"حمائم" بن لادن

"حمائم" بن لادن

13 سبتمبر 2014

وجهان مصنوعان لبن لادن في الصين (Getty)

+ الخط -

لم نتخيل أن يوماً سيأتي، نتحسر فيه على زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وننظر إليه باعتباره "داعية سلام"، مقارنة بما نشهده، اليوم، من موجات تطرف إسلامي، فاقت تنظيم القاعدة بأشواط، على الرغم من أنها خرجت من العباءة نفسها. عباءة واسعة وفضفاضة، لا تستثني أي جهاز مخابرات غربي وعربي من المساهمة في نشأتها، تماماً كحال تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي نما وترعرع تحت أنظار هذه الأجهزة.

في ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وعلى الرغم مما جلبته للمنطقة من كوارث أميركية، بدءاً من أفغانستان، وصولا إلى العراق، نشهد، اليوم، ما يمكن أن يكون النسخة الثانية من الحرب على الإرهاب، المتمثل في تنظيم "الدولة الإسلامية". نسخة من المتوقع أن تجلب موجة ثانية من الكوارث على المنطقة، خصوصاً العربية، ما دامت تحتكر، هذه المرة، وجود التنظيم المستهدف. لا أفغانستان ولا باكستان، فقط سورية والعراق، وربما لبنان. دائرة العمل الأميركي الغربي، المغطّى بالتحالف الواسع، ستكون ضمن هذا النطاق الجغرافي، وعلى أهل هذه المناطق التحضّر لحرب طويلة، وربما، لاحقاً، وجود أميركي ليحمي المكتسبات في حال تحققت.

حرب طويلة، لأن الأهداف المطلوب تحقيقها مبهمة وغامضة، وعملياً غير ملموسة، على عكس ما كانت عليه الأمور في النسخة السابقة. سابقاً، كان حُكما طالبان وصدام حسين مستهدفين، وبالتالي، كان يمكن معرفة متى حققت هذه الحرب أهدافها، خصوصاً بعد إسقاطهما. لكن، أي أهداف يمكن أن تعلن الإدارة الأميركية تحقيقها اليوم، ومن سيكون قادراً على إعلان النصر على "الدولة الاسلامية" في شكلها الهلامي غير المؤطر برؤوس ومؤسسات. وأي إنجازات ستسمح لأي رئيس أميركي بأن يعلن "إنجاز المهمة".

المهمة شاقة، وأهدافها أكثر تعقيداً من سابقاتها. وبن لادن الذي مثل قتله إعلان نصر للإدارة الأميركية، يمكن اعتباره هدفاً سهلاً، مقارنة مع القائم اليوم على يد "الدولة الإسلامية"، على الرغم من أن الأمر هو سياق تطور طبيعي للفكر نفسه الذي أسسه بن لادن مع شريكه أيمن الظواهري، لكن الظروف والمقومات قد تكون على درجة كبيرة من الاختلاف، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى التركيب الحالي للتنظيم الجديد وقياداته، والذي يجعل الفرق شاسعاً بينه وبين "القاعدة" الأم.
قد تصح مقارنة سريعة بين ما كان عليه بن لادن وتنظيمه، خصوصاً بعد سقوط حكم طالبان في أفغانستان، ووضع أبو بكر البغدادي و"دولته"، خصوصاً بعد سيطرته على مناطق استراتيجية عديدة في العراق وسورية.

بدايةً، يمكن الإشارة إلى وضع بن لادن وجماعته المطاردين في جبال أفغانستان وباكستان، قبل العثور عليه وقتله قرب إسلام آباد. وضع لم يسمح لزعيم تنظيم القاعدة ببسط نفوذه والتباهي بجيشه، على غرار ما يقوم به البغدادي اليوم، والذي، بحسب تقارير غربية، قوام عسكره بين 20 و30 ألف جندي، وهو عملياً رقم يضاهي، وربما يتفوق، على عديد بعض الدول.

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فحين تصل الأمور إلى التسليح، فالفرق أيضاً واضح، خصوصاً بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على كثير من عتاد الجيشين، العراقي والسوري، وهذا في جزء منه أميركي وروسي بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يقارن بالسلاح الذي كان يملكه تنظيم القاعدة في أفغانستان، وكان، في مجمله، سلاحاً فردياً، مع قاذفات صواريخ بدائية الصنع.

الفروق كثيرة. لكن، قد يكون الأهم مزاوجة التنظيم بين كونه يملك جيشاً نظامياً، وفي الوقت نفسه، يعمل بمنطق التنظيم السري والمتخفي. مزاوجة تزيد من تعقيد عملية محاربة التنظيم، المنتشر على بقعة جغرافية واسعة ومتداخلة. وإذا أضفنا إلى ذلك ممارسات "الدولة الإسلامية" وأساليب القتل الذي تقوم به، لا بد أن نستنتج أن بن لادن وجماعته كانوا مجرد "حمائم".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".