"ديليفري" الكتب: استثمار لبناني رابح

"ديليفري" الكتب: استثمار لبناني رابح

01 يونيو 2015
توصيل الكتب مجاناً داخل المناطق اللبنانية (Getty)
+ الخط -
انطلق الشاب اللبناني هادي بكداش في تجربته الاستثمارية الفريدة "بووك بوست"، من حلم إعادة إحياء "دار النسر" للطباعة والنشر، الذي لم يستطع والده إنعاشه بعد الحرب الأهلية. دفع غياب التمويل الكافي وسوء حال دور النشر في لبنان إلى تخليه عن هذه الفكرة، والاستعاضة عنها بتجربة فريدة تقوم على لعب دور الوسيط بين دار النشر وطالبي الكتب.

"بووك بوست"
من هنا بدأ بكداش في البحث عن فكرة جديدة لبيع الكتب، معتمداً على مكتبة والده التي تحتوي 11 ألف كتاب أصبحت بمعظمها قديمة ونادرة، إضافة إلى علاقة والده الوطيدة مع أصحاب دور النشر في لبنان، ما ساعده في تأمين مختلف أنواع الكتب لطالبيها.

في العام 2013، أسس بكداش "بووك بوست"، وعمل على تأمين خدمة إيصال الكتب إلى أي مكان في لبنان "ديليفري"، من دون أي كلفة إضافية. للوهلة الأولى يستغرب البعض سبب إصراره على الإبقاء على مجانية هذه الخدمة، على الأقل في لبنان، حيث ترتفع أكلاف كل تفاصيل الحياة. ولكن إصرار بكداش نابع من إحساسه بالمسؤولية إزاء ضرورة نشر الثقافة في لبنان أولاً والوطن العربي تالياً، إضافة إلى دخول مشروع مربح بفرادته.

إذ على رغم مجانيته، فإن المشروع يعتبر مربحاً جداً وفق بكداش الذي قال لـ "العربي الجديد"، إن "غياب التسويق في سوق الكتب المطبوعة، سبب في تراجع عدد القراء"، مشيراً إلى أن "دور النشر في لبنان تعاني بشكل واضح من غياب ثقافة الإعلانات، على رغم أن الكتاب يعتبر منتجاً كأي منتج آخر".

وأضاف أن مشروعه يعتمد على التسويق لدور النشر بشكل رئيس، فبحكم العلاقة التي تربط بينه وبين معظم أصحاب هذه الدور، استطاع بكداش الحصول على كمية هائلة من الكتب ترضي جميع الأذواق. ولفت إلى أن وظيفة دور النشر تقتصر على تأمين منتج "نظيف" للقارئ بأسعار مقبولة، إنما عملية البيع تقع خارج قدرتها، لذا كان لا بد من وسيط يلعب هذا الدور ويساعد في عمليات بيع الكتب.

وبهذه المعادلة، اعتمد بكداش على تخفيف الأكلاف بأكبر قدر ممكن على الشاري لتشجيعه على القراءة أولاً، وتشجيعه على الطلب مرة أخرى، خصوصاً أن العامل الرئيس الذي يحاول بكداش تعميمه هو عامل السرعة في التوصيل.

طرق مبتكرة للتسويق
يصطدم بكداش في محاولته تأمين الكتب بالسرعة المطلوبة بعدة عقبات، خصوصاً كون فريق عمله الذي يعتمد على موظفين ثابتين و3 متطوعين لا يستطيع تغطية كافة الأراضي اللبنانية إذا ما أراد الالتزام بعامل الوقت "المقدس" بالنسبة إليه.

قال بكداش لـ "العربي الجديد"، إن القول المأثور في لبنان عن أن الناس "لا تقرأ" هو قول مغلوط تماماً، إذ إن مشروعه أظهر أن الطلب على سوق الكتب المطبوعة يعد مرتفعاً، ولكن الأزمة تكمن في التسويق. بحسب بكداش، كان لا بد من إيجاد سياسة تسويقية صحيحة لسوق الكتب، وخصوصاً كون لبنان يضم ما يزيد عن 700 دار نشر، ويطبع سنوياً قرابة 7500 كتاب وهو ما يشكل ثلث الإنتاج العربي من الكتب.

يعتمد بكداش في سياسة التسويق أولاً على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يستطيع المعجبون بصفحته الحصول على معظم الكتب المتوافرة في الأسواق، إضافة إلى الكتب الصادرة حديثاً عن دور النشر.

وبشأن التمويل، أكد بكداش أن رأس المال المتواضع الذي يملكه أنفقه على تأسيس المكتب، وتأمين بعض الكتب الأساسية التي تُطلب، إلى أن تشجعت دور النشر لاحقاً وقامت بتزويده بالكتب التي يحتاجها.

ويتساءل البعض عن كيفية الربح في مشروع لا يتقاضى ثمن التوصيل، ليتضح أن علاقة بكداش المميزة بدور النشر إضافة إلى حماستها لهذه المبادرة كونها تساعدها على زيادة نسب المبيعات من دون أي كلف إضافية، دفعت بالدور إلى تأمين خصومات كبيرة على مختلف أنواع الكتب، الأمر الذي يعتمد عليه بكداش لتأمين ربحه.

أما حول العوائق التي تواجه المشروع، فقال بكداش إن حجم شركته الصغير لا يمكّنه من التوصيل إلى كل المناطق اللبنانية بالسرعة المطلوبة، إلا أن الشركة بصدد التوسع مناطقياً يوماً بعد يوم، إضافة إلى ما سبق، تشكل "القرصنة الإلكترونية" للكتب منافساً رئيساً يحطم سوق المنافسة.

وبشأن المبيعات، أشار بكداش إلى أن نسب مبيعاته تظهر أن المناطق البعيدة عن بيروت الإدارية هي الأكثر طلباً على الكتب. أما عربياً، فإن النسبة الكبرلى من الطلبات تأتي من الدول الخليجية، حيث يتم شحن هذه الكتب عبر مكاتب التوصيل المعتمدة. في المحصلة، اعتبر بكداش أنه ولأول مرة في لبنان، أصبحت القراءة والكتابة تشكل جزءاً مهماً من حياة الناس، وخصوصاً مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى حياتنا اليومية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة عن سبب غياب المبادرات الرسمية التي تشجع هكذا استثمارات تعود بالنفع على الشباب والبيئة الثقافية.

المساهمون