"سلوى" بائعة السمك التي لا تعرف الخوف

"سلوى" بائعة السمك التي لا تعرف الخوف

19 أكتوبر 2015
صيادو السمك على شاطئ غزة (فرانس برس)
+ الخط -
عند الثالثة فجراً، تستيقظ سلوى محمد (55 عاماً)، تتناول كسرة خبز وكوب شاي ثم تنطلق بعربة الكارو (عربة يجرها حمار) باتجاه البحر. تصل إلى نقطة تجمّع الصيادين، وتشتري السمك منهم، وهم الذين يتباهون بأنه طازج بعد رحلة صيدٍ ليلية، ثم تعود بصناديق فيها أنواع مختلفة من السمك، لتوزعها على أسواق غزة... منذ أكثر من 25 عاماً، لا تزال سلوى تقوم بالجولة ذاتها، وتمارس تجارة السمك، والتي تؤمن لها مدخولاً جيداً ساعدها على تربية أولادها وعلى تحدي كل معوقات الحياة.

يقول عنها أبناء الحي إنها امرأة قوية، لا ترهبها عواصف البحر ولا الفقر، في حين أنها تؤكد لـ"العربي الجديد" صلابتها، وفي الوقت ذاته ضعفها حين تتصوّر للحظة أن أولادها سيعيشون معاناة ما، أو يعرفون الجوع.

في سوق الإثنين الأسبوعي في النصيرات وسط قطاع غزة، تجلس سلوى أمام "بسطة" السمك، تفرش أربعة صناديق كاملة (50 كيلوغراماً)، تنتظر أن تبيعها وتعود إلى البيت باحتياجاته من خضار ولوازم. يقاطعها أحد الزبائن ليسألها عن سعر كيلوغرام السمك، فتقول له "20 شيكلاً بدلاً من 25، تمام؟". يفرد الزبون يده رافضاً، ويغادر. تتذمر سلوى من حال السوق هذه الأيام تقول: "هذه الفترة سيئة جداً علينا، السوق شبه متوقف، لا يوجد زبائن كما في السابق، فالموظفون بلا رواتب وغالبيتهم يستدينون حاجياتهم الأساسية، وبعضهم يشتري السمك بالدين ولا يستطيع الإيفاء به بسبب الأزمة الكبيرة التي نعيشها من جراء الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وبسبب ضعف القدرة الشرائية وازدياد الفقر".

ويضاف إلى كل ذلك، معاناة الصيادين أنفسهم من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة عليهم ومنعهم من الصيد على مسافات محددة من الشاطء، إضافة إلى الاعتقالات الواسعة في صفوفهم.

أسواق غزة تعرفها باسم سلوى، لكن يُسجّل في شهادة ميلادها اسم "فاطمة". لا تتحدث عن هذا الموضوع، ولكن كل من يعرفها يقول إنها لا تكل ولا تمل من البحث عن سعادة أولادها وتأمين حاجاتهم، حتى بعدما كبروا، وهي التي تقوم بهذه المهمة منذ أن توفي زوجها قبل 20 عاماً، بسبب مرضه، وترك لها خمسة أولاد، ضمنت لهم الاستمرارية في ظروف غزة بالغة القسوة.

تعلقت سلوى بالبحر منذ صغرها، وتقول: "كان والدي صياداً، وكنت أساعده في العمل. كان الصيد أفضل من اليوم والسمك وفير، وحركة الشراء أكبر". تشد حجابها إلى رأسها، وتبتسم للزبائن الذين يعرفونها جيداً، ويمازحونها. يقاطع أحدهم الحديث "سلوى عانت كثيراً في حياتها، منذ صغري أراها في السوق، على الرغم من مرضها وشقائها، إلا أن روحها جميلة، وتبتسم للحياة".

لا تلتفت سلوى إلى الحديث خجلاً، وتنشغل بترتيب السمك في صناديقها، ثم تضيف: "تركت التعليم في الثالث إعدادي، كان وضعنا الاقتصادي صعباً، وأخذت أساعد والدي في البحر والصيد وبيع السمك"، ورحلة البيع لاحقتني في زواجي الأول الذي لم يدم، وفي زواجي الثاني الذي أنهاه القدر بوفاة زوجي. ولكن الحمد لله، كبّرت أولادي، وزوجّت اثنين منهم، واليوم ما أبيعه بعد المرور بثلاثة أسواق يصل إلى30 شيكلاً في اليوم، وهو لا يفي باحتياجاتنا اليومية، إلا أنه أفضل من لا شيء".

لا تمتلك سلوى رأس المال، فرأس مالها ثقة التجار بها، تقول: "أشتري السمك من التجار بالدّين ثم أسدد المبلغ بعد أن أبيع السمك".

سلوى القوية في السوق والبيت، الضعيفة أمام مرآة العمر، أو تبدو كذلك، لا تتذكر كم عدد المرات التي نظرت إلى وجهها في المرآة كي ترى سنها الأمامية المكسورة. تضحك، وتقول: "حتى أسناني تكسرت، وحال السوق لا يسُر، فلم أستطع إصلاحها، بسبب رداءة الحال".
هل مررتِ بمواقف صعبة، أو خفتِ؟ تجيب سلوى: "لماذا يجب أن أخاف وممن؟ أعيش من البحر، والسمك لن يتوقف ولن يختفي، كما أن قسوة الحياة اقتلعت من قلبي كل الخوف. عليّ أن أكون قوية كي أكمل هذه الحياة بكرامتي، وأقف إلى جانب أبنائي إلى أن أطمئن إلى مستقبلهم. حلمي أن أراهم لا يحتاجون شيئاً". وتصر على أن تستمر في رحلتها، بعدما وُصّم شقاؤها بمرض السُكّر وارتفاع الضغط في الدم.

المساهمون