"داعش" سورية: دور الأنظمة والتاريخ المشبوه

"داعش" سورية: دور الأنظمة والتاريخ المشبوه

02 يوليو 2014
مقاتلو "داعش" في معقل التنظيم بمدينة الرقة (أرشيف)
+ الخط -
احتلّ تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" (داعش)، خلال فترة قصيرة، مكانة كبيرة لناحية حضوره وقوته وتطرفه، في الساحتين السورية والعراقية، تحت قيادة أمير التنظيم، أبو بكر البغدادي، الذي نصب نفسه أخيراً "خليفة للمسلمين" على "دولة الخلافة"، الممتدة من شرقي حلب إلى تكريت شمال بغداد.

ويرى مراقبون أن العامل الأساسي في وصول "داعش" إلى ما وصل إليه، هو الدول والأنظمة التي تدّعي محاربته، كبعض الدول الخليجية، ومن خلفها الولايات المتحدة، فضلاً عن نظامي الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، ومن خلفهما إيران.

النشأة ودور الأنظمة

منذ بداية الثورة السورية، اتخذت واشنطن موقفاً يقوم على الإبقاء على حالة الاستعصاء العسكري في سورية، لأطول فترة ممكنة، الأمر الذي يضمن تدمير ما أمكن من الدولة السورية، بغية تحويلها لدولة ضعيفة في مواجهة حليفتها إسرائيل. وعلى الأقل، غضّت واشنطن الطرف عن دعم الرياض للمجموعات الأكثر تشدداً، وهو ما يشرحه البعض بأنه يعزّز المصلحة السعودية في إعطاء صورة دموية لثورات "الربيع العربي". كما أن كثراً يرون أن إحجام الادارة الأميركية عن دعم الجيش السوري الحر بالدعم الكافي في مواجهة آلة القتل النظامية، قد ساهم في ارتماء الكثير من السوريين في أحضان تنظيمات تكفيرية كـ"داعش" وغيرها، على قاعدة أنه لن يكون هناك أسوأ من بقاء هذا النظام. 

من جهته، سعى النظام السوري إلى تصوير الثورة ضده على أنها تمرد إسلامي، ولم يكن أمامه، لكي يصمد، سوى المساعدة في تقوية التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها "داعش"، الذي يؤمن له الذريعة الأقوى لتصوير نفسه كـ"محارب للإرهاب".

وتعود نشأة تنظيم "داعش" إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2006، وكان يعرف في حينها، بـ "دولة العراق الإسلامية".

سجّل العام 2007 ضعفاً في حضور التنظيم، ما لبث أن تجاوزه بقوة اعتباراً من ربيع العام الماضي، مستفيداً من اشتعال الأوضاع في الساحة السورية، ومن ثم العراقية.

حين أصدر البغدادي قراره، في التاسع من أبريل/نيسان 2013، بدمج تنظيمه في العراق مع "جبهة النصرة"، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، ورفض الأخير لهذا القرار، حدث في اليوم التالي انشقاق داخل "النصرة"، ليشكل المنشقون "تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام". وتفيد التقديرات بأن نحو عشرة آلاف من عناصر "النصرة"، التحقوا بالتنظيم الجديد، بينما فضّل آخرون الالتحاق بتنظيمات أخرى، وأهمها حركة "أحرار الشام"، حقناً للدماء.

بعد هذا الانقسام داخل فرعَي "القاعدة"، دخل أيمن الظواهري على الخط، وطلب أن يحصر "داعش" نشاطه في العراق، و"النصرة" في سورية، وهو ما رفضه البغدادي، الذي أعلن في 12 مايو/أيار الماضي، قطع العلاقة مع "القاعدة"، مطالباً الظواهري بتقديم البيعة له.

