آفاق التقارب الأوروبي الإيراني

آفاق التقارب الأوروبي الإيراني

29 ابريل 2015

آشتون وجواد ظريف في فيينا بعد مباحثات (19 يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -

لا تزال العلاقات والتعاون المشترك ما بين الاتحاد الأوروبي وإيران محدودة للغاية، بسبب الأوضاع السياسية الحرجة بين الطرفين. والمعروف أن الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف اليدين، في ما يتعلق بالقلق الذي يبديه المجتمع الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، ويراقب الاتحاد الأوروبي عن كثب تطورات هذا الملف. ولا توجد علاقات دبلوماسية مع إيران، لكن الاتحاد الأوروبي يتواصل مع طهران من خلال سفارات الدول الأوروبية الأعضاء في إيران، وقد رفعت بعض هذه الدول، أخيراً، تمثيلها الدبلوماسي في طهران.

ولم يكتف الاتحاد الأوروبي فقط بالمصادقة على العقوبات التي فرضها مجلس الأمن تجاه إيران، بل سنّ عقوبات اقتصادية إضافية، أقسى من العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، لكنّه أخذ بالاعتبار استمرار المباحثات الدبلوماسية مع طهران، لإيجاد الحلول الناجعة للملف النووي الإيراني.

وقد ترأست كاترين آشتون مفوضة شؤون الأمن والسياسة الخارجية السابقة للاتحاد الأوروبي المفاوضات باسم الاتحاد +3 (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية وروسيا الفدرالية والصين) وما تزال آشتون المستشارة المعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي في شؤون الطاقة النووية في إيران، تمثّل الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف في جنيف في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بالتزام إيران بشكل كامل بعدم توظيف مقدّراتها التقنية لإنتاج أسلحة نووية، وهو اتفاق شامل ومبني على أسس ومبادئ لا تقبل الجدل، وينصّ على أنه "لا يوجد اتفاق ساري المفعول حتّى التوصّل إلى اتفاق بشأن القضايا المطروحة كافة"، وهو يسمح باستخدام إيران الطاقة النووية لأغراض سلمية فقط بالتنسيق مع الأطراف المعنية بشأن برامج الإخصاب. في المقابل يلتزم الاتحاد الأوروبي بإلغاء كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من مجلس الأمن والعقوبات الأوروبية الإضافية ضمن جدول زمني محدّد وواضح.


دور البرلمان الأوروبي

يحاول البرلمان الأوروبي في جلساته مناقشة الملف الإيراني، ويسعى إلى إيجاد حلول آمنة للمف النووي الإيراني، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، تتويجًا لهذه الجهود، كما يحاول البرلمان الإبقاء على العلاقات الثنائية، وعدم التخلّي عن الحلّ الدبلوماسي في هذا المساق. في الوقت نفسه، يؤكّد البرلمان على ضرورة تسليط الأضواء على ملف الحريات المهدورة وخرق اتفاقيات حقوق الإنسان في إيران، وعدم الاكتفاء بالتركيز على الملف النووي فقط.

ويذكر أنّ جائزة البرلمان الأوروبي "ساخاروف" لحرية الفكر منحت لإيرانِيَيْن في العام 2012، هما المخرج جعفر باناي والمحامية نسرين سوتوده المحكومان بالسجن سنوات عديدة. وقد رفض النائب الإيراني كاظم جلالي رئيس اللجنة البرلمانية للعلاقات مع البرلمان الأوروبي لقاء الوفد الأوروبي بالسجينين الحائزين على الجائزة، ما أدّى إلى إلغاء الوفد زيارته المقرّرة إلى طهران. وصرح جلالي آنذاك "إنّ ربط الزيارة بالسماح بتسليم جائزة إلى أشخاص حكم عليهم القضاء بالسجن، واستغلال هذا الأمر للدعاية السياسية غير مقبول وغير عقلاني، وباتخاذ البرلمان الأوروبي هذا القرار يكون قد حرم نفسه من هذه الزيارة، وهو مسؤول عن تداعيات قراره". وكانت المرّة الأخيرة التي زار فيها ممثلون عن البرلمان الأوروبي إيران في العام 2007. لكن، وعلى الرغم من الجفاء بين الطرفين، زارت لجنة العلاقات الأوروبية الثنائية المشتركة مع إيران طهران في ديسمبر/كانون الأول 2013 وفي 3 أبريل/نيسان 2014، واقترحت اللجنة تشكيل وفد برلماني، لتوطيد العلاقات مع إيران، والعمل على تخطّي العراقيل والعقبات ما بين الطرفين.


