"ممنون" لـ بو كلثوم... أغنية من الصندوق الموسيقي الأول

"ممنون" لـ بو كلثوم... أغنية من الصندوق الموسيقي الأول

06 سبتمبر 2020
سبق لبو كلثوم أن استثمر فكرة التهويدة في أغنية سابقة (فيسبوك)
+ الخط -

قبل أسبوع، أصدر المغني السوري بو كلثوم أغنية منفردة جديدة حملت عنوان "ممنون". وهي أغنية خاصة جداً لكونها امتداداً لتهويدات الأمهات ورداً عليها بلسان الابن الممتن لكل ما قدمته له أمه.

يختار بو كلثوم نغمات المفاتيح الناعمة التي تصدر عن الصناديق الموسيقية المخصصة للأطفال ليفتتح بها أغنيته، فيستحضر من خلالها لحظات الطفولة الأولى والأجواء المرافقة لهدهدات الأمهات، ليعيد خلق الحالة العاطفية التي تنتمي للحظات باتت بعيدة، فيها تشكلت النواة التي بدأت برسم علاقته الخاصة مع الموسيقى. تتخلل الموسيقى تنهيدات خافتة، تصبغ الجو العام بأنفاس الحنين، وتمهد لرد بو كلثوم على التهويدة، الرد الذي يبدأ بعد انكسار الموسيقى.

رد بو كلثوم يبدأ هادئاً كتهويدة، يتكون من مقاطع لحنية قصيرة وبسيطة، تتكرر برتم بطيء، حتى تكسر اللازمة الحالة؛ وللمفارقة، فإن اللازمة تحتوي على كلمات مقتبسة من التهويدات الشامية الفلكلورية، وهي: "نام وادبحلك عداك".

الاقتباس من التهويدة الشامية الفلكلورية ليس الاقتباس الوحيد بأغنية بو كلثوم، ففيها يقتبس أيضاً أبياتا من قصيدة "أثر الفراشة" لمحمود درويش، حيث يقول: "أثر الفراشة لا يرى، أثر الفراشة لن يغيب"، ويضيف: "وأنتي فراشة أثرها يغير جيل"، ليلوي عنق القصيدة الأصلية ويعطيها طابعاً يحوي خصوصية أكبر يتناسب مع رده الخاص على التهويدة.  

يرتفع النسق في الأغنية بالمقطع الأخير، الذي يرد فيه: "وعقدّ الغلا شال الوجع قلبي ولآخر يوم فادي الروح كرماله، يلي ما علّمني حرف، فتحلي كتاب نفسي، وهالعنق سدّاد لمحرر أكباله". وذلك يعود بشكل رئيسي لتحول أسلوب الأداء، الذي يصبح شبيهاً بأبيات يتم ترتيلها وتجويدها على الطريقة الإسلامية.

يرافق الأغنية كليب غريب، يبدأ من الظلام وينتهي إليه، يظهر فيه بو كلثوم وحيداً في المساحة المضاءة من العالم المظلم، يجلس على كرسيه كرجلٍ ضرير، ويحارب الهواء بلحظات الضعف التي يعلو فيها الإيقاع. كليب ربما لا يرتقي لمستوى الأغنية، ولكنه يضيف لمعانيها الكثير، ليفسر كلمات المقطع الأول "ممنون، يا أم عيون، يا حنون لآخر يوم، لح ضل ممنون، والليلة تصب من عيني عيون".

هذه الكلمات يعكسها الكليب بشعرية، ليكون فقدان البصر معادلاً لبعد الأم أو رحيلها. ينتهي الكليب بذات النقطة التي يبدأ منها، على صوت ضربات المفاتيح الطفولية الناعمة، ليدل ذلك أيضاً أن بو كلثوم عالق في تلك الذاكرة وتلك الحالة الشعورية التي يصعب استحضارها.

سبق لبو كلثوم أن استثمر فكرة التهويدة وطبيعتها ضمن أغنية سابقة، وبالتحديد في أغنية "قصة قبل النوم"، التي قدمها سنة 2015، وفيها استخدم أيضاً نغمات الصناديق الموسيقية المخصصة للأطفال؛ لكن هناك فارق كبير بين الأغنيتين، ففي "قصة قبل النوم" استحضر بو كلثوم الأجواء الطقسية الطفولية التي تسبق النوم لتكون صورة رمزية تؤطر الواقع الذي نعيشه بإطار هزلي طفولي، وهو ما يمكن تلخيصه بعبارة ترد في الأغنية "سكر كتاب التاريخ، سميها قصة قبل النوم، فيها بلد وولاده عاشوا سوا بعد الموت".

وأما أغنية "ممنون"، ففيها يتعاطى بو كلثوم مع تهويدات الأمهات وطقوس ما قبل النوم كغاية بحد ذاتها، وفيها رغبة لاستحضارها ومعايشتها. وهذا الاختلاف بالضبط هو ما جعل الأغنية الجديدة تتمتع بحساسية وعاطفة ساحرة لم نلمسها أبداً بأغنية "قصة قبل النوم".

دلالات

المساهمون