أخبار الحمقى والمغفلين [6]

أخبار الحمقى والمغفلين [6]

27 أكتوبر 2018
رسم: فؤاد هاشم
+ الخط -

من أخبار العقلاء الذين بدرتْ عنهم حماقات يروي يحيى بن أكثم أن رجلاً قَدَّمَ ابنَه إلى أحد القضاة وطلب منه أن يحجر عليه.د
قال القاضي: فيمَ أَحْجُرُ عليه؟
قال الأب: إن كان يحفظ آيتين من كتاب الله تعالى فلا تحجر عليه.
قال القاضي: اقرأ يا فتى.
قال الفتى:
أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسـداد ثغرِ
(البيت للخنساء وصحيحُه: ليوم كريهةٍ وطِعَانِ خَلْسِ)
قال الأب: أصلح الله القاضي، إذا قرأ آيةً ثالثة فلا تحجر عليه.
ووقتها قرر القاضي أن يحجر على الأب والابن معاً!

وكان رجل يدعى "إبراهيم" يقرأ على يدي الأعمش، فقرأ: قالَ لمَنْ (حَوْلِهِ) ألا تستمعون.. محركاً (حولَه) بالكسر: (حَوْلِهِ)، وقال للأعمش: ألم تخبرني أن (مِنْ) تجرُّ ما بعدَها؟!

وروى "الدارقطني" أن أبا بكر حماد صَحَّـفَ في قراءة بعض الآيات الكريمة على النحو الآتي:
(والعاديات ضَبْحَاً) قرأها (والغاديات صبحاً).
(ومما يعرشون) قرأها (ومما يغرسون).
(وعدها إياه) قرأها (وعدها أباه).
(أصيبُ به من أشاء) قرأها (أصيب به من أساء).
(فأنا أول العابدين) قرأها (فأنا أول العائدين).
(كل جَبَّارٍ) قرأها (كل خَبَّازٍ)!

وكان رجل كثير المخاصمة لامرأته، وله جار يعاتبه على ذلك، وفي إحدى الليالي خاصم الرجل امرأته بشدة، وضربها، فتدخل جاره وقال له:
- يا أخي اعمل معها كما قال الله تعالى: (فإما إمساك أيش اسمه، أو تسريح بما لا أدري أيش)!
وقال رجل لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟
قال: في (أقسمُ بهذا البلد ووالدي بلا ولد).
فقال أبوه: لعمري من كنتَ ابنَهُ فهو بلا ولد!
وقال المأمون لأحد كتابه: ويلك، ألا تحسن القراءة؟
قال: بلى والله، إني لأقرأ من سورة واحدة ألفَ آية!

وروى ابن الرومي أن رجلاً خرج إلى قرية فأضافه خطيبُها، فأقام عنده أياماً، فقال له الخطيب:
- أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم، وقد أشكلَ علي في القرآن الكريم بعضُ المواضع.
قال الرجل: سَلْنِي عنها.
قال الخطيب: منها في سورة الحمدُ (يقصد الفاتحة!) إياك نعبدُ وإياكَ، أهي تسعين أم سبعين؟ أشكلتْ عليَّ هذه، وأنا أقولُها تسعين آخذاً بالاحتياط!


فصل: أخبار المغفلين من رواة الحديث والمصحفين

زعموا أن أبا بكر بن أويس يذكر أن عبد الله بن زياد كان يحدثهم، وانتهى إلى حديث رواه شهرُ بن حَوْشَب الشامي، فقال: حدثني شهرُ بن (خَوشَب)! فقلت: مَن هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان، اسمه من أسماء العَجَم! فعرفت أنه لا يشتغل على الأحاديث بل يأخذها من الكتب.

وجاء حبيب، كاتبُ مالك، يقرأ على سفيان بن عيينة، فقال:
- حدثكم المسعودي عن جراب التيمي. فقال سفيان: هو "خوات" وليس جراب!
وقرأ عليه: حدثكم أيوب عن ابن شيرين. (يقصد: ابن سيرين)!

وجاء رجل إلى جرير وقال: يا أبا عبد الله اقرأ عليَّ هذا الحديث. قال: ما هو؟ قال: حدثنا خربز..
فقال جرير: ويحك، أنا جرير، ولست خربز!

وكان (أمَيُّ بن عبد الرحمن الصيرفي) محدثاً من أهل الجزيرة. وقد جاء رجل لأبي نعيم وقال له (حدثتك أمك). يقصد: حدثك أمَيُّ الصيرفي!

وكتب عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم: أن (احصِ) المخنثين لديك. فصحف الكاتب كلمة (احصِ)، فقرأها (اخصِ)، فخصاهم! وعلق أحد المخنثين على الحادثة قائلاً: اليومَ استحققنا هذا الاسم!

وجاء رجل إلى البشير بن سعد وقال له: كيف حدثك نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم (في الذي نُشرتْ في أبيه القصة).
فقال الليث: ويحك إنما هو (في الذي يُشْرَبُ في آنية الفضة)!!
وقال ابراهيم الحربي: قدم علينا محمد المهلبي، فذهبنا إليه، ولم يكن بصيراً بالحديث، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بهرَّة. (في الأصل: ضحى بَقَرة)!