تاريخ مشبوه

وتنطوي مسيرة "داعش" في سورية على الكثير من الألغاز والخفايا، ما جعله دائماً محط تشكيك من قبل بقية الفصائل المقاتلة على الأرض، والتي سرعان ما دخلت في مواجهات عسكرية معه في عموم المدن السورية، بسبب إصراره على التفرد بالقيادة، ومنهجه المتشدد في تفسير الدين.
وبحسب التقديرات، فإن أغلب قيادات التنظيم في سورية، كانت محتجزة في سجن صيدنايا

قرب دمشق، حتى منتصف العام 2011، حين أطلق النظام سراحهم، في خطوة فسرت بأنها مساهمة منه في تأسيس التنظيم وتمكينه.

ويورد ناشطون مؤشرات ودلائل كثيرة، تؤكد على أن التنظيم مخترق من النظام، أو على الأقل يعمل وفق خريطة تقاطع مصالح واسعة معه، الأمر الذي يترجم بتفاهمات محسوسة على الأرض.

ويلفت هؤلاء إلى أن عناصر "داعش"، يتخذون من المؤسسات الحكومية مقرات لهم، حالما يسيطرون على منطقة ما، خلافاً للتنظيمات الأخرى، التي تحاول التواري في أبنية مخفية بعيداً عن طائرات النظام وصواريخه. لكن مقرات "داعش" قلما تتعرض للقصف من قوات النظام، بما في ذلك المقر الرئيسي له في مدينة الرقة، وهو مبنى المحافظة.

ومن الحوادث المريبة، سيطرة مقاتلي التنظيم، أخيراً، على مستودعات السلاح في الحمرا، شرقي حماه، بسهولة لافتة، حتى إنهم جلبوا حمالين بالأجرة لتعبئة صناديق الذخيرة في الشاحنات، وتم نقل تلك الأسلحة والذخيرة إلى حلب، من دون أن يعترضهم أحد على الطريق، على الرغم من الحصار الذي تفرضه قوات النظام على المدينة.

وطرحت عملية استيلاء "داعش" على مطار منغ العسكري بحلب، الكثير من إشارات الاستفهام لدى المراقبين، لناحية التنسيق بينه وبين قوات النظام، إذ حاصرت كتائب المعارضة

المطار لشهور عدة، وحين بدأت ذخائر ومؤن عناصر النظام الموجودة داخل المطار بالنفاذ، تدخّل "داعش"، واستلم المطار خلال يوم واحد، بعد أن أمن انسحاب كل العناصر المحاصرين بدباباتهم إلى أقرب ثكنة عسكرية للنظام.

وعمدت التنظيمات السلفية الجهادية (النصرة، أحرار الشام، ولاحقا داعش)، إلى استمالة الرأي العام الشعبي في المناطق التي تواجدت فيها بأساليب عدة. ومن خلال الضخ المالي الكبير لتلك التنظيمات، استطاعت قراءة احتياجات الناس في تلك المناطق، وأمنت لهم الخبز، ونظمت لهم بعض الشؤون الحياتية، عبر ما يُسمّى "المحاكم الشرعية"، ما دفع الناس إلى النظر لتلك التنظيمات باعتبارها أفضل من الفوضى.

واستخدمت تلك التنظيمات المساجد، التي كانت تخرج منها التظاهرات، كأدوات لنشر أفكارها، وتغيير المزاج الشعبي باتجاه التعاطف معها، فاستبدلت معظم خطباء المساجد بخطباء ينتمون إليها، وتعاطى الناس معهم بإيجابية، كونهم كانوا ينتظرون من أئمة المساجد رفع سقف الخطاب لمستوى مطالبهم بإسقاط النظام.

إلا أن بسط تلك التنظيمات سيطرتها، وخصوصاً "داعش"، وقيامه بتنفيذ إعدامات بحق الناشطين، وتطبيقه لأحكام غريبة عن المجتمع السوري، خلق ردة فعل سلبية ضده، وتم رفضه من قبل كل الفصائل المعارضة على الساحة السورية، وهو ما ينذر باتساع رقعة الرفض السوري له، بكافة أشكال المقاومة.

المساهمون