظ، وفوق ساقيه حجر ضخم. كان يصرخ من الألم ويسمع صراخ النساء والأطفال. يقول: "شعرت بألم شديد في رجليّ في البداية، وأحسست بصعق كهربائي ضربهما. وفي المستشفى، طلبت من أحدهم الاتصال بزوج أختي، بعد أن عرفت أنّ أهلي ماتوا جميعاً، فاكتشفت حينها أنّ شقيقتي ابتسام بخير".

وجد المسعفون أسامة وابتسام بعيدين عن منزلهما. ويبدو أنّ ضغط انفجار الصاروخ ألقى بهما خارج المنزل المدمر على رؤوس ساكنيه.

أصيب أسامة بكسر في قدمه وابتسام بكسر في الأنف وتمزق في الفم. وأخرجهما الأطباء من المستشفى، رغم الحاجة لبقائهما، بحجة عدم وجود أسرّة كافية. ويعيشان اليوم مع شقيقتهما الكبرى المتزوجة.

تشبه مأساة ابتسام وأسامة عشرات المآسي الأخرى، التي أصابت الطفولة في مقتل، من جراء مسلسل العنف الذي يدور في اليمن بلا توقف. وخلال أسبوع فقط على بداية "عاصفة الحزم"، قتل ما لا يقل عن 62 طفلاً ، وأصيب 30 آخرون. وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإنّ الحروب خلفت أضراراً بالغة بالخدمات الصحية الأساسية والتعليم في اليمن. كما أنّ أعمال العنف والنزوح تسبب الهلع في نفوس الأطفال. وتضيف المنظمة في تقريرها: "الأطفال اليمنيون، الذين قضوا في هذه الغارات وحرب المدن الدائرة حالياً، أكثر عدداً من الذين سقطوا ضحايا عام 2004 (حرب صعدة الأولى)".

ويشعر كثير من الأطفال، الذين يعيشون في صنعاء اليوم، بالخوف الناتج عن سماع الانفجارات، وإطلاق النار المتكرر والكثيف، خصوصاً في ساعات الليل.

من جهته، غادر محمد عبد الغني، وهو أحد سكّان صنعاء، مع أسرته، منزلهم المجاور لإحدى التلال التي نصبت عليها مضادات الطيران. ويقول: "كانت أصوات طلقات مضاد الطائرات تخيف أطفالي، فلا ينامون. وفي مرات كثيرة يبكون من الذعر". ويشير إلى أنّ أحد أطفاله يبقى في أحضان والدته من الخوف، طوال سماعه أصوات المضاد.

ويعبّر عبد الغني عن خشيته على مستقبل أطفاله، خصوصاً مع علمه بأنّ خوفهم قد يسبب لهم مشاكل نفسية تلازمهم طوال حياتهم. وهو ما دفعه إلى نقل أسرته من المنزل الذي يسكنونه منذ سنوات طويلة.

وفي هذا الإطار، تؤكد المختصة النفسية، هند ناصر، لـ"العربي الجديد"، أنّ كثيراً من أطفال اليمن يعاني من مشاكل نفسية تصيبه بسبب سماعه أصوات الانفجارات القوية. وتلفت إلى أهمية اطلاع الآباء على أساليب معالجة الانعكاسات النفسية السلبية على الأطفال بسبب الحروب وأصواتها. كما تشدد على ضرورة "استقطاع وقت كبير من وقت الآباء والأمهات للجلوس مع أطفالهم في هذه الظروف".

من جانبه، يؤكد رئيس منظمة "سياج"، المهتمة بحقوق الأطفال، أحمد القرشي، أنّ أطفال اليمن هم أكثر المتضررين من الحروب والصراعات القائمة حالياً على مختلف المستويات. ويشير إلى أنّ الأضرار التي تطال الأطفال كثيرة ومتعددة، ولا تقتصر على القتل والإصابات الجسدية. ويفسر: "تنزح أسر كثيرة من أماكن سكنها، ويترك الأطفال مدارسهم. كما أنّ كثيراً من الأسر يقطن في مخيمات، وفي بيئات غير صحية لا يتوافر فيها الغذاء الكافي".

ويشير القرشي إلى أنّ الكثير من الأطفال يعانون من صدمات نفسية لا يشعر بها الآباء، وأنّ هذه الصدمات بحاجة إلى علاج مستمر، وإلاّ ستلعب دوراً سلبياً في تكوين شخصية الأطفال في المستقبل.

كما يعبّر القرشي عن حزنه لعدم توافر "الدعم النفسي للأطفال، الذين يتعرضون لمشاكل نفسية بسبب الصراعات المستمرة في محيطهم". ويشير إلى أنّ اليمن يفتقر إلى المراكز المعنية بتقديم الدعم النفسي للأطفال. كما يوجه من خلال "العربي الجديد" نداء لدول التحالف ولجماعة أنصار الله، على حد سواء، لتجنيب الأطفال والمدنيين الصراع الدائر حالياً، وتوفير مواد إغاثية والسماح بعبور المحتاجين.