"رأس مال الأم" لا يحلّ أزمة المواليد بروسيا

"رأس مال الأم" لا يحلّ أزمة المواليد بروسيا

30 يناير 2020
سعيدة بمولودها الجديد (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -
مع استمرار تراجع عدد سكان روسيا لعامين متواصلين، تحولت قضية زيادة المواليد إلى الشغل الشاغل للسلطات الروسية، وسط سعيها إلى توسيع نطاق برامج دعم العائلات وتحفيزها على الإنجاب.

ومن بين مؤشرات تفاقم مشكلة تدني معدلات الإنجاب، تخصيص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جزءاً هاماً من رسالته السنوية إلى الجمعية الفدرالية الروسية في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، لأزمة السكان، واقتراحه إصلاح برنامج إعانات "رأس مال الأم"، ليتم صرفها عند إنجاب الطفل الأول وليس الثاني، كما كان الحال عليه حتى الآن.

و"رأس مال الأم" هو معونة مشروطة تعادل قيمتها نحو 7500 دولار لا تحصل عليها العائلات الروسية نقداً، بل يمكن استثمارها في تحسين ظروف السكن والتعليم وغيرها. على الرغم من ذلك، يشكك الباحث المستقل في علم الديموغرافيا أليكسي راكشا، في جدوى صرف "رأس مال الأم" عند إنجاب الطفل الأول لزيادة عدد المواليد، إذ تقدم الغالبية الساحقة من العائلات على إنجاب طفل واحد على الأقل بصرف النظر عن الحصول على إعانة أو عدمه.

ويقول راكشا لـ "العربي الجديد": "تبلغ نسبة إنجاب الطفل الأول بين النساء من مواليد عامي 1984 و1985، 89 في المائة، بينما تبقى 11 في المائة من دون أطفال. صحيح أن نسبة عدم الإنجاب هذه أعلى بمقدار الضعف مقارنة بالواقع خلال فترة الاتحاد السوفييتي في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن هذا أحد أفضل المعدلات بين الدول المتقدمة اليوم".



وحول معدلات الإنجاب المتوقعة لجيل التسعينيات، يقول: "قد ترتفع نسبة عدم الإنجاب إلى 17 في المائة، لكنّ ذلك توجه عالمي. إلا أن غالبيتهم لم ينجبوا إما لأسباب صحية، وإما نتيجة لشخصية معقدة تحول دون إيجاد شريك مناسب، وواحد في المائة فقط هم من الممتنعين عن الإنجاب طوعاً. يعني ذلك أن صرف هذه الأموال سيخفض نسبة عدم الإنجاب بنسبة 10 في المائة أو 1.7 نقطة مئوية في أحسن الأحوال، إذ إن إنجاب الطفل الأول لا يتأثر كثيراً بمعدل الدخل، على عكس الطفلين الثاني والثالث".

ويذكّر بأنه بعد إطلاق برنامج "رأس مال الأم" عام 2007، زادت معدلات إنجاب الطفلين الثاني والثالث في الأسرة بصورة كبيرة، ما يعني أن النسبة النهائية لإنجاب الطفل الثاني قد ترتفع من 55 في المائة (من بين من أنجبوا الطفل الأول) إلى 66 - 67 في المائة، كما أنها كانت قابلة للارتفاع إلى 70 في المائة لولا الأزمة الاقتصادية الراهنة والقرارات الأخيرة بشأن إصلاح منظومة الإعانات.

وإثر الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اجتاحت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، واجهت البلاد تراجعاً حاداً في معدلات الإنجاب إلى ما دون أعداد الوفيات.

ومع إدراكها أن تراجع أعداد المواليد وزيادة الأعمار المتوقعة، سيؤدي حتماً إلى هرم الأمة وعجز صناديق التقاعد، توجهت روسيا منذ عام 2007 إلى تطبيق برامج لتحفيز العائلات على الإنجاب.

وأدت هذه الإجراءات إلى زيادة المواليد بنسبة 10 في المائة في عام 2007 وبنسبة الثلث بحلول عام 2016، على الرغم من تراجع دخل الأفراد وركود الاقتصاد الروسي إثر مواجهته صدمتي تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا منذ عام 2014.
ولما كان قرار الإنجاب مرتبطاً بشكل مباشر بإمكانية توفير سكن يتسع لجميع أفراد الأسرة، سجلت الأقاليم التي فيها أدنى أسعار العقارات، أعلى وتيرة زيادة مواليد، وذلك على عكس العاصمة موسكو، حيث لا تغطي قيمة "رأس مال الأم" ثمن سوى بضعة أمتار مربعة من مساحة الشقة.

إلا أن أعداد المواليد عادت إلى التراجع منذ عام 2017، ما أدى إلى انخفاض عدد سكان روسيا في عامي 2018 و2019، إذ لم يعد تدفق المهاجرين يسد الفجوة بين أعداد المواليد والوفيات.



وبحسب البيانات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" عام 2019، فإن عدد سكان روسيا تراجع بمقدار 35 ألفاً في العام الماضي، ليبلغ 146 مليوناً و745 ألف نسمة بحلول الأول من يناير/ كانون الثاني 2020.

وعند تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، كان عدد سكان روسيا يبلغ 148 مليون نسمة، وقد بدأ يتراجع لينخفض إلى ما دون 143 مليوناً بحلول عام 2007. لكنّ عدد سكان البلاد بدأ يرتفع منذ عام 2009، مدفوعاً بحركة تدفّق المهاجرين وارتفاع عدد المواليد بالمقارنة مع عدد الوفيات بصورة طفيفة، وصولاً إلى قفزته لأكثر من 146 مليون نسمة بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014.