رفع عقوبات
مع بداية العام الماضي 2014، قرّر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رفع الحظر المفروض على إيران لشراء الذهب والمنتجات النفطية والمعادن الكريمة، واعتبر هذا الاتفاق تاريخيًا، بعد أن أكّدت وكالة الطاقة النووية الدولية أنّ إيران بدأت تنفيذ التزاماتها بخفض مستوى تخصيب اليورانيوم، حسب الاتفاقية المؤقتة. وأكّدت الوكالة وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل في محطّة ناتانز في محافظة أصفهان، ما شجّع الاتحاد لرفع العقوبات المذكورة على إيران. وتشمل الإجراءات الجديدة رفع الحظر على استيراد المعادن الكريمة والذهب ومنتجات النفط، والسماح بعمليات التأمين الدولي للنفط الإيراني، وتحتاج أوروبا إلى المنتجات الإيرانية لتزويد الدورة الصناعية المتنامية بموارد الطاقة في دول المنظومة الأوروبية. وأكّدت وسائل الإعلام الإيرانية أنّ الجمهورية عملت على خفض تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وأشرف المراقبون الدوليون على عمليات وقف أجهزة الطرد المركزي النووية في محطة ناتانز، ثمّ غادر الوفد نفسه لمراقبة هذه العملية مجدّدًا في المحطة النووية قرب قرية فوردو. وصرحت ماري هارف نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية، بأنّ الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ستتعرّف على تفاصيل تقرير وكالة الطاقة النووية الدولية، وأنّ واشنطن ستعلّق على هذا الأمر حال انتهاء الدول الغربية من دراسة التقرير.

وقد مهدت هذه المقدّمات إلى تلطيف الأجواء بين الاتحاد الأوروبي وإيران، وساعد على ذلك حاجة الاتحاد الماسّة لبدائل عن مصادر الطاقة الروسية، وتدرك إيران ذلك جيّدًا، وسارعت إلى استثمار الخلاف بين بروكسل والكرملين على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وأعرب مصدر من اللجنة الأوروبية عن جدّية توجّهات الاتحاد الأوروبي إلى الحصول على الغاز الإيراني بديلاً عن الروسي في المرحلة المقبلة. لكن، لا بدّ قبل ذلك، وفق تصريحات اللجنة الأوروبية، من تنفيذ شرطين أساسيين: إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة ضدّ إيران، والبدء بتطوير بنية تحتية لخطوط نقل الغاز الطبيعي في السنوات القليلة المقبلة. لكن مسألة استيراد الغاز الطبيعي الإيراني ليست على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن.


تصدير الغاز

وتوضح بيانات شركة الغاز الوطنية الإيرانية، مجيد بوجارزاده، ارتفاع حجم الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي في أسواق الجمهورية الإيرانية، ولا يمكن لإيران تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حتّى إذا أقدم الاتحاد على إلغاء العقوبات المفروضة عليها. عمليًا، ما تنتجه إيران من حقل بارس الجنوبي بالكاد يفي حاجة أسواق الغاز المحلية. وتشير البيانات إلى ارتفاع حجم استهلاك الغاز بقيمة 569 مليون متر مكعب يوميًا، وتقدّر نسبة الزيادة بنحو 20% مقارنة بالعام 2013.

عدا ذلك، إيران ملزمة بالوفاء بعقودها المبرمة مع العراق وعُمان وباكستان، لتزويدها بالغاز الطبيعي. لذا، من غير المتوقع أن تتمكّن إيران من تصدير الغاز الطبيعي، أو الغاز المضغوط بكميات كبيرة للمنظومة الأوروبية، في الوقت الراهن. وحسب خبير الطاقة، ديفيد باتر في مركز الدراسات (Economist intelligence) التابع للصحيفة الدولية المتخصصة في شؤون الطاقة والاقتصاد، أفاد باتر "كي تتمكن إيران من تصدير كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، لا بدّ من امتلاك فائض من هذه الموارد، لكن ارتفاع حجم وتائر الصناعة في إيران لن يسمح لها بتصدير هذه الكميات في السنوات العشر المقبلة. لذا، يتوجّب على الاتحاد الأوروبي إعادة مخطّطاته إلى حقائبه، والتخلّي عن فكرة إمداد إيران بالغاز الطبيعي لدول المنظومة الأوروبية".

