"La casa de papel"... دخول المراهقين لعالم السياسة

"La casa de papel"... دخول المراهقين لعالم السياسة

21 ابريل 2020
+ الخط -
عمل المسلسل الإسباني (La casa de papel) على نقل المشاهد المراهق والشاب إلى عالم السياسة والأفكار نقلة نوعية، إذ كان المراهق إلى وقت قريب مولعاً بأفلام الأكشن الخالية من الهدف غالباً، والممجدة لرجل العصابة ضد النظام والقيم العامة.

تنقلنا الأحداث والحوارات في المسلسل إلى عالم سياسي ننفر من الاطلاع عليه في التقارير الرسمية وغير الرسمية، التي تفصل في أنواع الممارسات الفظيعة التي يفرضها امتلاك السلطة، تلك التقارير التي تنشر على مدار السنة من طرف منظمات حقوق الإنسان وغيرها حول تعذيب السجناء، وقمع الحريات، وإخراس المعارضين، والتي غالباً ما تكون مملة وطويلة ومحشوة بالتفاصيل، أصبحت مفاهيمها في يد المشاهدين من المراهقين والشباب.

وفي أبرز المشاهد التي لفتت الانتباه في الموسم الأخير من المسلسل، ما يمكن أن نرمز له بـ"الساحة الخلفية للديمقراطية الغربية"؛ ففي تلك الساحة تم تصوير مشهد استجواب شخصية "ريو" تحت التعذيب، إذ حدث ذلك في منطقة عربية "تيميمون" بالجزائر.. نعم الجزائر والمغرب وأفريقيا التي هي في الأعراف الأوروبية؛ الساحة الخلفية لاتحاد المال (الاتحاد الأوروبي)؛ الذي يواجه حاليا أكبر تحدٍ لأهداف قيامه بسبب أزمة وباء كورونا. ساحة لممارسة ما تدينه مبادئهم الديمقراطية والأخلاقية، عملاً بشعار: "ما لا يحدث على أرضنا من خرق للقانون لم يحدث في الأصل".


مع السينما الرقمية نتفليكس وغيرها، انتقلنا من عصر هيمنة قيم هوليوود على التأثير السينمائي، إلى عالم تكتسب فيه السينما المحلية الصبغة العالمية التي تصنع الحدث والتغيير، وتمثل ذلك مع صدور مسلسل "عندما يروننا" الأميركي، الذي أعاد قضية المراهقين السود الخمسة الذين أجبروا على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها إلى الساحة، حيث تركت تأثيرات واسعة وصلت إلى الرئيس الأميركي الذي كان من أشد المطالبين بتوقيع عقوبة الإعدام على المراهقين الخمسة وقت وقوع الجريمة، كما أوقفت دور النشر التعامل مع المحققة التي قادت التحقيق آنذاك "ليندا فيرستين" التي أصبحت أشهر مدعية عامة بعد ذلك، ثم الكاتبة الأكثر مبيعاً لرواياتها.

كما استقالت المدعية العامة الرئيسية آنذاك من وظيفتها بكلية الحقوق في جامعة كولومبيا، بحسب جريدة الغارديان تحت ضغط الجمهور الذي تظاهر بعد مشاهدة المسلسل والتأثر بأحداثه وحواراته التي تخاطب كل مشاهد على حدة.

إن الخطاب السينمائي الرقمي ينتقل من التأثير الفردي إلى منتديات النقاش والتواصل الاجتماعي، فيقع التأثير على أرض الواقع، هذه الظاهرة المعقدة من التأثير والتأثر التي تتطور مع السينما الرقمية الحديثة، جعلت من التقارير المملة- التي لا يطلع عليها بطبيعة الحال جيل المراهقين والشباب- مادتها، ومن آلام ومعاناة الشخصيات الحقيقية أحداثا مشوقة توجه هذا الجيل إلى معرفة خفايا الديمقراطيات، والسلطة.

إن تحدي النظام الذي يجسده مسلسل la casa de papel والتفوق على الدولة، ثم تعاطف الجمهور مع اللصوص ضد النظام، ومصطلحات: (الفوضى.. المقاومة.. التفاوض.. الهدنة.."، لهو رؤية جديدة تتجاوز القصة السينمائية التقليدية التي غالبا ما تنتهي بعودة النظام وفرض السلطة على الجمهور.

كما تعطي في نفس الوقت تعريفا جديدا لنوع من اللصوص الثوريين، الذين يجسدون قهر النظام للطبقات المتوسطة في مقابل تغوّل الطبقة الفاحشة الثراء. لصوص ثائرون يعتبرهم عامة الشعب معبرين عما يشعرون به ولا قدرة لهم على إنجازه.

انتهى زمن الدولة كمفهوم لا يقبل التجاوز مع هذا الانتشار الهائل للمنصات الاجتماعية، وعوامل العولمة وأثر ذلك على التحول القيمي السريع. ويكرسه الآن انتقال السينما من الشاشات الكبيرة، إلى الحواسيب والهواتف الذكية التي تتيح للمشاهد أن يشارك ما يشاهده مع إعطاء رؤيته حول المادة المشاهدة والتعبير عن رأيه ومشاركته مع فئة واسعة، لينتقل الدور إلى الآخر الذي يقوم بنفس الدور، ثم ينعكس ذلك في الواقع بشكل أو بآخر، إنه الدخول السياسي الجديد الذي تدشنه التكنولوجيا في اندماجها بالفن، خاصة فنون السينما.