"عاشق الكتب": مجرم يتتبّع رائحة الورق

"عاشق الكتب": مجرم يتتبّع رائحة الورق

11 يونيو 2020
أنسليم كيفر/ ألمانيا
+ الخط -

شكّلت القراءة موضوعاً أثيراً للعديد من الروائيين الذين تناولوها غالباً للاشتباك مع حياتنا وأزماتها من خلال استحضار شخصيات ومقولات ومصادفات ذات صلة بما تقرأه شخصياتهم الروائية ومساجلاتها، وربما يكون العمل الأشهر في تاريخ الأدب هو رواية "دون كيشوت" لثربانتيس، حيث بطله يقرّر أن يصبح فارساً كالفرسان الذين قضى عمره في القراءة عنهم.

ويحضر القارئ كباحثٍ عن الارتقاء في السلم الاجتماعي كما شخصية جوليان سوريل في رواية "الأحمر والأسود" للشاعر والروائي الفرنسي ستندال، وتتعدّد الأمثلة وصولاً إلى عصرنا الحديث مثلما فعل الكاتب الفنلندي ماكس سبيك في روايته "القارئ المخلص"، أو الكاتبة الأميركية كارين جوي فاولر في روايتها "نادي جين أوستن للقراءة".

"عاشق الكتب" عنوان النسخة العربية من رواية الكاتبة الأميركية أليسون هوفر بارتليت التي صدرت حديثاً عن "دار المدى" بترجمة حنان علي، بطلها جون جيلكي سارق الكتب المتسلسل الذي قام بين عامي 1999 و2003 بتجميع عناوين نادرة تصل قيمتها إلى مئة ألف دولار عبر طرق مختلفة من التزوير والاحتيال.

يستخدم البطل آلية الدفع باستخدام شيكات مزوّرة أو أرقام بطاقات الائتمان من إيصالات حصل عليها يطريقته الخاصة، ويصبح توّاقاً لسرقة المزيد من الكتب مع مرور الزمن، ما أثار غضب تاجر الكتب كين ساندرز، وتأخذ الأحداث بعداً درامياً إلى ان يتمكن الأخير من القبض على اللصّ بعد ملاحقة طويلة.

الرواية التي صدرت طبعتها الأولى بالإنكليزية عام 2010 بعنوان "الرجل الذي أحبّ الكتب كثيراً"، ينغمس خلالها القارئ في عالم ثري وواسع من الهوس بالأدب، حيث تعود بارتليت إلى تاريخ من الشغف بالكتب وجمعها وسرقتها عبر العصور، مختبرة الرغبة الشديدة التي تجعل بعض الناس على استعداد للتوقف عند أي شيء لامتلاك الكتب التي يحبونها.

وتورد قصة الأستاذ الجامعي في نبراسكا الذي اختار النوم في سرير متنقل وضعه في مطبخه لإفساح المجال لكتبه البالغة تسعين طناً، ثم قصة الراهب الإسباني الذي عاش خلال القرن التاسع عشر وقد ارتكب جريمة بخنق رجل وطعن تسعة آخرين من أجل الاستيلاء على مكتباتهم.

ويظهر العمل أن اقتناء الكتب النادرة يبدو عملاً أهمّ من امتلاك الأعمال الفنية، وكيف يضطر بائعو الكتب إلى عدم الإبلاغ عن خسائرهم في حال سرقتها تحسّباً للدخول في دوامة من التساؤلات هم في غنى عنها، بينما يميل رجال الشرطة إلى تجاهلها، ولكن هذا الأمر يختلف لدى ساندرز الذي قرّر خوض مغامرته ليلقى المجرم؛ مجرم الكتب عقابه الذي يستحق.

تستغرق بارتليت في سرد الأوصاف المثيرة للتعامل مع الكتب، النادرة منها خصوصاً، على نحو حسّي يظهر مفاتنها؛ وزن الكتاب بين يديك، والشعور بغلافه، ورائحة الأوراق، وتفاصيل مغرية من نوع كتابات للمؤلف بخط يديه بين دفتي الكتاب، وغيرها.

رغم أن البطلين خصمان إلا أنهما يشتركان في سمة أساسية واحدة، فكلّ من جيلكي وساندرز لديهما رغبة لا تقهر لتقدير الكتب وامتلاكها كأشياء ثمينة، الأول يجد سرقتها الوسيلة المتاحة بالنسبة إليه بينما الثاني يشتريها لأنه يعرف أيضاً كيف يبيعها لاحقاً، وتعود المؤلّفة بتاريخهما الشخصي إلى الطفولة، حيث طوّر الاثنان حبهما للكتاب الذي بدآه بجمع الكتب المصوّرة.

دلالات

المساهمون