وقد علقت روسيا وتركيا بأنّ الاتحاد الأوروبي يبني خططًا افتراضية، وعليه أن يأخذ في الاعتبار حقائق الأمور على أرض الواقع، وعلى الاتحاد أيضًا قبول هذه المعطيات.


آفاق التحالفات السياسية
يرى الاتحاد الأوروبي أنّ هناك إمكانية للتحالف مع إيران على الصعيد السياسي، باعتبارها العدوّ المشترك للدولة الإسلامية، وفقًا لمبدأ عدوّ عدوّي – صديقي، لكنّ الغرب يأخذ بالحسبان أيضًا موقف الحليف الآخر إسرائيل التي تضمر العداء لإيران، وتطالب، على مدار الساعة، بوقف برنامجها النووي، بغضّ النظر عن استخداماته، سلمية أم عسكرية. من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل موقف المملكة العربية السعودية من إيران وتخوّفاتها من برنامجها النووي، فكيف يمكن توصيف عدوّ الصديق إذًا؟

وقد مكنت السلبية التي انتهجتها الإدارة الأميركية حيال الأحداث المندلعة في الإقليم إيران من ترسيخ نفوذها في العراق وسورية، بل وتعدّى ذلك إلى اليمن أيضًا، وباتت إيران تحلم بإعادة بناء إمبراطوريتها السابقة، وسط تواطؤ أوروبي ومباركة غربية، وتبقى المسألة مرهونة بإيجاد صيغة توافقية مع إسرائيل، للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، في ظلّ تفاقم النفوذ الإيراني. ويرى المحلّل السياسي الألماني، ماتياس فون هاين، أنّ التعاون مع إيران في منطقة الشرق الأوسط أصبح في منتهى الأهمية، ولا يمكن الاستغناء عنه، بسبب تعدّد بؤر الصراع والاستقرار النسبي في الجمهورية الإسلامية.

من جهة أخرى، تعاني إيران من كساد اقتصادي، وتضخم في عملتها المحلية، وانخفاض غير مسبوق في أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتدرك طهران جيّدًا ضرورة تخفيف الحصار المفروض عليها بكل الطرق الممكنة، من دون تقديم تنازلات على أرض الواقع، لا تتوافق مع أهداف برنامجها النووي.. في الوقت الذي تسعى فيه إدارة أوباما إلى التقرّب المشروط مع طهران، ضاربة عرض الحائط بطموح الشعب السوري للحصول على حريته، ولم يجد أوباما حرجًا في التصريح بأنّ الضربات الجوية الأميركية في سورية لا تهدف إلى النيل من قوات الأسد، ما يعني الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة كذلك.

والتوجّهات الأميركية المعلنة على لسان الرئيس أوباما قادرة على إبقاء جذوة الصراع والاقتتال إلى أجل غير مسمّى، فهي، في نهاية المطاف، لا تضع تصورًا نهائيًا للأزمة المشتعلة، بل تسعى، كما عادتها، إلى إدارة الصراع، مهما بلغت كلفته البشرية. أمّا أعضاء الكونغرس الجمهوريون فيطالبون بفرض قيود جديدة، ورفع مستوى الحصار الاقتصادي ضدّ إيران، ولا تختلف توجهات الكونغرس عن المسار الجمهوري، ما يدلّ على أنّ أوباما قد اتخذ مسارًا يبدو منفردًا في مسألة التقارب مع طهران. ولا يتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع موقف الرئيس الأميركي، ولم يتوقف عن التحذير من المخاطر الإيرانية على حدوده الشمالية، ليس محبّة ودفاعًا عن دول الجوار، بالقدر الذي يخشى فيه من تفاقم النفوذ الإيراني في هضبة الجولان، من خلال إرسال مقاتلين لتنظيم حزب الله اللبناني إلى الهضبة حسب ادّعاءاته. ومهما كانت توجّهات الإدارة الأميركية والبرلمان الأوروبي، بشأن رفع مستوى التعاون مع إيران والتنسيق معها لحلّ قضايا الإقليم، فإنّ النتائج لن تصبّ في صالح التحالف الغربي، وهناك ضرورة للتخطيط المنظّم وعدم تجاهل مصالح كل الأطراف في المنطقة، وعدم استخدام مقياسين للتعامل مع الأحداث، لصالح طرف دون باقي الأطراف.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح