أصدقاء لغتنا: مع عزّت مرانجوز أوغلو

أصدقاء لغتنا: مع عزّت مرانجوز أوغلو

06 سبتمبر 2020
عزّت مرانجوز أوغلو (تصوير: فاطمة نور)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "القارئ التركي قريب دائمًا من القضية الفلسطينية" يقول المترجم التركي في لقائه مع "العربي الجديد".


■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

- وُلدت عام 1974 في مدينة أنطاكية بين أسرة تتكلم اللغة العربية. أبي من أصل عربي وأمي عربية أيضاً من أصل تركي. بدأت علاقتي باللغة العربية من خلال البيئة والقرية التي تربيت فيها. حيث كان كل من حولي يتكلم ويتعامل ويتواصل بهذه اللغة. بدأت علاقتي بالعربية كسائر أطفال القرية منذ ولادتي. فالعربية كانت مركز حياتنا اليومية صغارًا وكبارًا. كانت العربية لغة فرحنا وحزننا وطعامنا وشرابنا وألعابنا وكل شيء يحيط بنا من ماء وجفاف وورد وشوك وجبل وسهل وحيوان ونبات؛ كل الأسماء كانت عربية.

وأما العربية الفصحى فبدأت علاقتي بها من خلال أفلام الكرتون التي كنت أشاهدها عبر التلفزيون العربي السوري ببيت الجيران آنذاك. ثم أرسلتني جدتي في عطلة الصيف إلى شيخ الكتاب في القرية. تعلمت القراءة والكتابة عند الشيخ وحيد رحمة الله عليه. وختمت القرآن الكريم عنده. كانت أمي وجدتي تحثاني وإخوتي دائما على تعلّم العلوم الإسلامية عامة واللغة العربية خاصة. فكنت أجمع أوراق الروزنامة من هنا وهناك لكي أقرأها لهما وأنال إعجابهما وأدخل البهجة والسرور عليهما. وأعقب هذه المرحلة مشاهدة الأفلام الأجنبية المترجمة المكتوبة بالعربية. ثم انتهت مرحلة الابتدائية وبدأت مرحلة ثانوية الأئمة والخطباء التي استمرت سبع سنوات. فساعدتني هذه المرحلة على تحسين المهارات الكتابية واللغوية.


■ ما أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟

- بدأت تجربتي في الترجمة منذ السابعة أو الثامنة من عمري عندما بدأت بإتقان قراءة وكتابة اللغة التركية من خلال الرسائل الورقية التي كنت أقرؤها وأترجمها للجيران من التركية إلى العربية. هذه الرسائل التي كنت أقوم بقراءتها أو كتابتها كانت تأتي من شاب إلى أهله أو من زوج إلى زوجته أو من خطيب إلى خطيبته أو العكس. كنت -إذا صح التعبير- أمين سرٍّ لهؤلاء الناس جميعًا. وقد زاد هذا من قيمتي عندهم وحثني على تطوير مهارات اللغتين التركية والعربية.

أول كتاب ترجمته كان للشيخ يوسف القرضاوي بعنوان "القدس قضية كل مسلم". وقد نال هذا الكتاب عند صدوره عام 2010 عن دار النداء في مدينة إسطنبول اهتماماً كبيراً لدى القارئ التركي المتعاطف دائمًا مع القضية الفلسطينية. وازداد هذا الاهتمام عقب مجزرة أسطول الحرية "مافي مرمرة" التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي بعد أيام قليلة من صدور الكتاب.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟

- بعد ترجمتي للكتاب الأول قمت بترجمة كتابين آخريْن؛ الأول "فتاوى من أجل فلسطين" للقرضاوي والآخر "القيادة العسكرية في الإسلام" لعبد الله محمد الرشيد. صدر هذان الكتابان عام 2010 عن دار النداء ودار بِينار في إسطنبول. ثم قمت بترجمة كتاب "التربية الاجتماعية في الإسلام" لعبد الرحمن النحلاوي. وسيصدر هذا الكتاب عن دار بِينار في إسطنبول قريبًا إن شاء الله.

للأدب العربي، خاصة الديني، تأثير كبير في حياة الأتراك

■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟

- اللغة العربية لغة مُعبّرة وغنية بمفرداتها وسحر أوصافها وعذوبة أشعارها. فاللفظة العربية تُعبِّر عن المعنى المُراد بأوضح وأفضل صورة وبأدقِّ وأجمل معنى، خصوصا في القرآن الكريم. فعلى سبيل المثال كلمة (أَحَدٌ) التي وردت في سورة الإخلاص مرتين لتفيد معنيين مختلفين؛ الأول بمَعنى المُنفَرد بالألوهية والمَنفِيُّ عنه الشَّريك، والثاني في آخرها بمَعنى إنسان أو كائن أو مَخلوقٌ. وقد حصلَ بين هاتين الكلمتين جناس تام، فتحولت اللفظة من كلمة إلى صورة فنية يصعب على المترجم نقلها الى اللغات الأخرى، إضافة إلى ما تحدثه من تأثير في نفس المتلقي. وهذا يشكل عقبة رئيسية أمامي كمترجم، إذ يتعذَّر عليَّ أحيانًا نقل أو ترجمة بعض الصور البلاغية، خاصة الشعرية، إلى اللغة التركية.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟

- لا يمكن أن نجزم بأن الاهتمام اقتصر على مجال وأهمل آخر. حيث إننا نرى ترجمات فكرية وتاريخية وثقافية أيضاً لقيت اهتماماً كبيراً في تركيا. إذا نظرنا إلى الكتب المترجمة في العصر الحديث نجد أحيانا أن الصبغة الأدبية طغت على الفكرية، وفي بعض الأحيان نجد العكس وهذا خير دليل على أن هناك توازنا بين الترجمات الأدبية والفكرية. فالقارئ التركي إلى جانب اهتمامه بالكتب الأدبية أولى اهتمامًا أيضًا للكتب الفكرية والدينية. على الصعيد الأدبي، ترجم للعديد من الشخصيات، على رأسهم نجيب محفوظ وجبران خليل جبران وجرجي زيدان ونزار قباني وأدونيس.. وعلى الصعيد الفكري نرى شخصيات لا تقل أهمية عن الأولى مثل سيد قطب وحسن البنا ومحمد عابد الجابري وجودت سعيد وغيرهم. وكان لهؤلاء الأدباء والمفكرين شعبية كبيرة بين القرّاء الأتراك.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟

- على الصعيد العربي والمؤسّساتي لا، ولكن هناك ترجمة مشتركة تتكون من جزءين أقوم بها أنا وعميد كليتنا الأستاذ الدكتور صديق قوركماز، وسننتهي منها قبل منتصف العام المقبل إن شاء الله.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟

- الأدب العربي غني بشخصياته ورموزه وفنونه، كما هو غني بقصصه ورواياته وأشعاره. وكُلُّ غني في العيون جليلُ. للأدب العربي، خاصة الديني، تأثير كبير في حياتنا. فهو- قديمًا أو حديثًا - يمنحنا تراثًا وثقافة يستمتع بهما القارئ ويعبر من خلالهما عن مشاعره وأفكاره. لقد ترك لنا أجدادنا موروثاً ثقافياً هائلاً من هذا الأدب، فلا نستطيع أن نستوعبه بكل ما فيه من عمق إلا من خلال دراسته بشتى مراحله وألوانه والاطلاع على المخزون المعرفي الهائل من مصنفاته المخطوطة والمطبوعة. ومن ثم نشر وترويج هذا الأدب، خاصة القديم، إلى العالم من خلال الوسائل الإلكترونية المتاحة.


بطاقة

izzet marangozoğlu مترجم وأكاديمي تركي من مواليد 1974 في مدينة أنطاكية. تخرّج في كلية الإلهيات بجامعة سلجوق (1997). نال شهادة الماجستير من الجامعة نفسها برسالة عنوانها "البديع والبديعيات في الأدب العربي" (2005)، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة نجم الدين أربكان في مدينة قونيا بأطروحة عنوانها "منهج التفسير البياني فاضل صالح السامرائي نموذجًا" (2015). عمل مدرّساً في المدارس الثانوية في أنطاكية وقونيا. ويعمل أستاذًا محاضرًا في قسم اللغة العربية وبلاغتها في كلية العلوم الإسلامية بـ"جامعة إزمير كاتب شلبي" منذ 2014.

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية

المساهمون