ودخل أبو بكر السهمي على عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة فعزاه عن طفل مات له، ودخل عليه شبيب بن شيبة فقال: أبشرْ أيها الأمير، فإن الطفل لا يزال مُحْبَنْظِئَاً (أصلها محبنـطئاً، وتعني مستمتعاً بظلال الأشجار) على باب الجنة ويقول: لا أدخل حتى يدخل والداي؟
فقال له: يا أبا معمر، دع الظاء والزم الطاء.

وجاء غلام إلى حماد بن يزيد وسأله: هل حدثك عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن (الخبز)؟ فتبسم حماد وقال: يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟ إنما هو نهى عن (الخمر)!

وكان لعمر بن عون وَرَّاق يلحن، فاستبعده وتقدم إلى وراق أديب، فقرأ: حدثكم هسيم (يقصد هشيم) فقال:
- ردنا إلى الوراق الأول، فإنه يَلْحَن، وأما هذا فيَمْسَخ!

وتولى حيان بن بشر قضاء بغداد وأصبهان، وكان وقد أملى على كاتبه: أن عرفجة قد قطع أنفه يوم الكلام. فقال الكاتب: إنما هو يوم الكلاب. فأمر بحبس الكاتب. وقد دخل عليه بعض الناس في الحبس وسألوه: ما دهاك؟ فقال:
- قُطِعَ أنفُ عرفجة في الجاهلية، وأنا ابتليت به في الإسلام!!


فصل: في ذكر المغفلين من الأمراء والولاة

تولى عيسى بن صالح جند قنسرين (شمالي سورية)، وكان يحمق أحياناً، روى عنه "محمد بن زياد" الحكاية التالية، قال:أتاني رسولٌ من عيسى في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت لا يُحْضَرُ فيه إلا لأمر مهم، فتوهمتُ أن كتاباً ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يحتاج فيها لحضوري وحضور بعض الناس، فلبستُ السواد وتوجهت بالبعثة إلى وجوه القُوَّاد، وركبت إلى داره، فلما دخلتُها سألت الحُجَّابَ:
- هل ورد كتابٌ من الخليفة، أو حدث أمر؟
قالوا: لم يكن من هذا شيء.
فصرتُ من الدار إلى موضع تخلفَ الحُجَّابُ عنه، فسألتُ الخُدَّام أيضاً، فقالوا مثل مقالة الحُجَّاب. فصرتُ إلى الموضع الذي فيه عيسى، فقال لي:
- ادخل يا بني.
فدخلتُ، فوجدتُه على فراشه.
قال: اعلم يا بني أني سهرتُ الليلةَ في أمر أنا مفكر فيه إلى الساعة.
قلت: أصلح الله الأمير، فما هو؟
قال: اشتهيتُ أن يُصَيِّرَني اللهُ من الحور العين، ويجعلَ في الجنة زوجي يوسفَ النبي. وطال في ذلك فكري.

وجاء رجل من أشراف الناس إلى بغداد، وأراد أن يكتب إلى أبيه كتاباً يخبره بذلك، فلم يجد أحداً من معارفه، فانحدر بالكتاب إلى أبيه وقال:
- كرهتُ أن يُبطئ عليك خبري، ولم أجد أحداً يجيء بالكتاب، فجئتُ أنا به!
ودفعه إليه!

واختصم رجلان إلى بعض الولاة، فلم يحسن أن يقضي بينهما، فضربهما وقال:
- الحمد لله.. لم يَفْتُنِّي الظالمُ منهما!

قال أبو عثمان الجاحظ: كان فَزَاره صاحبَ مظالم البصرة، وكان أطول خلق الله لحيةً، وأقلَّهم عقلاً، وهو الذي قال فيه الشاعر:
ومن المظـالـم أن تكـو نَ على المظالم يا فزاره!

ومن حكايات فزاره أن الحَجَّام أخذ يوماً من شَعره، فلما فرغ دعا بمرآة، فنظر إليها وقال للحجام:
- أما شعر رأسي فقد أحسنتَ في أخذه، ولكنك يا ابن الخبيثة سَلَحْتَ على شاربي.
ووضع يده على شاربه!

وولى المهلبُ أحدَ الأعراب كورةً بخراسان، وعزل واليها، فصعد الأعرابي المنبر، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
- أيها الناس، اقصدوا لما أمركم الله به، فإنه رَغَّبَكم في الآخرة الباقية، وزَهَّدَكم في الدنيا الفانية، فرغبتُم في هذه، وزهدتُم في تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية، ولا تحصل لكم الباقية، فتكونوا كما قال الله تعالى: لا ماءَكَ أبقيتَ، ولا حَرَّك أنقيتَ (هذا مثل معروف وليس من القرآن بالطبع!). فاعتبروا بالمغرور الذي عُزل عنكم، سعى وجمع، فصار ذلك كله إليَّ، رغم أنفه، وصار كما قال الله سبحانه وتعالى:
أبشري أم خالدْ
رب ساعٍ لقاعدْ!
ثم نزل عن المنبر.

دلالات

المساهمون